انسحاب روسيا- هل ينقذ مباحثات السلام؟
١٥ مارس ٢٠١٦إعلان
انطلقت أمس محادثات جنيف للسلام وسط مناخ تشاؤم بشأن التوصل إلى تقارب بين الأطراف لإنهاء الصراع الدامي الذي دخل عامه الخامس في سوريا، وذلك بسبب التناقض الكبير في مواقف الأطراف المعنية بخصوص بقاء بشار الأسد في السلطة. وتختلف الحكومة والمعارضة حول رؤيتهما للمرحلة الانتقالية، ففي حين تتحدث دمشق عن حكومة وحدة وطنية موسعة تضم أطيافا من المعارضة، تريد المعارضة هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية بدون أن يكون للأسد فيها أي دور. وبعد ساعات من بدء الجولة الجديدة من المفاوضات بين الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية في جنيف، جاء قرار موسكو المفاجئ بسحب قواتها بشكل جزئي من سوريا، ليغادر أول سرب من الطائرات العسكرية الروسية اليوم الثلاثاء سوريا، غداة إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب القسم الأكبر من قواته منها، بعد أسبوعين من بدء وقف إطلاق النار. الدول الغربية تأمل في أن ينعكس ذلك ايجابا على مفاوضات جنيف.
القرار الروسي هيمن على محادثات السلام واختلفت التكهنات حول أسباب وخلفيات هذا القرار بين من اعتبره إشارة رمزية إيجابية من موسكو على أنها تدعم الحل السياسي للأزمة وبين من اعتبره نتيجة للخلافات مع النظام السوري.
رسالة موجهة لمعارضي روسيا
وفي أبرز ردود الفعل على القرار الروسي، اعتبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا الانسحاب الجزئي للقوات الروسية "تطورا مهما" وأعرب عن الأمل في أن يكون له "تاثير ايجابي" على مفاوضات السلام في جنيف. وبالمثل رحبت فرنسا بالقرار وإن كان ذلك بحذر. محققو الأمم المتحدة نوهوا بـ"التراجع الملحوظ" للعنف، وقال باولو بينيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية التابعة للامم المتحدة الخاصة بسوريا في جنيف "الآن، للمرة الأولى، هناك امل بالتوصل الى نهاية للنزاع" .
واعتبرت بعض الفصائل المعارضة المقاتلة في سوريا قرار روسيا هزيمة روسية ونكسة للنظام السوري "الذي لن يستطيع الاستمرار لوحده".
وعن سبب اختيار هذا التوقيت لإعلان موسكو عن قرار مفاجئ كهذا. يقول د. مسلم شعيتو الخبير في الشأن الروسي ورئيس المركز الثقافي الروسي-العربي، إن القرار يأتي في سياق العملية السياسية العسكرية الروسية في سوريا، إذ سبق للروس أن أعلنوا أن قواتهم ستبقى لمدة معينة وستنسحب حالما تحققت أهدافها الرئيسية وهي "منع التدخل التركي في سوريا بالمال والمساعدات والمقاتلين على الحدود بين البلدين . إن ذلك توقف بشكل كبير منذ التدخل الروسي".
ويضيف الخبير في مقابلة مع DW عربية إن روسيا تريد أن توضح بهذا القرار: "نحن تدخلنا فقط لمحاربة الجماعات الإرهابية ومنع التدخل التركي والآن ننسحب". ويقول شعيتو إن تزامن توقيت هذا الانسحاب مع بدء جولة جديدة من مفاوضات السلام حول سوريا في جنيف يحمل رسالة تريد روسيا توجيهها خاصة للدول والأطراف التي تتهمها بأنها العقبة الكبرى أمام إيجاد حل للتزاع السوري.
وكان الوضع السوري قد ازداد تعقيدا مع دخول روسيا على الخط في الحرب، ومن خلال دعمها لقوات النظام السوري وسط اتهامات دولية لها باستهداف المعارضة السورية المعتدلة. وهو ما نفته روسيا مؤكدة محاربتها للجماعات الإرهابية فقط.
ولقي طيارو المقاتلات الروسية العائدون استقبالا حاشدا في قاعدة عسكرية جنوب غرب روسيا، حيث استقبلهم المئات بباقات الورد ودعاية إعلامية كبيرة. كما اعتبرت الصحف الروسية الثلاثاء أن إعلان الانسحاب يتيح لموسكو تقديم تدخلها في سوريا بمثابة "انتصار سياسي"، كونها أعطت أولوية للتسوية السياسية بدل الغرق في النزاع.
ما مدى تأثير الانسحاب على مفاوضات جنيف؟
لكن في الوقت الذي تحاول فيه روسيا تسويق هذا الانسحاب على أنه انتصار سياسي ودليل على دعمها للحل السياسي، يتحدث البعض عن وجود خلافات بين موسكو والنظام السوري. الكاتب الصحفي الروسي يفغيني سيدروف ذكر في تصريحات صحفية أن أهم أسباب انسحاب القوات الروسية من سوريا هو الخلاف بين موسكو ودمشق حول العملية السلمية لإنهاء الحرب في سوريا، حيث إن هناك تحديدا رغبة الأسد في مواصلة الحرب وهو ما تعارضه موسكو، مع وجود اتفاق روسي أمريكي حول وقف الحرب والبدء بتسوية شاملة. ويضيف الكاتب الروسي أن النفقات المالية التي تتكبدها روسيا من مشاركتها في الحرب في سوريا لعبت أيضا دورا في اتخاذ هذا القرار.
وعما إذا كان هذا القرار سيؤثر على محادثات السلام في جنيف التي تنعقد وسط تناقض كبير في مواقف الأطراف المعنية، يقول ميشائيل لودرز، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط في حوار مع DW إن هذا القرار لا يعني تغيير الكثير على الأرض لأن روسيا ستحتفظ بقاعدتين في روسيا، إحداهما جوية والثانية بحرية. إذن الدعم العسكري للنظام سيبقى وهذا النظام حقق مكاسب ميدانية كبيرة في الأسابيع الماضية على حساب المسلحين الإسلاميين، وهو ما عزز موقفه كثيرا". ويضيف الخبير الألماني أن التوقيت الذي اختاره بوتين لقراره "ممتاز وخطوة ذكية، لأنه صنع المفاجأة في بداية محادثات جنيف.
ويبدو أن بوتين لا يريد أن يقع في الفخ الذي وقع فيه العديد ممن تدخلوا في حروب وأفلتوا فرصة الخروج منها في الوقت المناسب، فتورطوا بعدها في حروب كبدتهم خسائركبيرة مثل حرب فييتنام أو حرب العراق".
الإنسحاب - خطوة رمزية؟
باعتقاد الخبير لودرز فإن محادثات السلام غير معنية مباشرة بهذا الانسحاب ، باعتبار أنها مجرد "خطوة رمزية" من قبل بوتين رغم أهميتها. "يجب ألا ننسى أن هناك أكثر من مجموعة تقاتل في الحرب الأهلية السورية، بالإضافة إلى الحرب بالوكالة التي تشارك فيها دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وتركيا والسعودية. وكلها تريد كلها إسقاط نظام بشار الأسد، وهي أيضا منزعجة لأنها تدرك أن إسقاط الأسد لم يعد ممكنا بسبب موقفه القوي ووجود فئات عريضة من المجتمع في سوريا مؤيدة له، خاصة الأقليات الدينية المتخوفة من تنظيم داعش. ويتوقع الخبير الألماني أن الحرب السورية ستدوم طويلا بسبب وجود أطراف كثيرة متداخلة تسعى كل منها إلى فرض تصوراتها ومصالحها.
إعلان