بايدن يواجه "نسخة ترامب" البريطانية.. وكلمة السر هي بريكست
١٥ نوفمبر ٢٠٢٠عندما وصف الرئيس الأمريكي المُنتخب جو بايدن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأنه "نسخة جسدية وعاطفية" عن دونالد ترامب، كان لذلك الوسم الذي لا يُنسي أُثراً في الكشف عن ثمة علاقة مضطربة بين الطرفين خلال فترة الرئيس المنتهية ولايته ترامب. ولكن سرعان ما تغير الأمر بعد مشهد الانتخابات الرئاسية ومبادرة جونسون بتقديم التهنئة إلى المرشح الديمقراطي بايدن بعد فوزه.
وفي الواقع، فإن جونسون، وهو من أهم مناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لديه من الأسباب ما تجعله لطيفاً مع الرجل الذي سيُصبح رئيساً للولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني المقبل. وبالرجوع إلى شكل العلاقات بين البلدين في الفترة السابقة، فقد أبدى حزب المحافظين وحركة بريكست الأوسع نطاقاً رضائهما التام بالانحياز إلى إدارة ترامب بشأن العديد من القضايا خلال السنوات القليلة الماضية. ولقد أشاد ترامب نفسه كثيراً بأداء جونسون واصفاً إياه بـ "ترامب بريطانيا".
وكان من بين الأسباب التي عززت العلاقات الثنائية بقوة هي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعقد اتفاق شامل يسهل حركة التجارة بين البلدين، باعتباره نقطة انطلاق رئيسية على الطريق حول ما أسمته الحكومة بـ "بريطانيا العالمية" وهي الرؤية التي تتبناها المملكة المتحدة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية والتجارية في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبعد الفوز الكبير الذي حققه جونسون في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، غرّد ترامب على تويتر قائلاً:" تتمتع بريطانيا والولايات المتحدة الآن بالحرية في إبرام اتفاق تجاري جديد ضخم بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن المحتمل أن يكون هذا الاتفاق الثنائي أكبر وأكثر ربحاً من أي اتفاق يمكن عقده مع الاتحاد الأوروبي. احتفل بوريس!".
بايدن: أنا أيرلندي!
وعلى النقيض من هذه الحماسة مع ما أبداه الرئيس المنتخب بايدن عن الاتفاق التجاري. فالواقع أن بايدن، وهو أمريكي يفتخر بأصوله الأيرلندية، قد ردد نفس مشاعر رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والعديد من الساسة الأمريكيين البارزين الآخرين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكيفية تأثير ذلك على أيرلندا.
فالمناورات الأخيرة التي قامت بها الحكومة البريطانية فيما يتعلق بخروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، لم تسر على ما يرام مع الديمقراطيين الرئيسيين ومع جماعات الضغط الأيرلندية، ومنها الرئيس الأمريكي المنتخب. بيد أن هيمنة مسألة الحدود الأيرلندية على المناقشات الدائرة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لعدة سنوات سيجعلها واحدة من نقاط الخلاف الأساسية في المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قال بايدن في تغريدة له على تويتر: "لن نسمح لاتفاقية الجمعة العظيمة التي جلبت السلام إلى أيرلندا الشمالية أن تُصبح ضحية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وحذر من أن إبرام أي اتفاق تجاري مستقبلي بين الولايات المتحدة والمملكة سيكون مشروطاً باحترام هذه الاتفاقية ومنع عودة الحدود الصعبة".
وقد أدى فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية إلى ترديد الكثير من التعليقات في الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية بشأن علاقته الوثيقة مع أيرلندا ومعارضته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما تجعلها أخباراً سيئة بالنسبة للمملكة المتحدة.
وعلى كل حال، فإن الاتفاق التجاري الثنائي سيظل يواجه العقبات نفسها في الكونغرس حتى لو كان دونالد ترامب قد فاز في الانتخابات. ووفقاً لما أدلى به شيرمان روبنسون، زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ومقره واشنطن العاصمة، فإن انتخاب بايدن لا يعزز سوى هذه الحقيقة القائمة. ويقول في حوار مع DW: "من وجهة النظر البريطانية، لن يؤدي ذلك إلا إلى إبطاء الأمور".
وأشار إلى أن "سلطة المسار السريع"، التي يوافق الكونغرس بموجبها على تعليق قواعده ومناقشاته الدائرة والموافقة على (أو ربما رفض) الاتفاقيات التجارية بسرعة أكبر تنتهي في العام المقبل. يُذكر أنه في الأول من يوليو/ تموز 2021 تنتهي صلاحية ما يسمى بـ "هيئة الترويج التجاري" التي تم سنها وتمديدها عدة مرات في الماضي منذ منتصف السبعينيات.
