انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة رغم ستين سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
٩ ديسمبر ٢٠٠٨في العاشر من كانون الأول / ديسمبر عام 1948م أقرت هيئة الأمم المتحدة وثيقة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، هذه الوثيقة التي جاءت رداً منطقياً على كابوس التعذيب الذي مارسته بعض الأنظمة الشمولية في القرن العشرين، مثل النظام النازي، فظائع الحرب العالمية الثانية وجرائم الإبادة التي تعرض لها اليهود في أوروبا، وغيرها من الجرائم بحق الإنسانية.
هذه الوثيقة العالمية التي اتفقت عليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وجاء إعلانها في اجتماع المنظمة الدولية في باريس، شكلت نقطة تحول جذرية في حياة البشرية. فهذه هي المرة الأولى التي تتفق فيها جميع الدول على صياغة نظام قيم عالمي موحد ينطبق على جميع البشر دون تميز. وقد نصت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء".
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق
ويتضمن ميثاق الإعلان العالمي الذي ترجم إلى 360 لغة - ليكون بذلك أكثر الوثائق ترجمة في العالم-، 30 بنداً، التأكيد على الحقوق والحريات الأساسية للإنسان؛ كالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعتبر نصوص هذه الإعلان ليست ملزمة من الناحية القانونية، لكنها أضحت في الغالب تدخل ضمن مايعرف بالقانون الدولي العرفي.
لكن يظل السؤال الأهم هو عن مدى التزام الحكومات بتطبيق هذه البنود في الواقع العملي. في هذا السياق يقول هاينه بيلفيلد، مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان، إنه لا تزال "انتهاكات حقوق الإنسان موجودة في العالم كما كان عليه الوضع في السابق، فالعالم لم يصبح أفضل مما كان عليه وكذلك وضع الإنسانية"، لكن الخبير الألماني يستدرك بالقول إن إمكانيات معالجة انتهاكات حقوق لإنسان من الناحية السياسية تحسنت بشكل كبير جدا. وتتوفر هذه الإمكانية من خلال إتفاقات حقوق الإنسان التي أبرمت على ضوء ألإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أن الكثير من الهيئات والمنظمات قد قامت لهذا الغرض، لاسيما في إطار الأمم المتحد.
دور مهم لمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان
كان للمنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان دورا مهماَ ً في نجاح تطبيق ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،وذلك من خلال التوعية بهذه الحقوق وبضرورة وأهمية صيانتها. وشكل المؤتمر الأممي لحقوق الإنسان الذي عقد، في إطار الأمم المتحدة، في فيينا عام 1993 نقطة انطلاق أساسية إضافية على صعيد إضفاء الجانب المؤسساتي على حقوق الإنسان، حيث أدرجت هذه المهمة ضمن عمل هيئة الأمم المتحدة. في هذا الصدد يقول موثون كجيروم، مدير الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية، ومقرها العاصمة لنمساوية، إنه حتى عام عم 1990 "كان لدينا فقط خمس منظمات وطنية تعمل في مجال حقوق الإنسان في العالم، وحالياً لدينا أكثر من 100 منظمة. وتوجد مقرات معظم هذه المنظمات خارج أوروبا، حسب المسؤول الأوروبي، الذي يقدر أن حوالي عشر من هذه المننظمات لها مقرات في أوروبا، لكنها تمارس عملها في إفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية.
في هذا الصد يقول بيلفيلد إنه لا يمكننا الاستهانة بدور مؤسسات المجتمع المدني كمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايت ووتش، فهذه المؤسسات تسعى جاهدة لمكافحة الظلم في العالم".
تراجع حقوق الإنسان في ظل "الحرب على الإرهاب"
ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة، بدأت الكثير من حقوق الإنسان المعترف بها بالتراجع. فقد أقدمت مثلا الولايات المتحدة على حرب العراق دون تفويض من مجلس الأمن ورغم إرادة غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وكذلك تراجعت بعض الدول عن التحريم المطلق للتعذيب، وأخذت أخرى تتجاهل حظر إرسال الأشخاص إلى دول تمارس التعذيب. علاوة على ذلك فإن التعذيب من خلال قوانين وتشريعات سنت تحت مظلة "الحرب على الإرهاب"، وما رافق من انتهاكات للحقوق الفردية، وطريقة تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع النازحين وطالبي اللجوء، وغيرها، كلها أمور تؤكد على أن العالم أبعد ما يكون عن تحقيق أهداف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا ما يراه بيلفيلد. في هذا السياق يقول بيلفيلد :" لا يمكن لأحد أن ينكر ضرورة محاربة الإرهاب، بحكم الواقع الذي نعيشه بعد أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر، ولكن كما قال وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر، إنه لا يمكن لمحاربة الإرهاب أن تكون الفاتورة التي يتوجب دفعها على حساب حقوق الإنسان.