بابا الفاتيكان في تركيا: زيارة للمصالحة ذات أبعاد سياسية
٢٨ نوفمبر ٢٠٠٦انطلقت صباح اليوم الثلاثاء طائرة الحبر الأعظم بنديكت السادس عشر متوجهة إلى أنقرة، حيث سيقوم بزيارة إلى تركيا تستغرق أربعة أيام. وتعد هذه الزيارة الرعوية الخامسة، التي يقوم بها بنديكت السادس عشر إلى الخارج، والأولى إلى بلد إسلامي منذ انتخابه لرئاسة الكنيسة الكاثوليكية في نيسان/أبريل 2005. وقبيل إقلاع طائرته من مطار فيوميتشو في روما، الذي شهد إجراءات أمنية غير معهودة، صرح البابا في مؤتمر صحافي ان زيارته هذه إلى تركيا ليست لها أبعاد سياسية بل تهدف إلى تعزيز "التفاهم بين الثقافات".
من جانب آخر وصف الكثير من المراقبين الزيارة بالحساسة بسبب اقتباسات البابا المثيرة للجدل، التي استشهد بها في محاضرة له في جامعة ريغينسبورغ الألمانية عن العلاقة بين العنف والدين. تلك المحاضرة أثارت في حينها الكثير من ردود الأفعال الغاضبة في العالم الإسلامي. ورغم تقديم البابا اعتذاراً غير مباشر عما وصفه "بسوء الفهم" إلا ان ذلك لم يمنع مظاهرات الاحتجاج الغاضبة التي سبقت الزيارة، حتى مع قبول بعض الجهات الإسلامية لذلك الاعتذار آنذاك.
"علامة إيجابية"
وللوقوف على أهمية هذه الزيارة لتركيا وفاعليتها في دعم الحوار بين المسيحية والإسلام اتصل موقعنا بنائب رئيس "الرابطة الإسلامية" في برلين، بورهان كيسيتشي. يرى كيسيتشي أن نجاح هذه النوايا المتعلقة بجدية الحوار يتعلق أولاً بالمحادثات التي ستجري في تركيا. لكن كيسيتشي يعتقد في الوقت نفسه "ان الإشارة إلى الرغبة في الحوار بحد ذاتها تعتبر علامة إيجابية". ويضيف كيسيتشي أن تركيا في وضع يمكنها من التمييز في جدية العرض المقدم باستمرار الحوار من عدمه.
ورغم ترحيب الأوساط الرسمية بالزيارة يبدو ان وجهة النظرة التركية حول هذه الزيارة منقسمة على نفسها. فعلى الصعيد السياسي أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في اجتماع لكتلة حزبه في البرلمان ان الزيارة ستساهم في تحقيق "السلام العالمي". كما ان الكثير من المعلقين في الصحافة التركية تحدثوا بنبرة إيجابية عن الزيارة ووصفوها بأنها لقاء بين الغرب والعالم الإسلامي لا صدام حضارات كما صورتها بعض الجماعات الإسلامية في تركيا. ولكن هذه الجماعات أبدت ردود فعل غاضبة في الشارع التركي من خلال المظاهرات والاحتجاجات على الزيارة، الأمر الذي يعطي انطباعاً مغايراً عن الترحيب بالزيارة في الأوساط الرسمية.
زيارة ذات أبعاد سياسية
البابا لا يرى ان لزيارته هذه أهمية سياسية، إلا ان واقع الحال وبيان الفاتيكان الرسمي مؤخراً الذي نص على عدم ممانعة الفاتيكان بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يضفي على هذه الزيارة أبعادا سياسية. كما أكد لرئيس وزراء تركيا الذي كان في استقباله ان البابا يساند محاولات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في وقت تأتي فيه الزيارة بعيد فشل المباحثات بين أنقرة والاتحاد الاوروبي حول مسألة انضمام الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي. الأمر الذي يمكن ان يفسر على انه محاولة تركية للاستفادة من تصريحات الفاتيكان الأخيرة. غير ان كيسيتشي يعتقد ان هذه التصريحات لم ينظر إليها بشيء من الجدية في تركيا، فالأتراك مازالوا يعتبرون أوروبا "نادياً مسيحياً" ويتساءلون عن جدية الأوروبيين بقبول تركيا المسلمة في حال تلبية أنقرة لشروط الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. الجدير بالذكر ان البابا كان قد أبدى قبل توليه البابوية العام الماضي تحفظه تجاه محاولة تركيا الانضمام للاتحاد الاوروبي معللا ذلك بخلافات دينية وثقافية.
ويرى كيسيتشي ان تصريحات الكاردينال كاسبر التي سبقت زيارة البابا، والتي شددت على أن زيارة بنديكت السادس عشر تهدف في المقام الأول إلى المصالحة مع الأرثوذكس ودعمهم في تركيا، يمكن ان تسبب "الكثير من المشاكل الأخرى مع الفاتيكان". فمثل هذه التصريحات يمكن ان تعطي بشكل أو بآخر انطباعاً ان الزيارة "ليست موجهة الى الشعب التركي بصورة رئيسية."
تتبع خطى السلف
ويبدو ان بيندكت السادس عشر يرغب في أن يمنح زيارته الأولى لبلد إسلامي أبعاداً روحية تعمل على تقوية أواصر الثقة التي يطمح إليها مع العالم الإسلامي. فقد أعلن عن نيته لزيارة "الجامع الأزرق" في مدينة اسطنبول. وهذا يعني مزيد من الإشارات الجادة، التي تهدف إلى المصالحة. والنية في زيارة المسجد يمكن ان تبعث إشارات ايجابية على عدم تغير موقف الفاتيكان من العالم الإسلامي بعد وفاة البابا السابق يوحنا بولص الثاني واعتلاء بنيدكت للكرسي الرسولي. فلقد قام البابا السابق اثناء زيارته لدمشق عام 2001 بزيارة اكبر مساجد سوريا أي المسجد الأموي.