انتقام أم تطبيق للقانون ـ الإدارة الكردية وأسرى "داعش"
١٧ مايو ٢٠١٥جلس خلف مكتبه ليفتح إحدى الأضابير التي أمامه. بدأ "القاضي هفال"، (هكذا قدم نفسه) وهو أحد "قضاة محكمة الإرهاب" التابعة للإدارة الذاتية التي أسسها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، بقراءة ملف الدعوى. فالمتهم فيها ألقي القبض عليه "بالجرم المشهود"، كما يقول المسؤولون عن اعتقاله. وحسب روايتهم كان المتهم يعد لتفجير عبوة ناسفة في إحدى الأسواق المحلية في مدينة ديريك ذات الأغلبية الكردية بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا.
وحسب "القاضي هفال" فإن المتهم "اعترف أنه "عضو في تنظيم الدولة الإسلامية" أو ما يسمى إعلاميا بـ "داعش". واستغرقت محاكمته قرابة ستة أشهر وحكم عليه بالسجن مدة سبع سنوات من تاريخ توقيفه. وسيقضي المتهم مدة سجنه في السجن المركزي التابع لمقاطعة الجزيرة، إحدى الكانتونات الكردية الثلاث المعلن عنها من طرف واحد من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه فرع حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) في سوريا.
"محكمة الإرهاب"
وبعد توسيع رقعة الاشتباكات العسكرية في شمال شرق سوريا، بين المقاتلات والمقاتلين الأكراد المنضوين تحت ما يعرف بـ "وحدات حماية الشعب والمرأة الكردية" التابعة لحزب (PYD)، وتنظيم "داعش"، سقط الكثيرون من مقاتلي الأخير وعناصره أسرى في يد المقاتلين الأكراد. ولمعالجة ملف هؤلاء الأسرى قام مسؤولو الإدارة الذاتية الكردية، بإحداث محاكم خاصة لمقاضاتهم.
وتدعى إحدى هذه المحاكم "محكمة الإرهاب". مدخل المبنى علقت عليه صورة كبيرة للمئات من ضحايا المقاتلين الأكراد الذين سقطوا في المعارك الدائرة مع تنظيم "داعش". المبنى مؤلف من طابقين، كل طابق قسم إلى دوائر وغرف المحكمة. غرفة للديوان وثانية للتحقيق وقاعة المحكمة. منصة مرتفعة قليلاً يجلس عليها ثلاثة "قضاة" عينتهم الإدارة الكردية حسب معاييرها وحددت لكل منهم مهمة خاصة به. عدد قليل من مقاعد الجلوس وضعت في القاعة، وغاب عنها قفص السجن أو غرفة خاصة لوضع الموقوفين.
ولدى حديثه مع DW عربية وفي رده على سؤال حول القوانين المعمول بها في المحكمة، شرح "القاضي هفال" ذلك بالقول: "اعتمدنا على القوانين الدولية الخاصة بقضايا الإرهاب، وقمنا بدراسة نماذج الدول المتقدمة التي أقرت محاكم الإرهاب". وعن القضايا التي تتعلق بمعاملة السجناء وأسرى الحرب وكيفية التعاطي معهم، أضاف "مرجعية المحكمة والسجن قوانين حقوق الإنسان ومواثيقها".
من جانبه، اعتبر سنحريب برصوم، رئيس هيئة حقوق الإنسان في مقاطعة الجزيرة، وهي هيئة رسمية تابعة للإدارة الذاتية الكردية، تأسيس محكمة خاصة بالإرهاب بـ "الضرورة المرحلية". وأشار في لقائه مع DW عربية أنه "قبل تأسيس المحكمة، تم إصدار قانون خاص بالإرهاب وأقر من الهيئة التنفيذية (حكومة محلية) بعد مصادقته من المجلس التشريعي". بقي أن نشير إلى أن هذه الهيئات تشكلت أو انتخبت من طرف سلطة الأمر الواقع في المنطقة، وهي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والمكونات المتحالفة معه.
