"باب الهوى".. شريان الحياة الوحيد في إدلب مهدد بالإغلاق!
٢٩ يونيو ٢٠٢١تبعد مدينة إدلب السورية عن معبر باب الهوى على الحدود التركية قرابة 40 كيلومترا وتقطع هدى خيتي، مديرة مركز دعم وتمكين المرأة بمدينة إدلب، هذه المنطقة ذهابا وإيابا عدة مرات أسبوعيا لمتابعة الحالات الإنسانية في مخيمات اللاجئين المتاخمة للحدود وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين الذين هم في أمس الحاجة إلى الدعم الإنساني.
ولسنوات، يعيش الملايين من النازحين السوريين تحت وطأة ظروف إنسانية ومعيشية غاية في الصعوبة، ومؤخرا يساور خيتي الكثير من القلق حيال مصير هؤلاء مع قرب انتهاء تفويض الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين عبر الحدود من دون المرور بدمشق.
وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، أكدت خيتي "هؤلاء الناس يعتمدون بشكل كبير على المساعدات. لا يملكون أي صوت ومعاناتهم غائبة عن انتباه المجتمع الدولي. وإذا توقفت المساعدات، فإنهم سيموتون إما بسبب الجوع أو المرض".
وتدق خيتي ناقوس الخطر حيال تهديد يواجه الملايين من النازحين يتمثل في قرب توقف المساعدات إذ أن التفويض الأممي يمثل حجر الأساس لإيصال المساعدات الإنسانية إلى منطقة إدلب وقارب هذا التفويض على الانتهاء.
إغلاق وشيك للمعبر
أصدر مجلس الأمن الدولي في عام 2014 قرارا بفتح أربعة معابر حدودية في شمال غرب سوريا لتقديم المساعدات الأساسية لمن يعيشون في إدلب التي تعد آخر معاقل المعارضة في سوريا.
ووفقا للقرار الأممي، فإنه يجب تجديد هذا التفويض كل عام وهو الأمر الذي لطالما تعارضه سوريا وحليفتها الوثيقة روسيا، التي تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي.
وخلال العام الماضي، أسفرت المفاوضات الشاقة عن تسوية تقضي بإغلاق كافة المعابر ماعدا معبر باب الهوى الذي يقع على بعد قرابة 50 كيلومترا غرب حلب ويعد آخر معبر حدودي متبقٍ مع تركيا. ومن المقرر أن ينتهي هذا التفويض في العاشر من شهر يوليو/ تموز المقبل.
وتشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد سكان إدلب يبلغ قرابة أربعة ملايين شخص، بينهم أكثر من مليون شخص يعيشون في مخيمات النازحين فيما أُرغم الكثير منهم على الفرار نحو الداخل السوري.
ومنذ صدور القرار الأممي، تواجه منظمات الإغاثة صعوبات بشكل متزايد في مهمة إيصال المساعدات الإنسانية والطبية لمن يعيشون في هذه المنطقة.
"كارثة إنسانية بمعنى الكلمة"
ووفقا للأمم المتحدة، تمر قرابة ألف شاحنة محملة بالمساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي كل شهر فيما تقدر منظمة هيومن رايتس ووتش بأن ثلاث أرباع سكان إدلب البالغ عددهم أربعة ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
وتفاقم الوضع الصحي في إدلب مع شح الإمكانيات الطبية إذ خرجت كافة المستشفيات عن العمل باستثناء ثلاثة مستشفيات وسط ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا. ويزداد الوضع سواء مع شح إيصال اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة تحذيرات خطيرة من أن منطقة إدلب تنتظر الأسوأ، وهو الأمر الذي أشارت إليه خيتي.
وتقول "إذا توقف إيصال المساعدات، فسينتهي الأمر بكارثة إنسانية حقيقية لأنه سيترتب على هذا الإغلاق توقف إرسال المساعدات الطبية كالأدوية. نتعرض لقصف، فكيف يمكننا علاج الجرحى وأيضا المرضى وحتى من أصيبوا بفيروس كورونا. كيف يمكن أن تكون المساعدات الإنسانية التي نقدمها موضع نقاش وجدل".
روسيا تعارض التمديد
صعد الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه الروس خلال الأسابيع الأخيرة من الهجمات التي تستهدف المناطق الجنوبية من محافظة إدلب خاصة المنطقة المحيطة بجبل الزاوية، رغم سريان هدنة رسمية.
وفي مايو/ أيار الماضي، أشارت روسيا إلى أنه من غير المحتمل أن يتم الموافقة على تمديد التفويض الأممي لإبقاء معبر باب الهوى مفتوحا فيما حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من ناحية أخرى على فتح معبر حدودي ثان للسماح بإيصال المزيد من المساعدات إلى آخر معقل للمعارضة في سوريا.
وفي ذلك يقول تيل كوستر، منسق منطقة الشرق الأوسط في مجموعة "ميديكو إنترناشونال" الإغاثية إن "النقاش حيال نقطة تفتيش واحدة يمثل الحد الأدنى". ويضيف قائلا: "في الحقيقة إننا في أمس الحاجة إلى فتح المزيد من نقاط التفتيش".
