بعد فيتو روسيا.. كيف تصل المساعدات للملايين في سوريا؟
٢١ يوليو ٢٠٢٣بعد فشل مجلس الأمن في تجديد آلية إيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا، صب النازح عبد السلام اليوسفي، الذي يعيش مع أطفاله الخمسة في مخيم باتنته للنازحين في شمال غرب سوريا، جام غضبه على الأمم المتحدة. وفي مقابلة مع DW، قال "لا تعاملنا الأمم المتحدة معاملة حسنة. لا أستطيع أن أتخيل لماذا ستسمح لمن تسبب في نزوح الملايين بأن يشرف على تقديم المساعدات الإنسانية إليهم في الوقت الراهن. آمل حقا ألا يحدث ذلك".
ويعد اليوسفي احد ملايين السوريين الذين فروا من ديارهم عقب اندلاع الانتفاضة في عام 2011 وباتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية الحيوية التي تصل إلى الملايين القاطنين في مناطق الشمال الغربي الواقعة خارج عن سيطرة النظام.
وكان اليوسفي، البالغ من العمر 45 عاما، يشير بذلك في حديثه إلى انتهاء التفويض الذي ترسل بموجبه الأمم المتحدة مساعدات إغاثية لشمال غرب سوريا الاثنين (12 يوليو / تموز) بعد أن استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي قدمته كل من البرازيل وسويسرا بهدف تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا من تركيا لتسعة أشهر. وعقب ذلك، وصفت الأمم المتحدة "الشروط" التي وضعتها دمشق لاستخدام معبر باب الهوى الحدودي لإيصال مساعدات إنسانية إلى شمال غرب سوريا، بأنها "غير مقبولة''، وفقا لما أشارت إليه وكالة الصحافة الفرنسية.
وتُطالب الرسالة التي بعثتها دمشق بأن يكون هناك إشراف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري على توزيع المساعدات. وشدد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية على أن هذا الطلب "لا يتوافق مع استقلالية الأمم المتحدة، كما أنه ليس عمليا، لأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري غير متواجدين في شمال غرب سوريا.
من جانبه، يرفض أنس خزندار وهو عامل إغاثة ومؤسس جمعية "البنيان المرصوص" التي تقوم بتوزيع الغذاء والماء والإمدادات الأخرى على 10 مخيمات حول إدلب، تسييس قضية المساعدات. وفي مقابلة مع DW، أضاف "يمثل الأمر إهانة لكرامة المدنيين. كمنظمات إنسانية، لا نثق في أي منظومة يديرها النظام السوري لأنه تعمد استهداف الفرق العاملة على الأرض".
كرة في ملعب المساومات الدولية!
ومنذ سنوات، ظلت المساعدات التي تصل إلى الشمال السوري عبر الحدود قضية سياسية، فيما تشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد سكان إدلب يبلغ قرابة أربعة ملايين شخص، بينهم أكثر من 1.7 مليون شخص يعيشون في مخيمات النازحين، فيما يعتمد معظم السكان على المساعدات الإنسانية التي يأتي جُلها عبر معبر "باب الهوى".
ويصر النظام السوري على وجوب مرور المساعدات الإنسانية عبر دمشق، رغم الاتهامات بأن الحكومة تتعمد تجويع البلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة لدفعها للاستسلام أو أنها ترغب الاستفادة من آلية إيصال المساعدات. ولتجنب ذلك، انخرط مجلس الأمن الدولي فيما اُطلق عليه "المساعدات الحدودية" أي الآلية التي تتيح نقل الطعام والأدوية من تركيا إلى شمال غرب سوريا دون تصريح من دمشق، فيما كان يتم تجديد التفويض الأممي كل ستة أشهر. وفي سياق متصل، اشار الخبراء إلى أنه في حين أن حكومة الأسد قد تكون مسؤولة عن الحدود السورية- التركية على الورق، إلا أنها لا تسيطر عليها بشكل فعلي إذ في الوقت الذي تدير أنقرة الجانب التركي من الحدود، فإن الجانب السوري تديره جماعات حاربت نظام الأسد.
وفي ذلك، كتب أنسجار مونيشسدورفر، الباحث في مشروع "قانون الصراع الممتد" التابع لجامعة برلين الحرة، إن هناك "صورة شائعة مضللة تصف المعابر الحدودية في شمال غرب سوريا على أنها إما مفتوحة أو مغلقة. حديث الأسد عن الموافقة لن تغير الوضع على الأرض بأي شكل من الأشكال، حيث أنه لا يسيطر على المراكز الحدودية على جانبي الحدود."
ما مصير الناس المعتمدين على المساعدة؟
بيد أن السؤال الهام الذي يدور في أذهان سكان الشمال السوري يتمحور حول كيف سيحصلون على المساعدات التي تعينهم على تحمل وطأة النزوح في الوقت الحالي؟ بدروه، يرى المحامي جاك سبرسون، عضو في مجموعة المحامين البريطانيين المدافعين عن حقوق الإنسان التي يطلق عليها اسم "غيرنيكا 37"، أنه من المرجح عدم إعادة إحياء تفويض مجلس الأمن بشأن آلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.
