انقلاب غينيا.. موجة جديدة للانقلابات في القارة السمراء؟
٦ سبتمبر ٢٠٢١أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية أمس الأحد (الخامس من أيلول/ سبتمبر 2021) اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري وكذلك "حل" مؤسسات الدولة في انقلاب قد ينذر بانتهاء دور أحد مخضرمي السياسة الإفريقية الذي بات معزولا بشكل كبير. بدأ كوندي (83 عاما) ولايته الثالثة في كانون الأول/ديسمبر 2020 رغم طعون من منافسه الرئيسي سيلو دالين ديالو وثلاثة مرشحين آخرين نددوا بـ "حشو الصناديق" وتجاوزات كثيرة مختلفة. أصبح كوندي وهو معارض سابق تاريخيا، عام 2010 أول رئيس ينتخب ديموقراطيا في غينيا بعد عقود من أنظمة سلطوية.
الأمم المتحدة نددت بأي استيلاء على السلطة بالقوة وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) باتخاذ إجراءات عقابية. وقال الاتحاد الأفريقي إنه سيعقد اجتماعا على وجه السرعة وسيتخذ "الإجراءات المناسبة" بينما دعت وزارة الخارجية في نيجيريا، القوة الرئيسية في المنطقة، إلى العودة إلى النظام الدستوري.
من جانبه، لم يتفاجأ أستاذ العلوم السياسية الغيني إبراهيما كين، الباحث في مؤسسة المجتمع المفتوح، بالانقلاب على الرئيس، وخاصة بعد الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد منذ عامين. وقال في مقابلة مع DW: "نعلم جميعا أن غينيا كانت في قلب العاصفة منذ أكثر من عامين، إذا جاز التعبير. مع أزمات لا نهاية لها فيما يتعلق بالانتخابات التي نظمتها البلاد (في أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، وفيما يتعلق بالاستفتاء على دستور جديد، الذي عمل الرئيس بنفسه (من أجل السماح له بالترشح لولاية ثالثة في المنصب لم يكن مسموحًا بها حتى ذلك الحين)، كانت غينيا في أزمة دائمة! كان من الواضح أن شخصا ما سيحاول يوما ما تصحيح الأمور".
أزمة سياسية واقتصادية عميقة في البلاد منذ عامين
منذ أشهر، تشهد هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا وتعد بين الأفقر في العالم رغم مواردها المنجمية والمائية الكبرى، أزمة سياسية واقتصادية عميقة تفاقمت من جراء وباء كوفيد-19. وتسبب ترشح كوندي لولاية ثالثة عام 2020 بتوتر استمر أشهراً وخلّف عشرات القتلى. واعتُقل عشرات المعارضين قبل الانتخابات وبعدها. يذهب الخبير السياسي كين إلى حد القول إنه لا يوجد أحد في السلطة بشكل شرعي في غينيا. ويضيف: "شرعية الدستور التي سمحت لألفا كوندي بولاية ثالثة هي موضع تساؤل. لقد فرض إجراء تلك الانتخابات. والجيش الغيني كان منذ فترة طويلة جيشا يعكس حالة الفوضى في البلاد".
وكانت وزارة الدفاع الغينية قد قالت في بيان إنّ الحرس الرئاسي "صد المتمردين" حين حاولوا اقتحام القصر الرئاسي. لكن السلطات التي كانت قائمة، لزمت منذ ذلك الحين الصمت. من جانبهم، حضّ الانقلابيون "جميع الوحدات (العسكرية) في الداخل على التزام الهدوء وتجنب التحركات نحو كوناكري". وقال ضباط في بيان بثه التلفزيون الوطني إنه سيتم عقد اجتماع لوزراء حكومة كوندي ومسؤولين آخرين كبار اليوم الاثنين في العاصمة كوناكري. وأضافت مجموعة الضباط أنّ "أيّ رفض للحضور، سيُعتبر تمردا" على المجلس الذي شكله الانقلابيون لحكم البلاد.
وقال قائد القوات الخاصة اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا وهو إلى جانب الانقلابيين الذين كانوا يرتدون بزات عسكرية ويحملون السلاح، في فيديو وجه إلى مراسل فرانس برس "لقد قررنا بعد القبض على الرئيس الذي بات حاليا في أيدينا، حل الدستور الساري وحل المؤسسات وقررنا أيضا حل الحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية".
خطر نشوب صراعات مسلحة على السلطة
في حين، يعتقد المحلل السياسي الغيني كابين فوفانا أن هناك مخاطر كبيرة بأن تنشب صراعات على السلطة داخل الجيش نتيجة للانقلاب. وأضاف في مقابلة مع DW: "الخطر كبير. لقد رأينا ذلك في الصباح: كان على الوحدة الانقلابية أن تقاتل ضد الحرس الرئاسي، وهو الحرس التقليدي الذي يحمي رئيس الجمهورية. كان هناك تبادل لإطلاق النار، لذا لا يوجد إجماع على هذا الانقلاب. والسؤال الآن هو كيف سيستمر الوضع في المساء وفي الأيام المقبلة. سيكون بمثابة مواجهة، لأنه مع مثل هذا الاستيلاء على السلطة عادة ما يفوز الشخص الأقوى".
