بعد العراق وليبيا.. هل فشل التدخل الغربي في أفغانستان؟
٥ يوليو ٢٠٢١تسير عملية انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان على قدم وساق، غير أن البلد الذي تغادره هذه القوات لا يزال بعيداً كل البعد عن الاستقرار الديمقراطي. إذ تسيطر طالبان على أجزاء كبيرة من البلاد.
كما أن السياسيين والاستراتيجيين الغربيين أصبحوا يدركون الآن أن الثقافة السياسية السائدة في منطقة ما، لا يمكن تغييرها وإضفاء ألوان أخرى عليها مثل وكأنها لوحة رسم. ما يبدو فعلياً من الناحية النظرية، ليس له علاقة بأرض الواقع، كما هو الحال مع الدستور الأفغاني المتقدم والليبرالي الذي تم إقرار ه في عام 2004.
أفغانستان ليست المكان الوحيد الذي فشلت فيه التدخلات الغربية في تحقيق الأهداف التي خُطط لها. العراق أيضاً يعد أرض الآمال الفاشلة،على الأقل عند مقارنة الوضع الحالي مع التوقعات المعلنة إبان الغزو الأمريكي عام 2003. فقد قال الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2003: "إن إقامة عراق حر في قلب الشرق الأوسط، ستكون نقطة تحول في الثورة الديمقراطية العالمية". واليوم يكافح العراق من أجل الحفاظ على استقلاله من هيمنة نفوذ جارته إيران.
في ليبيا أيضاً، لم تتحقق الآمال بعد الإطاحة بمعمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي. حتى بعد الموقف المشترك من رئيسي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا آنذاك، باراك أوباما ونيكولاس ساركوزي وكذلك رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في أبريل/ نيسان عام 2011، حيث اعتبروا أن بدء "انتقال حقيقي من الدكتاتورية إلى عملية دستورية شاملة"، في ليبيا رهن بالإطاحة بالقذافي، لكن سقوط القذافي أعقبته عشر سنوات من الحرب في البلاد. ولم تتمكن الأطراف المتحاربة من الاتفاق حتى الآن سوى على دستور وانتخابات برلمانية من المقرر إجراؤها في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
مطالب الغرب والواقع الأفغاني
ما أسباب هذه الإخفاقات أوعلى الأقل النجاح المتواضع مقارنة بالتوقعات الكبيرة؟ السبب الرئيسي لذلك هو التناقض بين مطالب دول التدخل والواقع السياسي على الأرض. في كتابه "تاريخ أفغانستان"، أوضح الباحث الألماني في مجال السلام والصراع، كونراد شيتّر الصعوبات الأساسية التي تواجه الدول الغربية. وتشمل هذه الصعوبات "الرفض المجتمعي، الصراع بين المدينة والريف، الخصوصية المتطرفة، ورفض التجانس الثقافي". بالإضافة إلى ذلك، هناك الأفكار والمعتقدات المختلفة للطبقات الإجتماعية. وكتب شيتّر في كتابه: "إن تطبيق حقوق الإنسان والديمقراطية وكذلك المساواة بين المرأة والرجل لا يمكن أن يتم بسرعة في المجتمع الحضري، في حين أن جزء كبيرا من سكان الريف يعتبرون هذه المبادئ غير إسلامية". لذلك يمكن لطالبان أن تأمل في الحصول على دعم واسع، خاصة في المناطق الريفية في جنوب أفغانستان.
هذا الرأي يشاطره أيضاً المترجم والباحث في الدراسات الإسلامية، شتيفان فايدنر، ويقول إن "التفاوض مع طالبان الآن يعد بمثابة هزيمة، إذا تم تلقين النساء الأفغانيات حقوق المرأة الألمانية وسيادة القانون طوال الـ 20 عاماً تحت حماية الجيش الألماني". بشكل عام، يرى فايدنر، أن الدول الغربية وضعت لنفسها أهدافًا كبيرة، ليس فقط في أفغانستان، ولكن أيضاً في ليبيا والعراق.
