بعد إعفاء بندر من منصبه، هل تتغير سياسة السعودية الخارجية؟
١٨ أبريل ٢٠١٤لم يكف إعلان السعودية بأنها أعفت رئيس مخابراتها من مهمامه – "بطلب منه" لأسباب صحية – لاستبعاد وجود دوافع سياسية وراء هذا القرار. وإن أكدت الرياض احتفاظ الأمير بندر بمنصبه كأمين عام لـ "مجلس الأمن الوطني" السعودي، وهو منصب اعتبره متابعون للشأن السعودي غير موجود على أرض الواقع، فإن ذلك لم يبدد الشكوك بشأن وجود أسباب أخرى وراء قرارها.
وكانت السعودية أعلنت إعفاء الأمير المثير للجدل من منصبه وتعيين الفريق أول ركن يوسف بن علي الإدريسي وهو نائبه السابق بدلا منه. بيد أنه لا يُتوقع أن يستمر الأخير في مهامه، بل أن يعوّض الأمير بندر مؤقتا إلى أن يتم تعيين فرد من العائلة المالكة، حيث جرت العادة أن تنحصر المناصب السياسية الكبرى بين الأمراء السعوديين.
ضغوط أمريكية؟
وقد جاء قرار الإعفاء بعد مرور بضعة أسابيع من صدور تقارير حول صحة الأمير البالغ من العمر 65 سنة، حيث كان يقضي فترة نقاهة في المغرب بعد عملية جراحية في الكتف أُجريت له في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الأمير، الذي شغل من قبل منصب السفير في واشنطن، يعاني أيضا من مشاكل صحية أخرى، منها مشكلة في ساقه والاكتئاب وآلام في ظهره منذ تعرضه لإصابة خلال مهنته كطيار.
هذا الوضع الصحي لم يكن مبررا مقنعا لإعفاء الأمير، على ما يرى الدكتور حمزة الحسن، وهو صحافي وباحث سعودي متخصص في الإصلاح السياسي. ويقول لDWعربية "الوضع الصحي وحده ليس سببا. الأكيد أن هناك أسبابا أخرى والدليل على ذلك أن لدينا في السعودية الكثير من المرضى والعجزة في مناصب سياسية حساسة ابتداء من الملك نفسه".
ويعتقد المحلل السياسي السعودي أن أبرز سبب وراء إعفاء بندر هو ضغوط واشنطن على السعودية، بحيث يقول: "رغم أنه كان ابن واشنطن المدلل والأمريكان هم من أعادوه للحياة السياسية، إلا أن هناك شيئا تغير. فهو لم يعد يلتزم بالقواعد وتغيرت شخصيته، فخيب أملهم فيه وخصوصا فيما يتعلق بدعمه المكشوف للقاعدة."
خلافات داخل الأسرة الحاكمة
لكن مراقبين للشأن السعودي يتحدثون أيضا عن عملية "إعادة ترتيب البيت السعودي" كسبب لإعفاء الأمير بندر من منصبه. وفي هذا السياق، يقول الحسن "لقد كان معتدا بنفسه ومغرورا. وهناك حتى في الديوان الملكي من لا يرغب به داخل السلطة، لذا يمكن القول إن إعفاءه جاء أيضا في إطار الحسابات والمنافسة على الحكم داخل القصر. وهي ليست أول مرة، فقد سبق ورأينا أيضا كيف تمت تنحية وجوه أخرى مثلما حدث مع الأمير خالد بن سلطان."
ويشاطره الرأي حسن أبو هنية، الخبير الأردني في قضايا الإرهاب، بحيث يقول في مقابلة مع DW عربية إن "إعفاء بندر هو إحدى نتائج الخلافات داخل الأسرة الحاكمة والتي تفاقمت منذ تعيين الأمير مقرن وليا لولي العهد، وزاد من حدتها أيضا غموض وضع الملك".
الملف السوري وراء إقالة الأمير بندر؟
غضب الإدارة الأمريكية من الأمير بندر لم يقتصر فقط على قراراته المتطرفة وتصرفاته التي يصفها البعض بـ "العدوانية والبعيدة عن أساليب المعاملة السياسية اللبقة"، بل هو نابع أساسا من طريقة تدبيره للملف السوري، على ما يقول الخبير الأردني.
ولم تتجاوز رئاسة الأمير بندر لجهاز المخابرات سنتين. وقد عينه وقتها العاهل السعودي الملك عبد الله في خطوة اعتبرها البعض انعكاسا لسياسته إزاء قضيتين رئيستين حينها: الأولى، موقف الرياض من نظام الأسد. والثانية، عزمها منع ظهور إيران كقوة إقليمية منافسة للمملكة. بيد أن أداء الأمير بندر في الملف السوري تحديدا لم يرض واشنطن وانتهى الأمر إلى تفويض الملف إلى وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.
ويقول أبو هنية "القضية السورية كانت نقطة خلاف كبير، فالولايات المتحدة كانت ترفض تسليح المعارضة بالسلاح النووي عكس إرادة السعودية." ويضيف قائلا: "كما أن بندر كان يسعى إلى تغيير عدد من القضايا، وكل هذا سبّب نوعا من التوتر بين الرياض وواشنطن. لكنه سرعان ما سيزول بعد إعفاء بندر وزيارة أوباما الأخيرة للسعودية."
ويتوقع الخبير الأردني أن تعامل السعودية بالملف السوري بعد مرحلة بندر سيتجه أكثر نحو التواضع والمرونة. كما "ستكون أكثر حذرا فيما يخص التعامل مع الجماعات المتطرفة، بعدما أصبحت هي نفسها متخوفة من تنامي نفوذ الأخيرة في المنطقة."
لكن المحلل السعودي حمزة الحسن لا يعتقد أن السياسية السعودية ستعرف أي تغيير بعد رحيل الأمير بندر، بحيث يقول "هو لم يغير السياسة الخارجية السعودية وإنما غالى فيها." ويضيف قائلا: "لقد كانت مرحلته دليلا على فشل السعوديين في عدد من الملفات منها السوري واللبناني والبحريني. فهي سياسة تقوم على ردود الأفعال المتسرعة وغير المدروسة وتفتقر إلى تحديد الأولويات ورسم استراتيجيات واضحة. رحيل بندر لن يغير شيئا للأسف".