بدائل ألمانية لمعالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية
١٣ مايو ٢٠٠٨لا يوجد في قاموس المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من بلدان المغرب العربي الى ألمانيا ، بدائل كثيرة لتسوية أوضاعهم، لكن القليل المتاح منها ، أحلاها مر، كما يقال. فإما البقاء في وضعية غير قانونية وتحت وطأة الترحيل في أي وقت ، أو المغادرة الى بلد أوروبي آخر، أو الزواج كوسيلة للبقاء والسعي للحصول على وثائق إقامة قانونية ، أو الاستمرار في خوض معارك قانونية مريرة وغير مضمونة النتائج من أجل الحصول على حق اللجوء.
وفي جل هذه الحالات تتدخل المنظمات الإنسانية وهيئات الكنائس لتقديم مساعدات إنسانية وقانونية ، لكنها لا تؤمن نتائج إيجابية دائما بسبب صرامة القوانين والإجراءات الأمنية المعتمدة في ألمانيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
من جهتها تلعب مجالس البلديات وحكومات الولايات دورا نسبيا في تخفيف معاناة المهاجرين غير الشرعيين ، سواء من خلال استقبال المهاجرين في مراكز استقبال اللاجئين ، بصفة مؤقتة ريثما يتم اتخاذ قرار بشأنهم من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، أو من خلال تفاهمات محلية مع المنظمات الإنسانية بشأن منح مساعدات إنسانية وطبية للمهاجرين الذين يواجهون مشاكل صحية أو إنسانية خاصة.
لكن تظل هذه الخطوات محدودة، بسبب الهامش الضيق الذي تتيحه القوانين، كما ان التفكير في إيجاد حلول جماعية على غرار ما يحدث في بلدان جنوب أوروبا، يحمل معه كابوس توافد مزيد من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
لكن مارليس بريدوهورست مستشارة بلدية مدينة كولونيا لشؤون الاندماج والهجرة تعتقد ان هذا السيناريو مبالغ فيه ، وتوضح:
"نشعر في البلديات بصعوبة التعامل مع هذه المشكلة، لأنه هناك دائماً الخوف من أنه لو تم السماح بأي شيء فسوف يلجأ هؤلاء الأجانب إلينا من كل صوب، وأعرف أن هذا ليس بصحيح. فنحن نعرف أن هناك أسباباً متعددة تجعل الناس يأتون للعيش هنا. وأعتقد أن تصورنا خاطئ للأسباب التي تجعل أشخاصا يفرون من بلدهم الأصلي، خاصة من طرف الألمان الذين لم يغادروا بلدهم أبداً، وبالتالي فلا يمكنهم تصور هذه الأسباب. ولذلك أشك في أن نجد حلا لهذه المشكلة، ولكنني آمل أن نجد حلاً قانونياً لتحويل الإقامة الغير الشرعية إلى إقامة شرعية".
حدود الحلول الامنية
تعتبر ألمانيا من البلدان الأوروبية الخمس الأولى كمستقبل للهجرة ، وتختلف عن نظيراتها الأوروبية الاربع الأخرى وهي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، كونها الأكثر بعدا جغرافيا عن بلدان المغرب العربي. وبقدر ما جعلت عملية توسيع الاتحاد الأوروبي وإتفاقية شينغين، ألمانيا بعيدة جغرافيا عن الحواجز الحدودية الخارجية للإتحاد الأوروبي ، فإن التنقل داخل أوروبا بات أسهل على كل من يستطيع اختراق الحواجز الخارجية للإتحاد. وهي معطيات موضوعية تساهم في تقليص التباينات في وجهات نظر دول الاتحاد الأوروبي، إزاء ملف الهجرة غير الشرعية، بإتجاه تحقيق تضامن أكبر في تحمل أعباء هذه الظاهرة، وهو ما بدأ يبرز في السنوات القليلة الأخيرة من خلال تظافر المبادرات المتعددة سواء داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو بشراكة مع دول شمال إفريقيا التي تشكل في نفس الوقت مصدرا للهجرة غير الشرعية ومعبرا للنازحين من بلدان جنوب الصحراء الإفريقية.
