بصمات بابا الفاتيكان في افريقيا
٢٦ أغسطس ٢٠٠٥بالرغم من أن الحزن في القارة السوداء أصبح من الأمور المعتادة، حيث تنقل وسائل الإعلام يوميا أخبار عن موت أعداد كبيرة من الأفارقة بسب الحروب والمجاعات والأمراض والأوبئة المنتشرة هناك، الا أن الحزن على وفاة البابا ألقى بظلاله الحزينة على ربوع القارة الأفريقية بشكل غير مسبوق. في بعض البلدان الإفريقية يموت ربع عدد الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة سواء كانوا من سكان الأحياء الفقيرة في نيروبي أو جنوب السودان. من يمكنه بعد موت البابا مواساة هؤلاء الناس؟ من يستطيع مد يد العون والمساعدة للمنكوبين في هذه القارة المترامية الأطراف؟
شعبية البابا في إفريقيا
خلال فترة ولاية البابا يوحنا بولس الثاني تضاعف عدد الأفارقة المنتمين للكنيسة الكاثوليكية ليصل الى ما يزيد عن مئة مليون مسيحي كاثوليكي. وهذا الإقبال على اعتناق المذهب الكاثوليكي لا يرجع إلى نسبة المواليد الهائلة في إفريقيا فحسب، ولكنه يعود بالدرجة الأولى إلى الزيارات العديدة التي قام بها البابا لشتى مناطق إفريقيا وحرصه الشديد على تخصيص عدد كبير من رحلاته الخارجية لزيارة دول إفريقية منسية، فالبابا كان يحب ويصر دائماً على أن يتواجد بنفسه وسط فقراء القارة وأن يشاطرهم همومهم وأحزانهم. ولم تقتصر خطب البابا على تلك الخطب التي ألقاها في الكنائس الإفريقية، لأنه كان مولعاً بإلقاء الخطب في الصالات الرياضية المفتوحة والمطارات والميادين العامة مما أكسبه شعبية كبيرة بين الأفارقة. كان المعروف عن البابا أيضا أنه يولي الصراعات الداخلية في إفريقيا اهتماما خاصاً، حيث قام عدة مرات بإرسال المقربين إليه إلى هناك للقيام بدور الوساطة في حل الخلافات ووقف الحروب والمعارك الدامية وإحلال السلام بين مختلف الأطراف.
العادات والتقاليد الإفريقية
لم يقم أي بابا من قبل ما قام به يوحنا بولس الثاني من مراعاة للعادات والتقاليد الإفريقية وإدماجها في الطقوس الدينية. فمن الممكن للمرء على سبيل المثال أن يسمع صوت الطبلة والألحان الوطنية في قداس يقام في كنيسة كاثوليكية بجنوب السودان حيث تنشد الأناشيد بلغة الدينكا المحلية. ويعتبر التوجه لدراسة علم اللاهوت في إفريقيا وسيلة محببة للخروج من الواقع المر حيث ينظر المرء هناك إلى الكنيسة كما لو كانت قلعة حصينة وسط صخب الأهوال. بالإضافة إلى أن العمل في المجال الديني يؤهل المرء إلى الحصول على مكانة اجتماعية مرموقة لأن كل من يحاول التقرب إلى الله يحظى بكثير من الاحترام وسط الأفارقة. وتقع على عاتق الخريجين مهمة التبشير بالديانة المسيحية ونشر تعاليم المذهب الكاثوليكي بين أبناء أوطانهم بعد أن كان هذا من مهام رجال الدين الأوروبيين في السابق، إضافة إلى المساهمة أحياناً في سد النقص الذي تعاني منه الدول الأوروبية في عدد العاملين في المجال الديني.
احترام آراء البابا في إفريقيا
ويعد بطاركة إفريقيا من أشد المخلصين للبابا يوحنا بولس الثاني. حيث حظيت آرائه ووجهات نظره المتشددة حيال قضايا مهمة مثل قضايا تحديد النسل والإجهاض والتماثل الجنسي بقدسية عالية مما جعلها من المواضيع الغير قابلة للجدل في الوقت الذي تعرضت هذه الآراء للنقد في الغرب. فالواقي الذكري في وجهة نظر أغلبية بطاركة إفريقيا هو من عمل الشيطان، لدرجة أن الأب ماتيوس بطريك مدينة ياي في جنوب السودان صرح أنه يفضل أن يري شخصاً يموت بمرض الإيدز على أن يسمح له باستخدام الواقي الذكري، ولكن هذه المقولة كانت سبباً في توجيه النقد للكنيسة الكاثوليكية لأن من واجب الكنيسة حماية حياة تابعيها والواقي الذكري يساعد في منع مرض الإيدز وإنقاذ حياة الناس. أحد المصابين بمرض الإيدز من الذين يقطنون في أحد أحياء نيروبي الفقيرة علق علي هذا المنع بالقول: "لو كان البابا قد سمح باستعمال الواقي الذكري، لما كان علي أن أموت في سن صغيرة." وواجه موقف البابا المتشدد في مثل هذه القضايا انتقادات حادة من قبل طبقة الأفارقة المثقفة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. ويرى هؤلاء انه "كان أجدى بالبابا ان يفكر بالأرواح التي تفنى بسبب آرائه المتشددة قبل أن يفكر باصدار القوانين الالهيه."
علاء الدين سرحان