وعلى مدى عشر سنوات من حكم كوندي، شهدت غينيا نموا اقتصاديا مستداما بفضل ثروتها من البوكسيت وخام الحديد والذهب والألماس، لكن قلة من مواطنيها حصدوا ثمار هذا النمو. ويقول منتقدون إن الحكومة لجأت لقوانين جنائية لكبح أي معارضة، بينما تأججت الخصومات السياسية بسبب انقسامات عرقية وفساد مستشر.
وقال أحد سكان كوناكري لرويترز "بينما كان الرئيس يزعم في كل مكان أنه يريد أن يحكم بطريقة مختلفة من خلال اجتثاث الفساد، زاد اختلاس الأموال العامة... كل ذلك جعل الأمر أسهل على الجيش". وزادت الحكومة الضرائب زيادة كبيرة في الأسابيع القليلة الماضية لملء خزائن الدولة، ورفعت سعر الوقود 20 بالمئة ما تسبب في حالة سخط واسعة النطاق.
وبعد الإعلان عن عزل الرئيس نزل مئات من سكان كوناكري لا سيما في الضواحي المعروفة بأنها مؤيدة للمعارضة، إلى الشوارع للترحيب بالعسكريين من القوات الخاصة، كما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس. وقال أحدهم رافضا كشف اسمه "نحن فخورون بقواتنا الخاصة، عار على الشرطة وعار على ميليشيا الرئيس السابق ألفا كوندي، الموت لجلادي وقتلة شبابنا".
وقال ماديو سو وهو سائق "لم أكن لأتخيل أن ألفا كوندي سيترك السلطة في حياتي، لقد أساء إلي كثيرا"، مضيفا "لقد قتل خلال التظاهرات شقيقتي ماريانا، وابن أخي بيسيريو وابن عمي الفاديو، ولم يحظ أي منهم بتعاطف السلطة". وكان يشير إلى القمع الدموي لتظاهرات المعارضة والتعبئة ضد اعتماد دستور جديد في استفتاء عام 2020 والذي استخدمه كوندي للترشح والفوز بولاية ثالثة.
"شهوة حب السلطة"
ويصف أستاذ العلوم السياسية إبراهيما كين، إصرار كوندي على الاستمرا في الحكم بأنه "شهوة حب السلطة" التي عانى منها كوندي. ويضيف "أعتقد أن هذا هو مرض شهوة حب السلطة. عندما تصل السلطة إلى شخص في بلادنا، يصبح لديه الانطباع بأنه أصبح ملكا، وأنه شخص يمكنه فعل كل شيء، ويمكنه أن يقرر كل شيء، وأنه أصبح مركز اهتمام الكون. وأعتقد أن ألفا كوندي سقط في هذه اللعبة. أحاط نفسه بأشخاص جعلوه يعتقد أنه يمثل الألف والياء في الحياة السياسية بغينيا. وأنه بدونه، لن ينجح شيء. ولكن دعونا ننظر إلى الرجل: إنه يبلغ من العمر 83 عاما! عندها نعرف إنه لم يعد يمتلك قوته الكاملة للسيطرة على بلد معقد مثل غينيا".
من جانبه أكد زعيم الانقلابيين "سنعيد صوغ دستور جديد معا، هذه المرة، كل غينيا"، معربا عن أسفه "لسقوط كثير من القتلى بدون جدوى، كثير من الجرحى وكثير من الدموع". لكن الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور، وهي تحالف حركات سياسية وأخرى من المجتمع المدني، نظمت الاحتجاج ضد ولاية ثالثة لكوندي، قالت إنها أخذت علما "باعتقال الديكتاتور" وبتصريحات العسكريين حول الدستور.
الانقلاب الثاني في أفريقيا خلال عام
وكانت مالي التي ترزح تحت وطأة تمرد جهادي دام، قد غرقت في أزمة سياسية العام الماضي أدت إلى انقلاب عسكري في آب/أغسطس 2020 ضد الرئيس المنتخب ابراهيم بوبكر كيتا. وفي أيار/ مايو الماضي، أثار تعديل وزاري غضب الجيش فأطاح بالرئيس المدني الانتقالي وعين مكانه الكولونيل أسيمي غويتا.
لكن قادة مالي يكررون باستمرار تعهدهم الالتزام بجدول زمني مدته 18 شهرا لنقل السلطة للمدنيين، وهو مطلب أساسي لجيران مالي القلقين إزاء الاضطرابات. ويتضمن الجدول الرسمي الدعوة لاستفتاء على تعديلات دستورية في 31 تشرين الأول/أكتوبر القادم، تليه انتخابات إقليمية ومحلية في 26 كانون الأول/ديسمبر تؤدي إلى دورة أولى من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 27 شباط/ فبراير.
لكن تحقيق هذه الروزنامة، الطموحة في أي بلد، يبدو أكثر صعوبة في بلد مثقل بالمشكلات السياسية واللوجستية. ويكرر القادة العسكريون الذين يحكمون مالي تعهدهم تسليم السلطة للمدنيين بعد الانتخابات، لكن مع أقل من ستة أشهر على ذلك الموعد تتزايد الشكوك بشأن احترام هذا الجدول الزمني.
بوب باري، كوسيفي تياسو/زمن البدري