60Geburtstag von Süskind, der auch im arab. Raum bekannt ist
٢٥ مارس ٢٠٠٩ماذا كان يفعل هذا الكاتب طيلة الأعوام الماضية؟ كيف يقضي يومه؟ بأي شيء يشغل نفسه؟ ماذا يقرأ؟ وهل ما زال يكتب؟ ولماذا توقف عن النشر؟ هذه الأسئلة تفرض نفسها على القارئ عندما يفكر في باتريك زوسكيند Patrick Süskind المولود في 26 مارس / آذار 1949. منذ منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات كان كل ما ينشره زوسكيند يحتل على الفور مكانة الصدارة على قائمة المبيعات. وهكذا أضحى خلال سنوات قليلة "الطفل المعجزة" بين أدباء ألمانيا المعاصرين.
"الكونتراباص" التي عرفتها كل صالات المسارح الألمانية
لكن زوسكيند لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب. قبل أن يكتب "الكونتراباص" عام 1980 كان قد جرب قلمه في عدة أعمال نثرية لم يجد من ينشرها، ثم في سيناريوهات أفلام لم تجد من يخرجها أو يمثلها. مع "الكونتراباص" بدأ نجمه في اللمعان. بُث العمل أولاً تمثيلية إذاعية، قبل أن يجد طريقه إلى خشبة أحد مسارح ميونيخ، وقبل أن يصدر في كتاب عام 1984. منذ ذلك الحين وهذه المسرحية المكتوبة لممثل واحد تحقق نجاحا ساحقا. بل يمكن القول إنه ليس هناك مسرح في ألمانيا لم يقدم هذه المونودراما في أحد مواسمه، مما جعلها من أكثر النصوص المسرحية التي مثلت في ألمانيا على الإطلاق، حتى أنها خلال موسم 1984 عرضت أكثر من 500 مرة، في خمسة وعشرين إخراجا مختلفا.
"العطر" ـ القنبلة التي أحدثت صدى عالميا
في عام 1985 نشر زوسكيند عمله الثاني، رواية "العطر". حققت هذه الرواية فور صدورها نجاحاً ساحقاً، وباعت خلال عام واحد نصف مليون نسخة، وبلغت مبيعاتها حتى اليوم أكثر من خمسة عشر مليون نسخة، وبذلك فاقت رواية "الطبل الصفيح" لغونتر غراس.
أحدثت "العطر" صدى كالقنبلة في العالم كله، لغرابة "قصة القاتل" التي تتناولها، ونجاح الكاتب في الخلط بين الواقع والخيال، وفي أن يبث أفكاراً فلسفية في ثنايا روايته التي أخذت منحى بوليسياً غامضاً مشوقاً. استطاع زوسكيند أن يجعل القارئ يشعر بعد فراغه من الرواية بأنه أصبح "يشم" العالم على نحو مختلف. ربما لهذا السبب كانت الرواية أكثر توفيقاً من الفيلم الذي أنتج عام 2006، لأن الفيلم – رغم إجادة ممثليه داستن هوفمان وبن ويشاو، وبراعة مخرجه الألماني توم تيكفير – عجز عن أن ينقل عالم الروائح مثلما نقله الأدب.
بعد "العطر" نشر زوسكيند قصتين طويلتين، الأولى بعنوان "الحمامة"، والثانية بعنوان "حكاية السيد زومر". عدا ذلك لم ينشر زوسكيند إلا ثلاث قصص قصيرة، ثم صمت منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم.
في غضون سنوات قليلة ترجمت "العطر" إلى ما يزيد على أربعين لغة. وكان للمترجم السوري نبيل الحفار فضل تعريف القارئ العربي بهذه الرواية الشهيرة التي ترجمها في منتصف التسعينيات، وصدرت منذ ذلك الحين في عدة طبعات عن دار المدى الدمشقية. ثم توالت ترجمات زوسكيند عن الألمانية، فصدرت في عام 2004 مسرحية "الكونتراباص" ضمن المشروع القومي للترجمة في القاهرة، كما صدرت عدة ترجمات عن دار الجمل الألمانية، وبذا بات بإمكان القارئ العربي مطالعة كافة أعماله تقريباً.
سر النجاح ـ المزج بين الأدب الجاد والشيق والمثير
تتسم أعمال زوسكيند بسمات مميزة، كما تتسم كتاباته بنكهة خاصة جداً. زوسكيند يجمع في أعماله بين الجدية والمعلومات الغزيرة التي ينثرها في ثنايا عمله واللغة المحملة بالرموز والإيحاءات، وبين الأسلوب التشويقي المسلي والعالم الغرائبي (لا سيما في "العطر"). إنه يوازن – بنجاح تام – بين طموحه الأدبي وبين النجاح الذي يبتغيه لدى الجمهور العريض. زوسكيند يحترف كتابة الأدب الجاد الشيق والمثير، ويبتعد – ربما عمداً – عن الموضوعات التي تمس التاريخ المعاصر أو تتقاطع مع السيرة الذاتية وهمومها وشكاواها، على النقيض من القسم الأعظم من كتاب ألمانيا وقت ظهور أعمال زوسكيند.
سمة أخرى تميز زوسكيند، وهي ابتعاده التام عن التدخل في الحياة العامة أو في السياسة، وعدم سماحه لأحد بأن يتدخل في حياته، لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى من أجل الدعاية لأدبه. لا أحد يعرف أين يسكن الكاتب. من يريد أن يراسله، عليه أن يكتب لدار النشر (دار ديوغنيس السويسرية).
زوسكيند مشهور ومجهول في آن واحد. ليس هناك سوى صورتين لهذا الكاتب الأسطورة، ومنهما يستشف المرء ملامح إنسان خجول زائغ النظرة، إنسان يريد ألا يزعجه أحد أو أن يفسد عليه خلوته. ومثلما ينفر زوسكيند من الناس، فإنه يرفض الجوائز الأدبية. وهل هو بحاجة إليها؟ إن باتريك زوسكيند ينتسب إلى عائلة من الكتّاب أبدعوا أعمالاً قليلة رائعة، ثم آثروا أن يتوقفوا بعدها. إنه يذكرنا بيحي حقي مثلاً، حامل "قنديل أم هاشم"، والطيب صالح صاحب "موسم الهجرة إلى الشمال". قد يشعر القارئ بالحسرة أو بالأسف لأنهم مُقلون؛ ولكن: أليس هذا خيراً من تكرار واجترار لا طائل منهما؟
الكاتب: سمير جريس
المحرر: عبده جميل المخلافي