انسحاب بلا شروط.. هل ستترك أمريكا أفغانستان لحركة طالبان؟
١٥ أبريل ٢٠٢١بعد نحو عقدين من تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان وإسقاط نظام حكم حركة طالبان، قررت واشنطن سحب قواتها هناك في موعد أقصاه الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول . وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الوقت قد حان "لوضع حد لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة" في تاريخها. وقال الرئيس الأمريكي "القوات الأمريكية وكذلك القوات التي ينشرها حلفاؤنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وشركاؤنا في العمليات ستكون
خارج أفغانستان قبل أن نحيي الذكرى العشرين لهذا الهجوم الشنيع في 11 (أيلول) سبتمبر". ونفس الخطوة أعلنتها الدول الأعضاء في حلف الناتو.
وصرح مسؤول أمريكي بأن الانسحاب سيكون غير مشروط، وقال "الرئيس يعتبر أن مقاربة مشروطة كما كانت الحال عليه في العقدين الماضيين، كانت سببا للبقاء في أفغانستان إلى الأبد".
ألمانيا أيضا ستسحب قواتها من أفغانستان مع انسحاب القوات الأمريكية، حسب وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور التي قالت في مقابلة مع القناة الألمانية الأولى (ARD) قبيل اجتماع لوزراء الدفاع والخارجية للدول الأعضاء في الحلف الأطلسي "قلنا دائما: ندخل معا (مع الأمريكيين) ونخرج معا". وأضافت "أنا مع انسحاب منظم، لذلك أفترض أننا سنقرر ذلك اليوم (الأربعاء 14 ابريل/ نيسان 2021)".
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد اتفقت مع حركة طالبان على الانسحاب حتى الأول من مايو/ أيار المقبل، لكن إدارة الرئيس بايدن أجلت الانسحاب أربعة أشهر.
تأجيل استحقاق الأول من مايو/ أيار أثار غضب حركة طالبان. وكتب الناطق باسمها في قطر محمد نعيم في تغريدة "إلى أن تنسحب كل القوات الأجنبية من بلادنا، لن نشارك في أي مؤتمر قد تتّخذ خلاله قرارات بشأن أفغانستان"
وذلك بعد إعلان تركيا عن محادثات سلام "رفيعة المستوى" من 24 نيسان/أبريل وحتى 4 أيار/مايو في اسطنبول.
هل انتصرت حركة طالبان؟
إعلان الرئيس بايدن الانسحاب من دون شروط، قد أثار استغراب ودهشة الكثير من المراقبين، الذين اعتقدوا أنه سيخالف سياسات ترامب، التي يعتقد مراقبون أنها شجعت حركة طالبان. فقد تصاعدت الهجمات في أفغانستان منذ توقيع الولايات المتحدة اتفاقا في شباط/ فبراير عام 2020 في العاصمة القطرية الدوحة مع حركة طالبان التي تنفي مسؤوليتها عن هذه الهجمات، لكن رفضها الموافقة على وقف إطلاق نار يشمل كل البلاد يثير الشكوك حول نواياها، سيما وأنها ترفض حضور مؤتمر إسطنبول أيضا، والذي سيكون لقرار الانسحاب تأثير على مقرراته، إذ أن "سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بدون شروط يمكن أن يكون له تأثير كبير على مؤتمر السلام في إسطنبول"، كما يقول الخبير الأمني الأفغاني في كابول شفيق همدام، ويضيف لـ DW بأنه إذا عقد المؤتمر بدون حضور طالبان ونجح في تشكيل حكومة أفغانية جديدة، فإن تأثير الانسحاب سيكون ضئيلا، لكن "إذا فشل المؤتمر، أخشى أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية جديدة".
