بالتوعية ووسائل الحماية .. أوروبا تحارب "الأمراض الجنسية"
٨ يناير ٢٠٢٣قررت الحكومة الفرنسية منذ الأول من يناير / كانون الثاني توفير الواقي الذكري بالمجان لجميع الذكور دون سن السادسة والعشرين في خطوة تلت قرار صدر العام الماضي بمنح الفرنسيات ممن في سن الخامسة والعشرين أو أقل وسائل منع الحمل بالمجان .
وقد اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه التدابير باعتبارها "ثورة وقائية صغيرة" لوقف انتشار الأمراض المنقولة جنسيا التي شهدت تزايدا في جميع أنحاء البلدان الأوروبية خلال الآونة الأخيرة إذ سجلت فرنسا زيادة بنسبة 30٪ في معدلات الإصابة بهذه الأمراض بين عامي 2020 و 2021.
وعلى النقيض من فرنسا، بدت الحكومة الألمانية أقل سخاءَ في هذا الشأن إذ مازلت الألمانيات في حاجة إلى دفع أموال مقابل الحصول على وسائل منع الحمل مثل الحبوب أو اللولب الرحمي فيما يتم تعويض الألمانيات دون سن 22 عاما من شركات التأمين الطبي في حالة وجود استشارة طبية فضلا عن دفع الشباب الأموال مقابل الحصول على الواقي ذكري، الذي يمكن شراؤه من دون وصفة الطبيب في ألمانيا.
يشار إلى أن وسائل منع الحمل قد تعمل قط على منع حدوث الحمل، لكنها على عكس الواقي الذكري لا توفر حماية فعالة ضد الإصابة بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي .
ارتفاع الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا في أوروبا
كشف "أطلس مراقبة الأمراض المعدية" التابع للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي، عن ارتفاع في حالات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا خلال السنوات الأخيرة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي .
وبحسب الأرقام، ارتفعت حالات الإصابة بمرض السيلان في جميع أنحاء التكتل منذ عام 2009 فيما تركزت معظم الحالات في إسبانيا وهولندا وفرنسا خاصة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عاما.
ورغم أن البيانات الصادرة عن المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض لا توفر معلومات تفصيلية بشأن الإصابة بمرض الكلاميديا على مستوى بلدان الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك تزايدا ملحوظا في حالات الإصابة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي خاصة حتى عام 2019 فيما جرى تسجيل معظم الإصابات بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 عاما.
لكن فيما يتعلق بمرض الزهري ، فإن الزيادة في الإصابة تعد مقلقة حيث ارتفعت حالات الإصابة بمرض في بلدان الاتحاد الأوروبي بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة رغم رصد انخفاض مفاجئ في معدلات الإصابة عام 2019 التي تزامن مع بدء تفشي وباء كورونا.
الواقي الذكري... الأكثر حماية
يرى خبراء الصحة أن الواقي الذكري يعد وسيلة فعالة لمنع انتشار الأمراض المنقولة جنسيا مثل السيلان والكلاميديا والزهري.
ورغم أن الإصابة بأمراض السيلان و الكلاميديا يمكن علاجهما ولا ترافقهما أعراض خطيرة، إلا أنهما يتسببان في مشاكل صحية خطيرة حيث يمكن أن يؤدي مرض الكلاميديا إلى إتلاف الجهاز التناسلي للمرأة.
أما فيما يتعلق بمرض الزهري، فتعد الإصابة أكثر خطورة إذ قد تتسبب في مشاكل صحية خطيرة مثل تلف الأدمغة والجهاز العصبي والعين والأذن وذلك في حالة عدم علاجه.
استخدام الواقي الذكري بين المراهقين الألمان
رغم أن الواقي الذكري لا يُباع بالمجان في ألمانيا، إلا أن الشباب يدركون أهمية استخدامه إذ كشف استطلاع للرأي قام به المركز الفيدرالي الألماني للتثقيف الصحي عام 2019 عن أن الغالبية العظمى من الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 17 عاما يستخدمون الواقي الذكري خلال العلاقات الجنسية من أجل حمايتهم من الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا.
وأظهرت البيانات ارتفاعا في استخدام الواقي الذكري بين المراهقين الألمان خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي سياق متصل، كشفت دراسة عن وجود ارتباط بين المستوى التعليمي ومدى احتمالية تخلي المراهقين والمراهقات عن استخدام وسائل منع الحمل أو الاعتماد على وسائل منع الحمل أكثر خطورة حيث قال الأشخاص الذين اًستطلع آراؤهم إنه جرى تثقيفهم حيال القضايا الجنسية والصحة الإنجابية عن طريق الآباء أو عن طريق دروس التربية الجنسية سواء في المدرسة أو على الإنترنت.
التربية الجنسية هامة، ولكن؟
ورغم دور الآباء في تثقيف الأبناء حيال القضايا الجنسية، لكن ليس كل الآباء يمتلكون القدرة لتعليم أطفالهم بشأن القضايا المرتبطة بالصحة الإنجابية والأمراض المنقولة جنسيا فيما قد تكون بعض المصادر المتوفرة عبر الإنترنت غير مناسبة للمراهقين الأصغر سنا.
وفي هذا الصدد، تبرز أهمية دروس التربية الجنسية داخل المدارس.
يشار إلى أنه جرى البدء في تقديم دروس التربية الجنسية في المدارس عام 1968 في ألمانيا الغربية و عام 1959 في ألمانيا الشرقية حتى وصل الأمر إلى أن هذه الدروس باتت جزءا من دروس الأحياء في المدارس الألمانية.
ورغم ذلك، فإن عددا قليلا من دروس التربية الجنسية في المدارس الألمانية تكرس جهدها لتثقيف الطلاب والطالبات حيال مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا إذ كشفت دراسة عن أن معظم المناهج في المدارس الألمانية لم تذكر أي شيء حيال خطر الإصابة بمرض الكلاميديا.
أما في فرنسا، فيبدو الأمر مشابها لما يحدث في المدارس الألمانية.
فقد ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن هناك إلزامية على طلاب المدارس المتوسطة الفرنسية لحضور ثلاث دروس متخصصة بالتربية الجنسية على مدار العشرين عاما الماضية.
وأضافت الصحيفة أن هذه الدروس لا يتم تقديمها بشكل دائم، مشيرة إلى وجود تباين صارخ حيال ذلك بناء على المناطق والمدارس وحتى الفصول الدراسية.
وقد أقر ماكرون بالأمر إذ أشار خلال الإعلان عن مجانية الحصول على الواقي الذكري في فرنسا إلى أن الحكومة لم تكن جادة حيال إتاحة دروس التربية الجنسية في المدارس، مؤكدا على ضرورة تدريب المعلمين.
وكان وزير الصحة الفرنسي باب ندياي قد اعتبر التثقيف الجنسي يأتي في إطار تدابير الصحة العامة بسبب دوره في تقليل حدوث عمليات الحمل بين المراهقات فضلا عن تقليل الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا وأيضا مكافحة التمييز.
بنجامين ريستل / م ع