بعد التحذير الأمريكي.. هل تغير موقف واشنطن تجاه حفتر؟
٢٤ نوفمبر ٢٠١٩تطور لافت للموقف الأمريكي من أطراف الأزمة الليبيبة بعدما دعت إدارة الرئيس ترامب الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا، الأسبوع الماضي، بوقف هجماته التي تستهدف السيطرة على طرابلس، متهمة روسيا باستغلال الصراع في ليبيا.
وسألت DW عربية خبراء حول قراءتهم للبيان الأمريكي وهل يتضمن رسالة ضغط على حفتر وقواته في سياق الاستعدادات لمؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، وعما إذا كان موقف إدارة ترامب وراءه مخاوف من دوور روسي في ليبيا.
غضب أمريكي
يرصد مراقبون بأن بيان واشنطن يأتي بعد اجتماع أمني لمسؤولين أمريكيين مع ممثلين لحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، حيث جاء في البيان أن الوفد الليبي "أعرب عن قلقه البالغ بشأن الوضع الأمني وتأثيره على السكان المدنيين"، وبأن الجانب الأمريكي، الذي يمثل عددًا من الوكالات الحكومية الأمريكية، أكد "دعمه سيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا استغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي".
ويقول عماد بادي الخبير الليبي في مبادرة "التغيير السلمي بشمال أفريقيا"(مقرها بالمملكة المتحدة)، لـDW عربية، إن "تزايد الوجود الروسي في ليبيا دفع واشنطن لإعلان موقفها من الحرب الدائرة في جنوب طرابلس بعد أشهر من التخبط".
وتشن قوات "الجيش الوطني الليبي" بزعامة خليفة حفتر هجوما في 4 نيسان/ أبريل الماضي لانتزاع السيطرة على طرابلس من حكومة فائز السراج المعترف بها دوليا في طرابلس، أسفر عن مقتل أكثر من 200 مدني ونزوح أكثر من 128 ألف شخص من ديارهم، ولا يزال هناك أكثر من 135,000 مدني في المناطق التي تشكل الخطوط الأمامية للنزاع، كما يعيش 270,000 شخص آخرين في المناطق المتضررة بشكل مباشر من النزاع.
بدورها قالت كلاوديا غازيني الخبيرة في الشأن الليبي لدى مجموعة الأزمات الدولية (مقرها بروكسيل)، إن "الأنباء المسربة عن وجود قوات روسية في ليبيا تسببت في غضب أجهزة الأمن القومي الأمريكي".
وذكرت نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير نشرته في عددها ليوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أن "نحو 200 مقاتل روسي وصلوا إلى ليبيا خلال الأسابيع الماضية لمساندة (حفتر)، في إطار حملة من جانب الكرملين لتأكيد النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا"، لكن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف نفى المعلومات التي أوردها التقرير. وأوضح المسؤول الروسي في تصريحات صحفية: "أرفض بشكل قطعي مثل هذه المزاعم (...) نحن نعمل من أجل تحقيق التسوية في ليبيا، وندعم الجهود في هذا الاتجاه بما في ذلك على خط الأمم المتحدة".
تغيير في سياسة واشنطن؟
بدوره يقول عبد الهادي الصغير عضو مجلس النواب الليبي (مقره طبرق ويدعم حفتر)، في حديث لـDW عربية: "تفاجأنا بالبيان الأمريكي لأنه نابع من معلومات خاطئة قدمها وفد حكومة الوفاق الذي يرعى المليشيات في طرابلس".
ويضيف الصغير أن "مجلس النواب طالب بعد البيان بلقاء أعضاء بالكونغرس الأمريكي لتوضيح الصورة بأنه لا توجد قوات روسية والقيادة العامة مكونة من جيش وطني لتحرير طرابلس من المليشيات والجماعات المسلحة الإرهابية القادمين من سوريا". لكنه استدرك قائلا: "البيان لا يعكس تغيرا في الموقف الأمريكي من الأزمة، حيث هناك تعاون وثيق بين القيادة العامة للجيش الليبي(قوات حفتر) مع الجانب الأمريكي منذ بداية حرب طرابلس"، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سبق وأشاد بجهود الجنرال حفتر جهود في مكافحة الإرهاب". وبعد هجومه على طرابلس، اتصل ترامب بحفتر لبحث "الجهود المستمرة في مكافحة الإرهاب والحاجة إلى تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا"، وقال البيت الأبيض حينها إن ترامب "اعترف بدور المشير حفتر المهم في مكافحة الإرهاب وضمان أمن موارد ليبيا النفطية".
