بعد اتفاق سوتشي ـ تركيا ومعضلة إخلاء إدلب من الجهاديين
١٨ سبتمبر ٢٠١٨يسوق أنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقية سوتشي حول إدلب، آخر معاقل المعارضة في سوريا، كانتصار له. فبعد مفاوضات عصيبة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين انتزع أردوغان موافقة الأخير على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب على أن تنسحب الجماعات المصنفة بالمتطرفة منها.
وقبل عشرة أيام فقط كانت هناك قمة ثلاثية في طهران شارك فيها، بالإضافة إلى أردوغان، الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، أبرز حليفين للرئيس السوري بشار الأسد. وقد كرّس فشل القمة التخوفات من اقتراب موعد الحملة العسكرية ضد المحافظة السورية التي يقطنها ما لا يقل عن ثلاثة ملايين نسمة.
ويبدو أن بوتين مال في نهاية المطاف إلى الخيار التركي على حساب توافقاته مع الحليف الإيراني والسوري. والملفت أنه وغداة الإعلان عن التوصل إلى هذا الاتفاق أعلنت موسكو أن طائرة تابعة لها أسقطت ليل الاثنين/الثلاثاء (18 سبتمبر/ أيلول)، في غرب سوريا، من قبل الدفاعات السورية، في خطوة تؤكد على مدى تعقيدات المشهد السوري.
منطقة خالية من الجهاديين
إدلب وبصفتها آخر معقل للمعارضة، شكلت على مدى السنوات الماضية ملجأ لعشرات الآلاف من المقاتلين المعارضين والمدنيين الذين أجبروا على مغادرة مناطقهم والانتقال إليها.
وفي البداية كانت روسيا وتحت طائلة "القضاء على الإرهاب"، تشدد على ضرورة التدخل العسكري في إدلب، لكن هذه المهمة أسندها اتفاق سوتشي إلى تركيا المسؤولة حاليا على طي صفحة هيئة "تحرير الشام" (النصرة سابقا) وأخواتها التي تسيطر على الجزء الأكبر من الشمال السوري.
وحسب الخبير العسكري العقيد أحمد حمادي المقرب من المعارضة السورية المسلحة، فإن إدلب لا تضم ذلك الحجم من الجهاديين كما تمّ الترويج له من قبل النظام السوري وحلفائه. ومع ذلك تتحدث تقارير إعلامية عن نحو 10 آلاف مقاتل بينهم ألف إلى ثلاثة آلاف مما يطلق عليهم الغرباء، والمقصود غير السوريين الذي قصدوا البلاد من أجل "الجهاد"، فيما ذهبت تقارير أخرى إلى اعتبار أن عددهم يصل حتى إلى أربعة آلاف.
و تتفاوت التقديرات أيضا حول جنسياتهم، ويفترض أن يكون القسم الأكبر منهم من المقاتلين المنحدرين من القوقاز، فيما يضم الباقي عربا وأوروبيين وأفارقة.
الخيارات المتاحة
الخيارات المتاحة أمام تركيا تعد على يد الأصابع يقول المحلل العسكري أحمد رحال في حوار مع DW عربية، والذي ذهب حتى إلى وصفها أيضا بـ "البسيطة". فبالنسبة للمقاتلين السوريين، فإن غالبية المنضمين تحت لواء هيئة "تحرير الشام" وفصائل مشابهة لها لا يحملون فكر "القاعدة" أو فكر هيئة "النصرة سابقا"، بقدر ما أن محركهم الأساسي الإطاحة بنظام الأسد.
وبالتالي فإن "هؤلاء وخلال فترة قصيرة لا تتعدى أسابيع، يمكن إدماجهم عبر تنظيم أو فصيل إلى قوات الجيش الحر أو إلى الجبهة الوطنية للتحرير وينتهي الوضع"، يقول الخبير العسكري أحمد رحّال.
غير أنه وفي حال رفضت العناصر التكفيرية سواء من السوريين أو غير السوريين الاستسلام للوصاية التركية، فإن الخيار العسكري "لا مفر منه" يقول الخبير العسكري أحمد حمادي الذي يرجح على أن تركيا ستقوم بعملية عسكرية معتمدة في ذلك على القوات الموالية لها، ومن أبرزها "الجبهة الوطنية للتحرير" وقوامها فصائل جيش الحر وفصائل المعارضة المعتدلة.
تركيا بدورها عززت تواجدها العسكري، فيما أكدت الخارجية التركية أن المزيد من هذه التعزيزات سيتم إرسالها في الأيام القادمة إلى شمال سوريا.
خيار الرحيل والترحيل
ويتوافق الخبيران العسكريان في حوارهما لـDW عربية على أن التحدي الأكبر التي تواجهه تركيا يكمن في إخلاء المنطقة من المقاتلين الأجانب لأن ذلك يستلزم توافقات دولية كبرى، على ضوئها تقبل الدول المصدرة بأخذ هؤلاء وملاحقتهم قضائيا على أرضها.
خطوة سيكون من الصعب على حكومات دول أوروبية كفرنسا وبريطانيا وألمانيا القبول بها والتسويق لها داخليا، وذلك في ظل التحولات الحاصلة في مجتمعاتها بما يخص قضايا الهجرة والإرهاب، خاصة وأنها دول اكتوت بنار الإرهاب في عقر دارها.
على صعيد آخر، لم يعد أمام هؤلاء الجهاديين الكثير من الحلول، فإدلب الساحة الجغرافية الأخيرة للمقاتلين الأجانب، ولا وجهة بعدها في الداخل السوري على الأقل. وحتى المنافذ المتاحة خارج سوريا أصبحت تضيق في وجه هؤلاء. الوجهة التقليدية كانت وزيرستان بين أفغانستان وباكستان، وهي المنطقة التي تسيطر عليها عمليا القاعدة، لكن التنقل إلى تلك المناطق بات أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
وهناك خشية من أن يتحول المسار الجديد إلى منطقة الساحل والصحراء، خاصة إلى ليبيا، مع وجود تقارير استخباراتية تؤكد انتقال هذه العناصر إلى ليبيا في السنوات الأخيرة. خاصة أولئك الذين رفضوا التعاون مع أنقرة، فانضموا إلى تنظيم "أنصار الشريعة" هناك.
و.ب/ أ.ح