استثمارات عالية وعوائد محدودة
من أجل تحقيق أهدافها، استثمرت الدول الغربية والمؤسسات الدولية مبالغ طائلة، وما زالت تفعل ذلك على الرغم من انسحاب قواتها. فقد جمع مؤتمر المانحين الإفتراضي لأفغانستان في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي ما مجموعه حوالي 10,1 مليار يورو، تمنح للبلاد على مدى السنوات الأربع المقبلة. لكن تكلفة التورط في مناطق الحرب والأزمات تتحول في النهاية إلى "وهم بصري"، كما يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ورئيس تحرير مجلة Zenith الألمانية، دانيال غيرلاخ. من بين الأموال المستخدمة، غالباً ما يصل جزء صغير فقط من مساعدات البناء إلى السكان، نظراً لأن تكلفة استقدام الموظفين والمكاتب والأمن باهظة للغاية هناك، على حسب قول غيرلاخ في مقابلة مع DW، ويضيف "لو أراد موظفون غربيون أو حتى أحد الدبلوماسين رفيعي المستوى معاينة مشروع ما، فإن الأمر يتطلب قوافل مدرعة وحراس أمن مسلحين". وستكلف هذه الزيارة بعد ذلك عدة آلاف من اليورو في اليوم الواحد.
"سادة الليل"
هذه الحماية الذاتية الضرورية في كثير من الأحيان تعني أنه حتى الجنود لا يمكنهم أداء واجب الحماية إلا بشكل محدود في مناطق الأزمات مثل أفغانستان، ويتابع غيرلاخ "هذا لا ينطبق على النهار فقط، بل الليل أيضاً: حين يتواجد الجنود بداخل معسكراتهم، يتجول مقاتلو طالبان في القرى". خلال ساعات الليل تهدد حركة طالبان، السكان بتنفيذ مطالبهم وإذا لم يلب القرويون هذه المطالب، تعود طالبان مرة أخرى وبنفوذ أكبر. ويضيف غيرلاخ "نفس الوضع ونفس العواقب كانت موجودة في العراق قبل بضع سنوات. فقد كانت قوات الأمن هناك تحكم في النهار وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يظهر في الليل".
انفجار في ليبيا
على الرغم من النفقات المالية العالية، يصعب السيطرة على المشكلات الأساسية. يقول الخبير في الشؤون السياسية، فولفرام لاخر في كتابه عن الحرب الأهلية الليبية واصفا انهيار الدولة من الداخل وما نتج عن ذلك من صعوبة في إيجاد جهات الإتصال. في جميع المدن تقريباً، هناك مجموعات متنافسة تعمل باستمرار على تشكيل تحالفات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يصعب التعرف على هذه المجموعات من الخارج. "بدلاً من بلورة صورتها العامة وتطوير هوية مؤسساتية واضحة، غالبا ما تتنكر الجماعات المسلحة من خلال تغيير أسمائها باستمرار". بعبارة أخرى، الناتو شارك في الإطاحة بديكتاتور دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن كيفية الحفاظ على بنية وهيكل هذه الدولة من دون وجود رجل على رأسها.
قرارات خاطئة في العراق
في العراق أيضا ارتكبت قوى التدخل أخطاء جوهرية. بعد غزو ما سمي بـ "تحالف الراغبين" هناك في عام 2003 ، أصدر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، آنذاك بول بريمر، سلسلة من القرارات بالغة الأهمية. إذ خصخص الشركات المملوكة للدولة وحل حزب البعث الذي كان يهيمن عليه، صدام حسين والجيش العراقي. غير أن النتيجة كانت غير متوقعة، فقد رأى الآلاف أسسهم الاقتصادية تنهب. كما لم يتوقف البعض عند الإحباط وكراهية قوى التدخل فحسب، بل انضم إلى الجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية "داعش"، التي ضربت البلاد بموجة عنف غير مسبوقة.
المترجم والباحث في الدراسات الإسلامية، شتيفان فايدنر يرى أن "المغامرة العراقية كانت ستنتهي بأضرار أخف، لو نفذتها جهات فاعلة مسؤولة أقل إيديولوجية وأقل اهتماماً بالإستفادة منها". كان من الممكن أن تكون النتائج أقل كارثية، مما هي عليه الآن لو تم التعاون مع الدول المجاورة بدلاً من تهديدها بالحديث عن "محور الشر". ويضيف فايدنر "كانت المقاومة ستكون أقل لو أن بعض العراقيين، أي كل من عمل أو اضطر للعمل مع صدام بطريقة ما، لم تتم معاملته كمعارض ومنبوذ".
كرستن كنيب / إ.م