واعتبرت وكالة بلومبرغ الأمريكية، في تقرير لها أن تحذير واشنطن هو الأقوى منذ بدء هجوم حفتر، مشيرة إلى أن رئيس حكومة الوفاق فائز السراج طالب واشنطن بالتدخل لوقف الهجوم.
وبرأي الخبير الليبي عماد بادي، فان البيان الأمريكي يدعم موقف حكومة الوفاق بطريقة غير مباشرة في مساعيها لوقف العمليات العسكرية في طرابلس تمهيدا للتسوية السياسية.
وعقبت غازيني، بأن "البيان(الأمريكي) شديد اللهجة ضد العملية العسكرية على طرابلس، واتخاذ موقف قريب من حكومة الوفاق، لكن لا يعني أن هناك تغيرا في السياسة الأمريكية"، وأضافت أن الموقف الأميركي منذ بداية الحرب على طرابلس وحتى وقت قريب لم يكن معروفا ولا دليل على تغيره.
رسالة ضغط
ورأت المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، أن واشنطن تريد توجيه "رسالة ضغط على حفتر لدفعه لوقف العمليات، والمشاركة في المفاوضات المرتقبة في برلين"، مشيرة إلى أن مصر قد تلعب دورا أيضا في الضغط على حليفها حفتر ودفعه للدخول في التسوية، لكن المشكلة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يؤيد حكومة الوفاق الحاكمة في طرابلس. كما أن القاهرة لن تمضي بعيدا بمفردها في أي تغيير بموقفها دون اتفاق مع أبو ظبي شريكتها الرئيسية في دعم حفر.
وفي زيارته الأخيرة لبرلين، توافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "حول تظافر الجهود المشتركة بين مصر وألمانيا سعياً لتسوية الأوضاع في ليبيا على نحو شامل ومتكامل يتناول كافة مسارات وجوانب الأزمة الليبية...".
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أعلنت ألمانيا عن مساعيها، بالتعاون مع الأمم المتّحدة، إلى عقد مؤتمر دوليّ لإنهاء الحرب حول العاصمة طرابلس. وأعلنت واشنطن، في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر، مشاركتها في المؤتمر الذي تواصل برلين التحضير له بلقاء الأطراف الفاعلة والإقليمية والمحلية.
والتقى سفير ألمانيا لدى ليبيا، أوليفر أوفيتشا، الخميس، مع أعضاء بمجلس النواب الليبي في مدينة طبرق بينهم عبد الهادي الصغير الذي قال لـDW عربية "نحن نتطلع لمؤتمر برلين باعتبار ألمانيا دولة محايدة من الأزمة".
وأيده المحلل الليبي عماد بادي، قائلا إن "ألمانيا لم تشارك فعليا في دعم أي طرف في الصراع وكذلك تحظى بنفوذ في الاتحاد الأوروبي"، مؤكدا أن الشعب الليبي ينظر بتفاؤل للمساعي الألمانية لكنه يخشي عدم نجاحها مثل مؤتمري باليرمو(جنوب إيطاليا) وباريس.
ورغم اتفاق الخبراء الذين تحدثوا لـDW عربية، بأن واشنطن وجهت عبر بيانها الأخير رسالة ضغط على حفتر لدفعه للدخول في المفاوضات السياسية المرتقبة في مؤتمر برلين، وبأن هذا التطور قد يكون مرده مخاوف أمريكا من تنامي النفوذ الروسي في البلد المغاربي المضطرب منذ ثورات الربيع العربي. ترى كلاوديا غازيني الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، بأن القوى الدولية الفاعلة والإقليمية في ليبيا لم تتوافق حتى الآن حول حل الأزمة الليبية بدليل عدم تحديد موعد لمؤتمر برلين.
محمد مجدي