وتدعم منظمة "ميديكو إنترناشونال" مركز دعم وتمكين المرآة بمدينة إدلب الذي تديره خيتي بالإضافة إلى إرسال مساعدات إلى مخيمات النازحين للمساعدة في وقف تفشي فيروس كورونا.
وتضطر منظمة "ميديكو إنترناشونال" وغيرها من منظمات الإغاثة إلى استخدام طرق غير رسمية لنقل مساعداتهم إلى إدلب، وفقا لما ذكره كوستر. لكنه يشير إلى أن هذا يعني أن هذه المنظمات يتعين عليها التخلي عن الإعفاءات الأممية سواء المتعلقة بالأمن أو الجمارك.
وفي هذا السياق، تقول خيتي "إذا قل دخول السلع شيئا فشيئا، فإن الأسعار ستنفجر. وبسبب تردي قيمة العملة السورية، ارتفعت أسعار السلع الغذائية والمحروقات والسلع الأساسية بشكل كبير".
الأسد المستفيد
يشار إلى أنه من حيث المبدأ تعمل الأمم المتحدة في الدول الأعضاء في المنظمة الدولية وبموافقة حكومات هذه الدول. وفيما يتعلق بسوريا، تدعو روسيا – أكبر داعمي الرئيس السوري بشار الأسد- إلى وجوب مرور المساعدات الإنسانية عبر دمشق.
وفي هذا الأمر تقول بينته شيلر، المتخصصة في الشأن السوري بمؤسسة "هاينرش بول" في برلين، إن "روسيا تتلاعب بالدول الغربية لتقويض دورها ونفوذها".
وتشير شيلر بتصريحها هذا إلى أن النظام السوري – الذي لا يقدم المساعدات إلا إلى السكان الموالين له – سيكسب المزيد من النفوذ بإغلاق معبر باب الهوى وقد يساعده هذا في استعادة آخر معقل للمعارضة عن طريق زيادة الضغوط على السكان الذين يعيشون في هذه المنطقة.
بيد أن الأسد ليس وحده المستفيد من إغلاق معبر باب الهوى الحدودي، وفقا لشيلر. وتقول "سيعزز هذا الإغلاق الدور الذي تلعبه تركيا. ففي هذه الحالة، سيكون الأمر بيد تركيا فيما يتعلق بمقدار المساعدات التي تريد السماح بإدخالها في المقام الأول وليس هذا فقط وإنما أيضا الجهة التي ستصل إليها هذه المساعدات."
وتضيف شيلر قائلة: "يبدو أن الجانب الإنساني يلعب فقط دورا غير مباشر بمعنى أنه عندما تسمح أنقرة بإدخال المساعدات فإن هذا يرجع إلى رغبتها في منع فرار المزيد من السوريين من بلداتهم إلى تركيا".
الصراع السوري طويل الأمد
وتئن سوريا تحت وطأة صراع ممتد منذ أكثر من عقد أسفر عن مقتل مئات الآلاف وتشريد أكثر من 13 مليون شخص نصفهم باتوا نازحين داخل سوريا وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وأسفر الصراع السوري عن تقسيم سوريا إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة ومناطق تخضع لسيطرة المعارضة فيما يسيطر الأكراد على مناطق أخرى.
وفيما يتعلق بهدى خيتي فهي تدير هذا المركز في إدلب منذ 2018. وقصدت خيتي هذه المنطقة منذ انتقال فصائل المعارضة والجماعات المسلحة إلى محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية المسلحة (جبهة النصرة سابقا) وجماعات أخرى.
وتقول خيتي "عاصرت بعيني الأزمة في الغوطة وعرفت بمعنى الكلمة ماذا يعني أن يقوم النظام بتجويع الناس. قام النظام (السوري) بإغلاق كل شيء في هذا التوقيت ولم يسمح لأي شي أو أي شخص بالدخول. وكان هذا في الغالب أسوء من القصف الذي كان يتعين علينا تحمله. لذا لا أريد أن أعاني من هذه التجربة مرة أخرى. هذا شعور مرعب وفظيع فأنا أخشى أن يكون هذا الأمر هو السيناريو الذي سنواجهه قريبا".
وفي ضوء تداعيات هذا السيناريو، تخشى خيتي من أن يضطر سكان إدلب إلى الفرار مرة أخرى. بيد أن خيتي تقول إن خيارات الفرار باتت شحيحة مثل شح المساعدات الإنسانية إذ أن معظم المناطق السورية الأخرى ليست خيارا فيما لا تزال تركيا تغلق حدودها.
وفي ذلك، تتساءل قائلة: "ماذا يُنتظر من أربعة ملايين شخص؟ هل يظلوا في أماكنهم انتظارا للموت؟" وتضيف "يتحرك المجتمع الدولي فقط عندما تقع الكارثة أو تنتهي. يجب أن يعرف المجتمع الدولي إننا في حاجة إلى دعم الآن".
ديانا هودالي / م.ع