هل تتدخل تركيا عسكريا لمنع قيام دولة كردية في سوريا؟
١٦ يونيو ٢٠١٥برهن أكراد سوريا على أنهم قوة لابد أن يحسب لها حساب. فبعد طردهم لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من بلدة كوباني الكردية في يناير/ كانون الثاني الماضي، هاهم يحكمون قبضتهم على مدينة تل أبيض الاستراتيجية في محافظة الرقة، معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال سوريا، موجهين للتنظيم الإرهابي ضربة موجعة. وعن أهمية هذا التقدم الميداني للأكراد يقول الصحفي والخبير في الشؤون الكردية سربست بامرني في حديث مع DW عربية: "تل أبيض موقع استراتيجي جدا، لأنه يربط بين منطقتين كرديتين كانتا منفصلتين. كما أن الأكراد تمكنوا من السيطرة على معبر حدودي مهم بين سوريا وتركيا. وتكمن أهميته في أنه قريب من الرقة، العاصمة المفترضة لتنظيم الدولة الإسلامية." ويقصد بامرني هنا المعبر الحدودي الذي يربط بين مدينتي "أقجه قلعة" التركية وتل أبيض السورية. ويوضح بامرني: "قطع الطريق يعني على الأرجح قطع الإمدادات عن هذا التنظيم الإرهابي والحيلولة دون تسلل المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية للالتحاق بداعش."
تقدم الأكراد في سوريا - بداية نهاية "داعش"؟
وتقع مدينة تل أبيض على الحدود السورية التركية وتبعد نحو مائة كيلومتر شمال مدينة الرقة، التي تعتبر عاصمة تنظيم "داعش". ويشير محللون إلى أنها نقطة عبور رئيسية للأسلحة والمقاتلين "الجهاديين" وكذلك لعبور النفط الذي يباع في السوق السوداء. وذكر موتلو تشيفيرأوغلو، الخبير في الشؤون الكردية، لوكالة فرانس برس، أن تل أبيض بالنسبة لداعش هي شريان الحياة الرئيسي، الذي يربط مدينة الرقة بالعالم الخارجي. وأوضح تشيفيرأوغلو: "تل أبيض هي المركز المالي واللوجستي لتنظيم الدولة الإسلامية. وإذا خسر التنظيم هذا المركز، فسيكون من الصعب جدا عليه تهريب مسلحين وبيع النفط، والمتاجرة بسلع أخرى يتاجر فيها حاليا". وبسيطرة الأكراد على تل أبيض يخسر تنظيم "الدولة الإسلامية" واحدا من أبرز طرق إمداده مع تركيا. كما أنه لم يعد يسيطر إلاّ على معبر جرابلس الحدودي مع تركيا في محافظة حلب، علما بأن عمليات نقل الأسلحة والمقاتلين تتم عن طريق التهريب وليس عن طريق المعابر، المغلقة رسميا من الجانب التركي.
وأصبح الأكراد يسيطرون الآن في سوريا على شريط حدودي مع تركيا بطول 400 كيلومتر، يمتد من ريف حلب الشمالي الشرقي وصولا إلى مثلث الحدود السورية التركية العراقية، باستثناء معبر "القامشلي" في محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا)، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
التقدم الميداني للأكراد في سوريا قد ينذر بانتهاء حقبة "داعش" في المنطقة، حسب رأي سربست بامرني في حديثه مع DW عربية: "تقدم الأكراد ميدانيا جاء نتيجة جهود مشتركة بين القوات الكردية والتحالف الدولي والمعارضة السورية المسلحة. وأعتقد أن ما تكبده تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا قد يمهد لبداية نهايته".