وبالنظر إلى عدد القضايا المحلية التي سيتعين على بايدن التعامل معها قبل انتخابات التجديد النصفي في عام 2022، فإنه لا يتوقع منه أن يركز كثيراً على التجارة، لاسيما بين الولايات المتحدة والمملكة. وإذا كان لزاماً على الإدارة المنتخبة الجديدة تركيز اهتمامها في مرحلة مبكرة على التجارة كما يقول، فمن المرجح أن تستهدف إصلاح منظمة التجارة العالمية أو تحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
انعدام الاتفاق على ضفتي الأطلسي
يشكك روبنسون أيضاً في مدى نجاح المحادثات حول اتفاق تجاري بين المملكة والولايات المتحدة أُجرى في واقع الأمر تحت إدارة ترامب. ويضيف الخبير الاقتصادي الأمريكي بالقول: "لم يكن الأمر سهلاً، لاسيما وأن رغبة الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايذزر تتمثل في عقد اتفاقيات ثنائية ليست لطيفة بشكل خاص، ولا تُعد اتفاقيات تجارية حرة، كما أن بريطانيا لم تكن حريصة على أي من ذلك، لذا فإنني أشك في أنها لم تكن متقدمة إلى الحد الذي كان جونسون يأمل فيه".
أما أندرو غودوين، كبير الاقتصاديين بالمملكة المتحدة في مركز أكسفورد للاقتصاد، فلا يعتقد أن فوز بايدن سيغير الوضع بشكل ملموس. ويضيف غودوين في حوار مع DW عربية: "لا نعتقد أن فوز بايدن سيكون له تأثير ملموس على السياسة التجارية في بريطانيا".
وأشار إلى أنه "فيما يتعلق بالاتفاق التجاري بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فإن نقطة الخلاف الرئيسية دائماً ما تبدو وكأنها تخص المعايير الزراعية، مع احتمال أن تكون المطالب الأمريكية غير متوافقة مع ما قد تكون بريطانيا مستعدة لتقديمه". وهذا يطرح السؤال: ما مدى أهمية إبرام المملكة المتحدة لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة على أي حال؟
ويجيب روبنسون قائلاً: "لا أعتقد أنه أمر حيوي، فكلما طالت مدة بقائهم تحت مظلة الاتحاد الأوروبي كان ذلك أفضل، ولكن إذا تم الرجوع إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، فهذا ليس بالأمر السيء". كما استبعد أيضاً فكرة حصول المملكة المتحدة على أي نوع من الصفقات الخاصة، مضيفاً: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستقوم بإبرام اتفاق تجاري مع بريطانيا يتعارض مع الصفقات التجارية الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي أو مع أي شخص آخر".
إن الحديث عن الكيفية التي قد يؤثر بها بايدن على العلاقات مع المملكة المتحدة يجري على خلفية مفاوضات الصفقة التجارية الصعبة بين المملكة والاتحاد الأوروبي والتي تقترب من مرحلة حرجة. ويقول غودوين: "إن إبرام أي اتفاق تجاري بين أمريكا وبريطانيا سيصبح مسألة من الدرجة الثانية بالنسبة إلى الاتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي". وأضاف: "الموقع مهم جداً في التعاملات التجارية، ولذا فإن إبرام الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي هو أمر في غاية الأهمية".
الاتفاق المهم حقاً
ويشير هذا التوجه إلى أن يسميه الخبراء بـ "بريطانيا العالمية" تظل معلقة إلى أن يتم حل الوضع الطويل الأجل مع الاتحاد الأوروبي (الذي تدير به المملكة المتحدة نحو نصف إجمالي تجارتها).
وفي هذا السياق يوضح غودوين: "يبدو أن بريطانيا العالمية تواجه تحديات سياسية وعملية على حد سواء، وكلاهما من المرجح أن يثيران على الدوام إشكالية لها". ويضيف الخبير الاقتصادي البريطاني بالقول: "أن الصفقات التجارية تتضمن التنازل عن درجة ما من السيادة، ونظراً لان الحكومة قد بعثت برسالة واضحة مفادها أنها تُعطي الأولوية للسيادة، لطالما كان من الصعب تقديم التنازلات المطلوبة لإبرام هذه الصفقات".
أما روبنسون فيرى بدوره أن إحدى الأفكار الواضحة التي يتعين على المملكة المتحدة أن تسعى إلى تحقيقها تتلخص في تعزيز جهودها الرامية إلى الانضمام إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، وهي الشراكة التجارية الحرة بين 11 دولة من بلدان منطقة المحيط الهادئ.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الأمريكي بالقول: "إن اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ قد أصبح معياراً للصفقات التجارية الأخرى"، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي قد عقد صفقات مع العديد من بلدان جنوب شرق آسيا ويبدو أنها متوافقة إلى حد كبير مع اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ.
وفي نهاية المطاف، فإن أي اتفاق في هذا الشأن، كما هو الحال مع اتفاق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لن يفيد كثيراً في التعويض عن الضرر الاقتصادي الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
آرثر سوليفان/ و.ع