كما أن سحب القوات الأمريكية سيترك الرئيس الأفغاني أشرف غني وحكومته المنتخبة، تحت رحمة الميليشيات. وخلص تقرير للمخابرات الأمريكية إلى أن الحكومة الأفغانية "ستكافح" للوقوف على قدميها في مواجهة حركة طالبان "الواثقة من نفسها". ويضيف التقرير بأن "حركة طالبان واثقة من قدرتها على تحقيق النصر عسكريا". كما جاء في تقرير المخابرات الأمريكية أن "القوات الأفغانية مستمرة في تأمين المدن والمقار الحكومية. وهي مستمرة في مهام دفاعية وتكافح من أجل الاحتفاظ بالمناطق التي تمت استعادتها أو العودة إليها عام 2020".
ويقول الخبير الأمني همدام إن "الجيش الأفغاني يعتمد ماليا وعسكريا على الولايات المتحدة، وبدونها سيكون في موقف صعب".
وحركة طالبان ليست الجهة الوحيدة التي تهدد القوات الأفغانية، حيث هناك ميليشيات ومجموعات أخرى تهددها مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحذرت النائبة في البرلمان الأفغاني، ريحانة آزاد في حوار مع DW من خطر تلك المجموعات، وقالت "حركة طالبان الآن أقوى من السابق. تنظيم داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى وجدت موطئ قدم لها. لذلك فإن الانسحاب المتسرع واللامسوؤل ستكون عواقبه خطيرة ليس على أفغانستان وإنما على كل المنطقة والعالم".
لا مبرر للحرب
هناك قلق كبير حول المكاسب التي تحققت خلال العقدين الماضيين، وخاصة ما يتعلق بحقوق المرأة التي يمكن أن تصبح في مهب الريح مع إطلاق حركة طالبان العنان للعنف، وليس واضحا فيما إذا كانت ستوافق على احترام وضمان حقوق الإنسان وحرية التعبير في أفغانستان. وفي هذا السياق عبرت النائبة ريحانة آزاد عن قلقها لـ DW بالقول "قدمت الولايات المتحدة الكثير من التنازلات لطالبان، والشعب الأفغاني سيدفع ثمن ذلك. إن الناس محبطون ولديهم شعور بأن المجتمع الدولي قد تخلى عنهم".
لكن في المقابل هناك مراقبون يرون أن إعلان الانسحاب قد يضع طالبان في موقف صعب، فـ"بإعلان الولايات المتحدة انسحابها غير المشروط، استجابت لمطلب حركة طالبان الرئيسي. والآن يتوقع العالم أن تشارك الحركة في العملية السياسية. فلا مبرر للاستمرار في الحرب"، يقول أسد الله نديم، الخبير العسكري الأفغاني في كابول لـ DW.
دور باكستان أساسي!
انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يفسح المجال لقوى إقليمية تتطلع للعب دور أكبر، دول مثل الهند وباكستان والصين وروسيا لها مصالحها الاستراتيجية الخاصة، والتي تستطيع رعايتها وتحقيقها بشكل أفضل مع غياب الولايات المتحدة من أفغانستان.
وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، الذي التقى نظيره الألماني، هايكو ماس في برلين مؤخرا، صرح لـ DW بأن باكستان ستبقى لاعبا مهما في عملية السلام. وقال الوزير الباكستاني إن بلاده "ستستفيد من السلام في أفغانستان، ستنمو التجارة مع كابول كما يمكن إنجاز العديد من المشاريع الإنمائية".
وكانت باكستان قلقة من تنامي نفوذ منافستها الهند في أفغانستان منذ تدخل الولايات المتحدة. ويقول خبراء، إن اتفاق الولايات المتحدة وطالبان لعام 2020 لم يكن التوصل إليه ممكنا بدون دعم باكستان، حيث لها نفوذ كبير على حركة طالبان، ولعبت دورا محوريا في جلب المتمردين إلى طاولة المفاوضات.
وتريد باكستان أن يكون لحركة طالبان دورا كبيرا في حكم أفغانستان مستقبلا، حيث يخدم ذلك مصالحها بشكل أفضل، لكنه لا يضمن السلام في البلاد.
شمس شامل- سيف الله مسعود/ ع.ج