"أحكام غير قابلة للطعن"
بحسب "القاضي هفال"، فإنه تم تكليف هيئة من قضاة متخصصين وخبراء قانونيين بكتابة نص المحكمة والآليات التنفيذية، بيد أن للمحامي محمد خليل، رئيس مجلس أمناء منظمة المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (DAD) رأيا آخر. ويقول المحامي خليل إنهم كمنظمة حقوقية لم يطلعوا على قانون الإرهاب ولم يسمح لهم بمراقبة جلسات المحكمة. وأكد خليل لـ DW عربية أن: "الأصل في الأشياء هي الإباحة، إلا إذا منع بنص قانوني، ولكن قانون الإرهاب لم ينشر في الصحف والوسائل الرسمية"، المتوفرة بالمنطقة.
ويقول "القاضي هفال" أنه يمنع وضع "طماشة"(عصابة) على عيني السجين أثناء التحقيق وتقييد يديه من الخلف أثناء الاستجواب. ويضيف قائلا: "قبل النطق بالحكم يجلب السجين إلى مقر المحكمة ليحضر الحكم ويحق لأهله زيارته قبل موعد الجلسة. ويعترف بأن أحكام محكمته غير قابلة للطعن و"مدة التوقيف مبرمة". والأحكام تبدأ عنده من ستة أشهر وتنتهي بالمؤبد لأن "المحكمة ألغت عقوبة الإعدام، والأشغال الشاقة".
وحسب زعمه فإنه "يمنع استخدام العنف والتعذيب الجسدي والنفسي أثناء التحقيق وفي السجن". وحتى عقوبة الحبس الانفرادي "أصدرنا قرارا على ألا تتجاوز مدتها أسبوعا"، يقول "القاضي هفال".
وكشف المحامي محمد خليل أن منظمته خاطبت الهيئة التنفيذية في مقاطعة الجزيرة وأرسلت كتابا رسميا إلى هيئة حقوق الإنسان (التابعة لها أيضا) لإجراء جولات ميدانية على سجون المقاطعة، والاطلاع على وضع السجناء لكنه لم يلق تجاوبا. فالهيئة "لم ترفض الطلب بشكل مباشر، ولكنها لم تقبله في الوقت نفسه". وعن حضور المنظمة في دوائر محكمة الإرهاب أكد خليل أنهم "سمحوا للمحامين بشكل شخصي بالترافع عن الدعاوى التي تنظر أمام المحكمة، ولكن كمنظمة حقوقية لا يسمح لنا ممارسة عملنا".
أغلب الموقوفين من أبناء المنطقة
وبحسب قضاة المحكمة وإدارة السجن، فإن أغلب الموقوفين والمحكومين سوريون من أبناء المنطقة، حيث يتم التعرف عليهم من خلال لهجتهم، إضافة إلى سجناء أجانب من دول عربية وغربية. وطلب "مدير السجن المركزي" (المعين من الإدارة الكردية) من DW عربية عدم الافصاح عن اسمه أو هويته "لأسباب أمنية"، واصفا معاملة السجناء بـ "الإنسانية". ويقول إن السجن "يقدم ثلاث وجبات طعام في اليوم، ووجبة لحم مرة في الأسبوع، وكذلك الفاكهة، والحلويات مرتين في الشهر".
وتقول هيئة حقوق الإنسان التابعة للإدارة الذاتية الكردية إنها تعين محامين على نفقتها الخاصة للدفاع عن المحالين إلى محكمة الإرهاب. ويكشف سنحريب برصوم رئيس الهيئة أن هيئته "تقوم بشكل دوري بزيارة السجن المركزي، وتتفقد أوضاع السجناء وتتحدث إليهم لمعرفة أوضاعهم وسماع شكاويهم". ويضيف برصوم "نهتم بتقديم الرعاية الصحية المناسبة لهم"، مشيرا إلى أن الإدارة الكردية تسعى إلى تحويل السجن إلى مركز إصلاحي تأهيلي.
فبعد إصدار قرار التوقيف من المحكمة المختصة، يبلغ ذوو السجين في حال كانوا داخل سوريا، ويحق للأهل من الدرجة الأولى زيارته في الأسبوع مرة واحدة. وأكد مدير السجن "يوضع السجناء المتهمون بقضايا الإرهاب، في مهجع خاص بهم"، ويمنع التحدث إلى نزلاء السجن أو "إهانتهم أو النظر إليهم بشكل استفزازي"، حسب مدير السجن الذي لم ينف وجود بعض عناصر السجن ممكن يخرقون هذه القوانين.
كمال شيخو ـ القامشلي (شمال شرق سوريا)