وقد بدأ المقاتلون الأكراد والمسلحون السوريون، من بينهم قوات "بركان الفرات" تقدمهم باتجاه تل أبيض في الحادي عشر من حزيران/ يونيو بدعم جوي من قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة. ويشن التحالف الدولي ضربات جوية منذ عشرة أشهر تستهدف مواقع "الدولة الإسلامية" في شمال سوريا، ما سمح للأكراد باستعادة مدينة كوباني (عين العرب) في كانون الثاني/ يناير إضافة إلى عدد كبير من القرى والبلدات المحيطة.
مخاوف تركية من انتصارات الأكراد العسكرية
بيد أن الانتصارات العسكرية لأكراد سوريا من شأنها أن تثير مخاوف جيرانهم الأتراك، بحسب الخبير في الشؤون الكردية سربست بامرني. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد اتهم المقاتلين الأكراد بالوحشية، وقال إنهم يضطهدون المدنيين في شمال سوريا ويرغمونهم على الفرار بنفس طريقة متشددي تنظيم "الدولة الإسلامية" وقوات الأسد. بينما ترفض القوات الكردية هذه الاتهامات.
وفي تعليق نشرته على موقعها الالكتروني، الاثنين (15 يونيو/ حزيران 2015)، كتبت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية أن: "الحرب قد تقسّم سوريا إلى عدة كيانات جديدة، وتغير خريطة الشرق الأوسط السياسية: فبدلا من سوريا القديمة قد تظهر دولة تحت سيطرة نظام الأسد، وخلافة للدولة الإسلامية، ودولة كردية على امتداد الحدود مع تركيا".
وفي الواقع فإن مشروع قيام دولة كردستان حلم يراود أكرادا في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينهم أكراد سوريون. ويقول سربست بامرني: "الحراك الكردي في سوريا يصب في مشروع (قيام دولة كردستان) وموقف الأكراد أصبح الآن أفضل جدا من القرن الماضي، فقد أثبتوا أنهم يرفضون الإرهاب ومستعدون للتعاون مع القوى الدولية لضرب هذا التنظيم الإرهابي. كما أن تجربتهم في كردستان (العراق) ناجحة إلى حد ما، فهناك مؤسسات دستورية وهناك برلمان وغيره"، حسب تعبيره.
وقد أثار التقدم الكردي في سوريا انتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه. فالقوات الكردية السورية التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" ترتبط بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. ونقلت فرانس برس عن نهاد أوزكان المحلل في معهد "تيباف" بأنقرة، أن انتقادات أردوغان سببها مخاوف من تصاعد "المشاعر الانفصالية" بين الأكراد في جنوب شرق تركيا، وأضاف "إذا سيطر الأكراد على تل أبيض بعد تحريرهم كوباني، فإنهم سيظهرون كقوة قتالية في وجه تركيا".
ومن المعلوم أن تركيا بها أكبر أقلية كردية، حيث يعيش فيها نحو 14 مليون كردي. وتنظر تركيا إلى التقدم الميداني للأكراد في سوريا بأنه يصب أيضا في إطار مشروع قيام دولة كردية داخل حدود تركيا، وهذه مسألة تقض مضاجع الأتراك. ومن شأن التطورات الجديدة أن تؤدي إلى تصعيد جديد، حسب تعليق "تاغس شبيغل": "قد تطلب تركيا من الجماعات السورية المتمردة التي تدعمها محاربة الأكراد. ووفقا للمعارضة التركية، فإن أنقرة تقوم الآن فعلا بدعم "الدولة الإسلامية" من أجل تحقيق هذا الهدف بالضبط". وبحسب الصحيفة الألمانية فإن السيناريو لن يقف عند هذا الحد وإنما: "طال الزمن أم قصر، قد تتدخل تركيا عسكريا للحيلولة دون قيام دولة كردية. وهذا من شأنه أن يفسح المجال لتدخل القوة الشيعية، إيران. وهذا بدوره قد يدفع السعودية ودولا خليجية سنية أخرى للتدخل أيضا. وعليه، فإن المأساة الحقيقية في سوريا أصبحت على وشك الحدوث".