وأضاف في مقابلة مع DW "لم نشهد أبدا عودة أي آلية خاصة بالمساعدات الحدودية ولا أعتقد أن مجلس الأمن سوف يُقدم على إعادة تبني هذه الآلية".
وقال إن منح الحكومة السورية الإذن بالمساعدات عبر الحدود ليست في الواقع "سوى محاولة للخروج من موقف محرج لمجلس الأمن. لقد تحولت المفاوضات بشأن تجديد الألية إلى ما يشبه السيرك السياسي كل ستة أشهر". وحتى قبل انتهاء تفويض مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أثير الكثير من الجدل حول تقييمات الأمم المتحدة القانونية للمساعدات الحدودية إلى سوريا. وتقول الأمم المتحدة إنها بحاجة إلى إذن من حكومة ذات سيادة لإرسال مساعدات عبر الحدود، ولهذا كان يتعين على مجلس الأمن أن يتدخل للخروج بتفويض خاص.
بيد أن خبراء قانونيين شددوا على إنه لا حاجة إلى هذا الإذن، لأنه في الحالات الحرجة، يمكن تسليم المساعدات التي ترسلها منظمات إنسانية عبر الحدود دون انتظار إذن الحكومة، لكن يجب ألا تكون المساعدات مرسلة من قبل حكومات أو الأمم المتحدة لأن ذلك يحتاج إلى إذن حكومي. ويقول خبراء إنه تم تقديم مساعدات عبر المنظمات الإنسانية خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى إثيوبيا وأيضا خلال الحرب الأهلية في نيجيريا التي دارت رحاها بين عامي 1967 و 1970.
وتصاعد الجدل حول هذه القضية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير / شباط الماضي حيث تعرضت الأمم المتحدة لانتقادات حادة بسبب انتظارها الحصول على إذن من دمشق لدخول شمال غرب سوريا ومساعدة الناجين من الزلزال. وقال نشطاء وسكان شمال سوريا إنه في الوقت الذي كانت تنتظر فيه الأمم المتحدة الحصول على إذن من دمشق، فقد مات العديد تحت الأنقاض. ويشير سبروسون إلى أنه بعد موافقة دمشق على آلية المساعدات الحدودية، فإن هناك نقاش قانوني خلف الكواليس، مضيفا "ستتاح لنظام [الأسد] فرصة لابتزاز الجميع كل ثلاثة أشهر ليقرر ما سيسمح به. أعتقد من الأهم في الوقت الراهن ضمان عدم التلاعب بالموافقة بشكل تعسفي أو تجميدها تدريجيا بمرور الوقت".
وفي ذلك، قالت إيمانويلا كيارا جيلارد، باحثة بارزة في معهد أكسفورد للأخلاقيات والقانون والصراع المسلح، إن انخراط مجلس الأمن الدولي في العمليات الإنسانية في سوريا يعد سابقة، مضيفة "ما يحدث الآن يعد انسجاما كبيرا مع الطريقة التي تعمل بها العمليات الإنسانية حيث يتعين على الجهات الإنسانية الفاعلة في كثير من الأحيان التفاوض مع حكومات غير متعاونة. التفاوض بهدف الدخول يعد بمثابة إجراء".
وأشارت إلى أن ما سيحدث لاحقا سوف يعتمد على الأرجح على مدى مهارة المنظمات الإنسانية في التفاوض، قائلة "إنهم بحاجة إلى اغتنام اللحظة وأن يتعاملوا مع شروط الحكومة السورية واقتراح بدائل عنها تسمح لهم بالعمل وفقا المبادئ الإنسانية والقانون الإنساني الدولي".
من جانبه، يقول سبروسون إن الأمم المتحدة تمتلك في الوقت الحالي وجودا ماديا في سوريا، مضيفا "هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز موقف المنظمة الدولية في حدود القانون، إذ يمكنها أن تبلغ الحكومة السورية بأنه لن يسمح لها منعها من التفاوض مع مجموعة معينة. لا يمكن السماح للأمم المتحدة بأن تستسلم".
وتتفق مع هذا الرأي ريبيكا باربر ، الباحثة في جامعة كوينزلاند الأسترالية ومركز آسيا والمحيط الهادئ المعني بالمسؤولية عن الحماية. وقالت "هناك قانون دولي وهناك مجموعة كاملة من السياسات والأدلة والكتيبات التي تنظم العمليات الإنسانية الميدانية. وفي حالة النظر في كل ذلك، يمكن إدراك أنها جميعا مبنية على موافقة الحكومة المضيفة".
وأضافت أنه إذا أرادت الأمم المتحدة تقديم مساعدات مباشرة إلى شمال غرب سوريا عقب كارثة الزلزال، ففي هذه الحالة كانت الهيئات التشغيلية التابعة لها سوف تصر على عدم إمكانية القيام بذلك من دون الحصول على موافقة الحكومة السورية. وأشارت إلى أن الأمر لا يتسم "بالسهولة، لكن من الناحية المثالية أعتقد أنه يجب إجراء مراجعة كبيرة لهذه المنظومة بالكامل. ما حدث بعد الزلزال يوضح أننا نستطيع المضي قدما في نفس الطريقة السابقة للتشغيل".
كاثرين شاير وعمر البم (إدلب) / م .ع