بايرويت تحتفل بالانضمام لقائمة التراث العالمي على أنغام موسيقى فاغنر
٢ يوليو ٢٠١٢
البداية كانت مليئة بالتعاسة والحزن، فالملك البروسي فريدريش فيلهيلم الأول كان طاغية قاسي القلب حتى على أبنائه، ولم يعامل ابنته فيلهلمينا التي عاشت في القصر الملكي حياة باردة وقاسية، بعيداً عن المشاعر الأبوية. عندما بلغت فيلهلمينا الثانية والعشرين من العمر اضطرت للزواج من رجل فاشل، عاشت معه في منطقة جرداء قاحلة.
لكن فيلهلمينا لم تستسلم لليأس وقامت في عام 1748 ببناء دار أوبرا في بايرويت، كانت من أعظم مسارح تلك الحقبة. كانت الفكرة التي تراود الكاتبة والرسامة والموسيقية فيلهلمينا، هي أن تتخطى هذه الأوبرا عظمة قصور سانسوسيه في بوتدسدام وقصر فيرساي في باريس.
وترى الخبيرة باربارا بوغن أن هذا المبنى الفخم الذي يحمل بصمات طراز الباروك الإيطالي، كان بالنسبة لفيلهمينا بمثابة "حصناً ذهبياً في مواجهة غوائل الدهر".
37 موقعاً في ألمانيا على لائحة التراث العالمي
الآن وبعد 264 عاماً تحصل فيهيلمينا على مكافأة متأخرة، إذ تم إدراج اسم مسرحها الفخم على لائحة التراث العالمي لليونيسكو "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة"، ليصبح بذلك عدد الأماكن المدرجة على القائمة في ألمانيا 37 موقعاً.
وجاء قرار لجنة التراث الإنساني في اليونيسكو ليؤكد "التفرد العالمي" لمبنى الأوبرا في بايرويت، الأمر الذي تقابله فيلهلمينا بابتسامة من تمثالها النصفي في بايرويت.
وأثار هذا القرار سعادة مسؤولي المدينة، وقالت عمدة المدينة الواقعة في ولاية بافاريا، بريغيتا ميرك-إربه: "هذا القرار يمثل حجر زاوية كبير في مستقبل بايرويت". وأضافت ميرك-إربه التي سافرت خصيصاً إلى مدينة سان بطرسبورغ الروسية لحضور جلسة لجنة اليونيسكو: "سيزيد ارتباط اسم بايرويت في العالم بمبنى الأوبرا، إضافة إلى ارتباطها باسم ريتشارد فاغنر والمهرجان الموسيقي العالمي الخاص بأعماله".
عامل جذب سياحي كبير
ووفقاً لتجارب سابقة فإن الإدراج على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي يعد من عوامل الجذب السياحي المهمة ولذلك فمن المنتظر أن يزيد عدد السائحين الذين يزورن المدينة الألمانية التي يقطنها حوالي 70 ألف نسمة، بشكل كبير في المرحلة المقبلة، كما حدث مع مدن أخرى حصلت على نفس التكريم مثل باد موسكاو في ولاية سكسونيا. ولم يكن عدد زوار المدينة يصل إلى 15 ألف سائح سنوياً، لكن هذا العدد وصل مؤخراً إلى 37 ألف زائر، بعد إدراج متنزه فورست بوكلر الموجود في المدينة على لائحة التراث العالمي.
وعن هذا الأمر قال مدير المتنزه كورد بانينغ إن "السائح العادي لم يكن يعرف المتنزه كمكان سياحي لكن هذا الأمر تغير بالطبع بعد الإدراج على لائحة التراث العالمي، إذ لا يوجد دليل سياحي الآن يغفل هذا المتنزه، وهذا هو الأمر الذي يجعلنا نختلف عن المدن السياحية الكبرى مثل فايمار وبوتسدام ودريسدن فالانتعاش السياحي هناك لا يتأثر كثيراً باللقب الذي يعد على الجانب الآخر حاسماً وله قوة كبيرة ويعطي قيمة عالية في بلدة صغيرة مثل باد موسكاو".
وتستفيد الأماكن غير الشهيرة من هذا اللقب كما أن أماكن الجذب السياحي أيضاً تستفيد بحصولها على السمعة والدعم المالي، الأمر الذي يمكن ملاحظته مع المواقع الألمانية الـ37 المدرجة على اللائحة، ومن بينها كاتدرائيات آخن وشباير وهيلدسهايم وكولونيا إضافة إلى مجموعة قصور في بوتسدام.
وبالرغم من أن قصر نويشفانشتاين في ولاية بافاريا لم يحصل على لقب اليونيسكو، إلا أن المزار السياحي الشهير حظي عام 2011 بزيارة ما يقرب من 1.4 مليون سائح.
"أزعجتمونا بالكلام عن هذه الكاتدرائية وتلك"
يأتي إدراج أوبرا بايرويت على لائحة التراث العالمي لليونيسكو في وقت تتعالى فيه الأصوات التي تنتقد سيطرة مواقع أوروبية على القائمة، فأكثر من نصف ما يقرب من 900 موقع سياحي وثقافي على القائمة موجود في أوروبا أو أمريكا الشمالية. فهل يعني هذا أن اليونيسكو يرى القارة الأفريقية عديمة الثقافة؟
لا يغفل كورد بانينغ، مدير متنزه فورست بوكلر في مدينة باد موسكاو، هذه الحقيقة والجدل السياسي المثار حولها ويقول إن القائمة تركز بشكل كبير على أوروبا، الأمر الذي أدى إلى تعالي الأصوات التي ترى ضرورة تعويض هذه المسألة وإدخال دول آسيوية وأفريقية في اللائحة. وذلك كرد فعل على أصوات في دول أفريقية تنتقد التركيز الكبير على أوروبا قائلة: "لقد سأمنا من كاتدرائيتكم هذه وتلك".
سعادة في بيت لحم وإحباط في تمبوكتو
ومع كل هذا فإن إدراج اسم أوبرا بايرويت على لائحة التراث العالمي ليس لم يثر جدلاً بحجم ذلك المتعلق بضم كنيسة المهد التي تعتبر مولد السيد المسيح. فمطالبة الجانب الفلسطيني بإدراج اسم الكنيسة على اللائحة تسبب في جدل سياسي خاصة أنه جاء بعد ثمانية أشهر من إعلان اليونيسكو ضم فلسطين للمنظمة، بالرغم من معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل وألمانيا أيضاً. وبهذا تصبح كنيسة المهد هي أول موقع على قائمة التراث العالمي موجود على أرض تُدار من قبل سلطة فلسطينية.
من جانب أخر خيم الحزن على إعلان الأسماء الجديدة في لائحة اليونيسكو هذا العام، إذ تزامن مع واقعة قيام عناصر إسلامية متطرفة في مدينة تيمبوكتو بمالي بتدمير أضرحة مدرجة على اللائحة. من جهتها قالت مدير عام اليونيسكو إرينا بوكوفا إنه لا يوجد أي مبرر لهذا التصرف، مطالبة بوقف فوري لأعمال التدمير" الفظيعة التي لا يمكن الرجوع فيها".
أما وزيرة الثقافة المالية فاديما توري فطالبت الأمم المتحدة خلال اجتماع لجنة التراث العالمي في سان بطرسبورغ، باتخاذ إجراءات محددة ضد "هذه الجرائم التي ترتكب بحق التراث الثقافي الإنساني".
هيندريك هينتسه/ ابتسام فوزي
مراجعة: عماد غانم