وترتكز معظم تلك المبادرات على مضاعفة الحواجز الامنية، وهو مجال تساهم فيه ألمانيا بدور أساسي ، مثلا عبر آلية "فرونتكس" الأوروبية التي تعمل في إتجاه إيقاف حركة الهجرة والنزوح كما تعمل على الإنقاذ والتدخل في مواجهة حالات الغرق أثناء محاولة الوصول إلى الحدود الأوروبية.
كما تساهم ألمانيا بمد مساعدات تقنية ولوجيستية لبلدان شمال إفريقيا لتحديث تجهيزاتها وتطويرها بما يساعدها على مراقبة أفضل لحدودها البحرية.
لكن الطبقة السياسية الألمانية متباينة الآراء إزاء نجاعة الحلول الأمنية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، بينما تتقارب وجهات نظر الألمان حول أهمية مساعدة الدول المصدرة للهجرة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وأيضا السياسية التي تساهم في دفع الشباب للهروب نحو أوروبا.
العقدة والحل
ويمكن القول إن مساعدة الدول المصدرة للهجرة على معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في مهدها، تشكل العقدة والحل في نفس الوقت، وحولها تلتقي آراء سياسيَيْن ألمانيين متباعدين في خلفياتهما الأيديولوجية والسياسية ، تحدثا ل"دويتشه فيله" ، حيث أكد زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي غونتر بيكشتاين رئيس وزراء ولاية بافاريا ووزير داخليتها السابق:
" يجب تحسين الفرص الاقتصادية في بلدان المغرب وتوفير فرص العمل وأيضا تحسين أوضاع حقوق الإنسان، ومن جهتنا يمكننا توفير فرص التعليم أو التأهيل أو حتى العمل. والأهم هو تحسين الأوضاع في البلاد حتى نضمن بقاء الناس في بلادهم ولا يضطروا للهجرة إلى بلدان أخرى لتحسين حالتهم المعيشية".
من جهته يرى دانييل كوهين بينديت النائب الألماني في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر(معارضة) ان نجاح مكافحة الهجرة غير الشرعية يتطلب :
"يجب منح الناس منظورا لحياة أفضل في موطنها. وإذا تمكنت الدول المختلفة من الوصول إلى ذلك المستوى فسيكونون قد أسهموا في محاربة الهجرة الغير شرعية. أما دفع هذه الدول لإيجاد حلول لمنع الهجرة بدافع حمايتنا من وفود اللاجئين فذلك لا يفيد. ولكن يجب علينا دفعها للتحرك في اتجاه توفير الفرص لحياة أفضل لشعوبها".
لكن بينديت يلاحظ ان سياسة المساعدات الإنمائية المتبعة لها نواقص ويقول:"علينا القيام بتغيير سياسة المساعدات الإنمائية المقدمة لهذه الدول وتقديم الفرص والمساعدات لها للدخول إلى أسواقنا. وهذه أشياء لا نستطيع تحقيقها وعليه يجب ألا نعجب من زيادة أعداد اللاجئين إلينا".
وحسب وزارة التنمية والتعاون الألمانية ، تمنح ألمانيا سنويا ما يفوق 100 مليون يورو مساعدات مالية لبلدان المغرب والجزائر وتونس، لمساعدتها على تنفيذ برامج اقتصادية في المناطق التي تشكل مصدرا للهجرة غير الشرعية.
ووافق البرلمان الاتحادي الألماني - البوندستاغ ، العام الماضي على خطة قدمتها حكومة المستشارة انجيلا ميركل ، لفتح المجال لاستقبال مهاجرين بطرق شرعية ، لكنه حدد القطاعات التي تحتاج الى يد عاملة ، وهي قطاعات إقتصادية تعتمد على الكفاءات والخبرات، وتتسع قدراتها الاستيعابية لعشرات الآلاف من المهندسين والمتخصصين في الكمبيوتر.