"انقلاب مصور"... نصف قرن على إطاحة بينوشيه بأليندي
١١ سبتمبر ٢٠٢٣الجميع يعرف صورة تشي جيفارا، وهو ينظر بثقة في الأفق البعيد. في مجتمع "الهيبيز" في ستينيات القرن العشرين، أصبح "الكوماندانته" (القائد) في ثقافة شباب تلك الحقبة رمزاً للثائر النموذجي.
وعلى العكس من ذلك فإن صورة أوغستو بينوشيه تجسد الديكتاتور بامتياز. فذلك الجنرال، الذي أطاح بحكومة سلفادور أليندي في تشيلي في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 1973، برز بشكل سلبي في الرأي العام الأوروبي أكثر من أي ديكتاتور آخر في أمريكا اللاتينية، فلماذا بينوشيه بالذات؟
أمام عدسات الكاميرات
لقد صدم الانقلاب في تشيلي العالم أكثر مما فعله انقلاب عام 1964 في البرازيل. وتعتقد المؤرخة كارولين موين، أستاذة التاريخ السياسي والثقافي بجامعة فرساي سان كوينتين أون إيفلين في فرنسا، أن ذلك يرجع لأسباب ليس أقلها وجود وسائل الإعلام. وقالت موين في مقابلة مع DW: "هذا الانقلاب لم يحدث في منتصف الليل أو في السر، بل أمام عدسات الكاميرات. كان هناك كثير من الصحفيين، وسرعان ما انتقلت الصور عبر شاشات التلفزة في داخل البلاد وخارجها".
وتتوقع موين أن هذا ربما كان مقصوداً من الانقلابيين: "أراد الجيش أن يرى الناس ما حدث. لم يكونوا يريدون فقط إثارة الرعب في قلوب خصومهم، بل وأيضاً إثارة إعجاب مؤيديهم داخل البلاد وخارجها". وبقيت المشاهد في الذاكرة الجماعية.
وانتشرت صور قصف القصر الرئاسي "لا مونيدا" في أنحاء العالم، وكذلك صورة بينوشيه التي يظهر فيها وهو جالس أمام رجاله مرتدياً الزي العسكري ونظارة داكنة وبوجه خالٍ من التعبير.
بالنسبة لخوان ديل ألكازار، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة فالنسيا، فهو يرمز إلى النقيض التام للرئيس المخلوع، الدكتور سلفادور أليندي. وقال ألكازار لـ DW مسلطاً الضوء على الاختلافات بين الصور الذهنية للرجلين: "إن شخصية الطبيب الودود والحساس، والرجل الجذاب بشكل لا يمكن نكرانه، تتناقض مع الصورة المثيرة للاشمئزاز لرجل مزعج مستبد وطاغ، علاوة على كونه عسكرياً إجرامياً".
الإطاحة برمز يساري
إذا نظرنا إلى الأحداث في تشيلي على خلفية الحرب الباردة، فسنجد أنها صداها تجاوز حدود البلاد. "في ألمانيا الغربية وأوروبا، كان أليندي شخصية رمزية مهمة لأنه كان يمثل الطريق الديمقراطي نحو الاشتراكية؛ لقد كان شخصية رمزية قوية للغاية بالنسبة للعديد من المثقفين اليساريين"، بحسب ما يقول لاسى لاسن، المؤرخ والباحث في جامعة فورتسبورغ الألمانية، الذي أضاف لـDW: "عندما تمت الإطاحة به، وخاصة بهذه الطريقة الوحشية، بقصف قصر الحكومة وانتحاره، أصبح هو (أليندي) منارة مضيئة لليسار في أوروبا الغربية. وجسد بينوشيه صورة العدو".
عندما تنظر كارولين موين إلى ما كانت عليه أوروبا في ذلك الوقت، ترى أن الأوهام قد تحطمت. وتقول: "كانت هناك محاولة، في فرنسا وإيطاليا مثلاً، لتوحيد القوى الشيوعية والاشتراكية". تماماً كما فعل "الاتحاد الشعبي"، وهو تحالف انتخابي للأحزاب التشيلية اليسارية بقيادة أليندي. وما حدث هناك كان نموذجاً للعديد من الأوروبيين، وأحيا آمالاً كبيرة. وتقول موين: "لقد وضع الانقلاب نهاية لهذا المشروع ودمر هذا الأمل". ومع ذلك، سارعت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في تشيلي على وجه الخصوص إلى إطلاق حملة دولية كبرى بعد انقلاب بينوشيه، تضيف موين.
وتقول المؤرخة الفرنسية إن تلك الحملة لم تصور بينوشيه على أنه تجسيد للشر فحسب، بل إنها مجدت خصمه أيضاً، الرئيس المخلوع، وتضيف: "كان أليندي هو من أراد الدفاع عن الديمقراطية في تشيلي ومات من أجلها. وفي أوروبا أيضاً فإن فكرة الأبطال المستعدين للموت من أجل أفكارهم مشحونة بعاطفة جياشة". لم تكن الأحزاب المختلفة داخل "الاتحاد الشعبي" على توافق طوال الوقت، بيد أنها اتفقت جميعها على أن الاتحاد كان ضحية للديكتاتورية؛ ولم يكن هناك أي حديث أمام الرأي العام عن التوترات الداخلية. وساد نوع من الأسطرة".
قمع وحشي
ولكن الأمر الذي لم يصدم فقط اليسار هو مستوى الوحشية في تشيلي من جانب الانقلابيين، على الرغم من القمع الذي شهدته الأنظمة الدكتاتورية الأخرى في المنطقة بطبيعة الحال. ويقول خوان ديل ألكازار: "يتسم هذا الانقلاب العسكري بقسوته ووحشيته الشديدة".
ويعتقد المؤرخ لاسى لاسن أنه في الغرب، ساهم الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في تشيلي والتسييس المتزامن للأوروبيين خلال توترات الحرب الباردة، في أن يكون ذلك الانقلاب في تشيلي حاضراً بشكل خاص في أذهان الناس. ومع ذلك، فوفقاً للباحث بجامعة فورتسبورغ الألمانية "لم تتم إدانة فرانكو ولا بينوشيه مثل هتلر، ولا حتى في بلدهما. إنها عملية معقدة تطول ولا يتم تناولها سياسياً إلا وهي مصحوبة بالسجال".
إميليا روخاس/ ص.ش