انطباعات عربية عن مدينة هامبورغ ذات الوجوه المتعددة
١٢ نوفمبر ٢٠٠٧كمعظم مدن ألمانيا الأخرى تتصف هامبورغ بالطبيعة الخضراء. ويبدو أن هذا ما يدهش تلك العجوز السبعينية، التي تحدق في حديقة كبيرة على أطراف النهر تكثر فيها أشجار الكينيا وأنواع أخرى نجهل أسماؤها لعدم انتشارها في بلادنا العربية. ومن الواضح أن المرأة العجوز ليست من سكان المدينة، فهي تندهش مثلنا بمنظر الحديقة الخلاب. أقترب منها وأسألها عن سبب اندهاشها من مشهد مألوف في كثير ولايات ألمانيا. تجيب العجوز: "إنني من أمستردام وفي بلادنا يغلب الماء على العشب".
فينيسيا الشمال
وليست الخضرة وحدها ما يميز المدينة، فهامبورغ تسمى "فينيسيا الشمال"، لاشتهارها بكثرة قنواتها المائية وجسورها، ففيها حوالي 2500 جسرا للسيارات والقطارات والمشاة، وهي تعد بذلك أكثر مدن أوروبا في عدد الجسور، مقارنة مع أمستردام بـ 1200 جسرا وفينيسيا بما يزيد عن 400.
لا تقع هامبورغ الرائعة على البحر مباشرة، وإنما على نهر الإلبه الواسع نسبيا والصالح للملاحة، والذي يربطها ببحر الشمال. والمدينة هي ثاني أكبر مدن جمهورية ألمانيا الاتحادية وسادس أكبر مدن الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان وفيها أكبر موانئ ألمانيا. تحمل هامبورغ، التي تعد أحدى ولايات ألمانيا الستة عشر، اسماً رسمياً مستنبط من تاريخها. فأسمها الرسمي هو "مدينة هامبورغ الحرة الهانزية"، إذ كانت إحدى مدن الاتحاد الهانزي، الذي أسسه التجار خلال العصور الوسطى.
مدينة الحب والدبلوماسية
لوهلة تظن أن السماء التي تغطي هامبورغ تفاضل عليها بشمس ساطعة طوال النهار، وما هي إلا لحظات حتى ترى الشمس قد قررت أن تحتجب خلف غيوم صغيرة. ومع ذلك تبقى المدينة جميلة بشمسها وبدونها. في هامبورغ كثير من الورود على شرفات المنازل. وعلى شرفة صغيرة مسيجة بحديد ذهبي تجلس فتاة مراهقة مع صديقها. يبدو أن الجلسة اللطيفة تجعل الاثنين يضحكان مطولاً ويوحيان كأنك جار قريب.
وتوجد في هامبورغ كذلك الكثير من البيوت التراثية القديمة، التي تتميز بأرضياتها الخشبية وأبوابها الضخمة السميكة. وهذا لا يمنع من أن علامات الحداثة انطبعت على بعض المباني الجديدة، التي شيدت بعد الحرب العالمية الثانية. فالمدينة كانت من أكثر المدن الألمانية تضرراً بسبب الحرب بعد العاصمة برلين، ولكنها ككل ألمانيا عادت إلى الحياة. وعادت إليها أيضا الحركة الدبلوماسية، إذ أن قرابة 90 قنصلية أجنبية تتخذ من هامبورغ مقراً لها، لتكون بذلك ثالث أكثر مدينة عالمية من حيث عدد القنصليات الموجودة فيها بعد نيويورك وهونغ كونغ.
سوق السمك "الأسطورة"
قد يحالفك الحظ إذا ما قررت الغيوم أن تنحجب عن وجه الشمس، ويبدو أن الغيوم أرادت أن تبتعد جانبا. دفئ غريب يلف المدينة فيسبق السكان السياح إلى المقاهي والمطاعم والمنتزهات وتمتلئ الأحياء فجأة بالبشر المبتهجين. كما تتعالى القهقهات في كل مكان، كما لو كان السكان قرروا أن يعيشوا فرحا جماعيا.
هنا في شارع ريبربان تقام الحفلات المفتوحة أيام الأحد، وهي من أهم مميزات المدينة، إذ يشارك فيها أكثر من 100 ألف شخص. وهنا أيضا سوق السمك الشهير، الذي تتجول فيه وتشعر أنه لا ينتهي لذا يسميه البعض "الأسطورة". ويقام صباح كل أحد على ضفاف نهر الإلبه.
مقر "خلية هامبورغ" ما زال هناك
العرب أيضا لم يغيبوا عن المدينة وكذلك المساجد. وفي "مسجد المهاجرين- الرابطة الإسلامية في هامبورغ" يكثر المصلون، أحدهم الشاب المغربي فيصل الذي يقول إنه "يقصد المسجد ليؤدي واجبا مفروضا، بالإضافة إلى أن المسجد هو مكان للقاء أصدقاء ملتزمين ويخافون الله". ولا ينسى فيصل السنوات الأولى التي تلت تفجيرات 11 أيلول 2001. منذ ذلك التاريخ وبعد اكتشاف أن هذا المسجد شكل مكاناً لتجمع "خلية هامبورغ" أو ما عرف بـ "خلية محمد عطا"، التي اتهمت بتنظيم الهجمات الإرهابية، اختلفت النظرة إلى الإسلام في هامبورغ. وأصبح كل ما يطلق ذقنه "مشبوها" بنظر الآخر. ولكن برأي فادي صديق فيصل فإن هذا تعميم، إذ أصبح عدد كبير من الألمان على اطلاع على الإسلام بعد هذه الأحداث وصار بإمكانهم التمييز بين "مسلم مسالم وآخر إرهابي".