باحثون ألمان: الجفاف ليس السبب الأساسي للمجاعة في أفريقيا
أدى انخفاض معدل الأمطار وموجات الجراد في العام الماضي إلى تدني مستويات إنتاج الذرة البيضاء في بعض البلدان الأفريقية، ولكن الأمر كان على أشده في النيجر الذي يبلغ تعداد سكانه 12 مليون شخص. الأمر الذي دفع منظمات الإغاثة الدولية إلى إعلان خطر موجة مجاعة يمكن أن تجهز على ما بقي بعد موجات مجاعة سابقة. وقد تم خلالها نقل أكثر من ربع مليون طفل مهدد بالموت جوعاً إلى مراكز التغذية التابعة لهذه المنظمات. وتشير دراسة لمنظمة الأمم المتحدة ان التصحر يلحق ضرراً مستمراً بحياة أكثر من 250 مليون إنسان في دول العلم الفقيرة. وعُزي الامر في السابق إلى قلة معدل نزول الأمطار، ولكن فريق من الباحثين الألمان يشيرون اليوم في دراسة لهم الى أسباب أخرى مسؤولة بشكل اكبر عن قلة إنتاج الأراضي الزراعية. وقاموا بتجارب ميدانية توصلت الى محصول اكثر حتى 1في أسوأ أوقات نزول الأمطار.
المشكلة ليست فقط في الجفاف
نشرت مجموعة من العلماء الألمان مؤخراً دراسة تختلف نتائجها عن الكثير من الدراسات العلمية التي عَزت قلة الإنتاج الزراعي في النيجر وبعض دول الساحل الأفريقي إلى قلة معدلات الأمطار. وقد بينت الدراسة أن كمية المحاصيل لا تحقق ازدياداً ملحوظاً حتى في المواسم التي تشهد كمية أمطار جيدة. وجاء في تفسير ذلك ان ان نبتة الذرة البيضاء ليست بالنبتة الحساسة بل إنها ملائمة جداً للتربة الرملية الحمضية في جنوب النيجر التي لا يمكنها خزن سوى كمية محدودة من الماء والعناصر الغذائية. وخلال فترة الأمطار الممتدة من حزيران/ يونيو حتى تشرين الأول/ أكتوبر تنمو نباتات الذرة البيضاء لتصل الى ارتفاع مترين. ويتم إنتاج 200 إلى أكثر من 2000 كيلوغرام في الهكتار الواحد. وأشار تقرير لمنظمة الغذاء العالمية الى ان معدل انتاج الذرة وصل في العام الماضي إلى 300 كيلوغرام في الهكتار الواحد.
تقول دراسة العلماء الألمان الجديدة إن الأراضي الرملية لا تملك سوى كمية قليلة من العناصر الغذائية الضرورية لنمو النباتات، وان كميات الفوسفات الموجودة في الترب الحمضية متصلبة جزئيا بشكل يصعب معه استفادة النباتات منها. وهناك كمية محدودة من النتروجين تُنتج من بقايا نباتات العام السابق والسماد الحيواني. إما رياح "الهرماتان" التي تهب من الصحراء أثناء موسم الجفاف فأنها تقوم بنقل البوتاسيوم. وأظهرت نتائج التجارب الميدانية ان ناتج الهكتار الواحد تحت ظروف معتدلة يمكن أن يصل إلى أكثر من 2000 كيلوغرام حتى في اقل معدلات نزول الأمطار، وهو أمر متكرر الحدوث في النيجر. ولان عملية زراعة الذرة البيضاء تتم يدوياً فأن البذور لا تنبت في اللحظة الأكثر مناسبة. ناهيك عن إن الفلاحين يقفون يائسين أمام النباتات الضارة المرافقة التي تسلب نباتات الذرة الماء والعناصر الغذائية.
وفي تجارب ميدانية أخرى تم رفع مستوى الإنتاج السنوي إلى 50 بالمائة عبر تسميد الأرض بالفوسفات وحده. وعن طريق إعداد الأرض للزراعة المتناوبة مع اللوبيا تم مضاعفة المحصول إلى ثلاثة مرات مقارنة بالمحصول الناتج عن أسلوب الزراعة التقليدية في المنطقة.
أهمية البنية التحتية
من الضروري بذل جهود اكبر من اجل حل دائم لمشكلة المجاعات الدائمة في أفريقيا التي كانت قد تعرضت في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم إلى اعنف موجات الجفاف والمجاعة جراء اجتماع أسباب عدة. ويجب ان تطال هذه الحلول أساليب الزراعة المتبعة والقيام بإرشاد الفلاحين إلى أساليب أخرى تعود بالنفع الأكبر عليهم. والى جانب تحسين الخطط والتقنيات الزراعية فأن هناك الكثير مما يقام به على صعيد المساهمة في رفع مستوى البنية التحتية. ففي النيجر البلد المترامي الأطراف مثلاً نرى إن ليس هناك شبكة طرق تربط الحقول بأسواق البذور والأسمدة وغيرها من المستلزمات الزراعية، أو حتى بأسواق التصريف. ومن المعروف أن الأسواق والقروض ضرورية في تحسين ظروف العناصر الإنتاجية.
مساعدات في غير محلها
أما عن جدوى المساعدات الاقتصادية المقدمة فأنها مسألة إشكالية حيث تم انتقادها في أكثر من مناسبة. ويعود ذلك إلى أنها لا تعمل على تطوير بنية أساسية تساعد البلدان الفقيرة على تطوير إمكاناتها بنفسها. فالمجاعة ما تزال تهدد حياة الكثير من سكان النيجر بعد سنوات طويلة من تقديم المساعدات والمعونات. انطلاقا من ذلك يدعو الكثيرون من خبراء الاقتصاد إلى إعادة النظر في آليات برامج المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الدول الغنية. فقد طالب الخبير الاقتصادي الكيني جيمس شيكواتي في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية بإيقاف المساعدات الإنمائية التي تحصل عليها الدول الإفريقية، معللاً ذلك في أن هذه المساعدات "تعلم الدول الإفريقية التسول وتساعد على انتشار البيروقراطية والفساد فيها"، على حد تعبيره. وينتقد آخرون دور النخب الفاسدة الأفريقية في زيادة الوضع سوءاً من خلال عدم إيصال المساعدات إلى من يحتاجها بالفعل.
عماد م. غانم