انتعاش الاقتصاد الألماني يحرك الاقتصاد الأوروبي والدولي
١٠ أغسطس ٢٠١٠فيما لا تزال العديد من الدول الأوربية تعاني من تداعيات الأزمتين المالية والاقتصادية منذ ثلاثة أعوام، أظهر الاقتصاد الألماني خلال الأشهر الماضية استثناءً فريداً لم يكن يتوقعه أكثر رجال الأعمال والخبراء والمحللين تفاؤلاً. وبعد استمرار "أعجوبة فرص العمل" منذ أواخر السنة الماضية، وتراجع البطالة في البلاد إلى حدود الثلاثة ملايين شخص بعدما كان يخشى من ارتفاعها إلى ما فوق 3,5 مليون، بدأت تظهر في الفترة الأخيرة مؤشرات تدل على النمو والتحسن في كثير من القطاعات الاقتصادية، ما دفع الخبراء إلى القول بأن الاقتصاد الألماني بدأ يلعب دور محرك النمو ليس في أوروبا فقط، بل وفي العالم أيضاً، حسبما نقلته الصحيفة الاقتصادية الألمانية "فاينانشل تايمز دويتشلاند" عن كبير خبراء مصرف "ديكا بنك" أولريش كاتر.
والفضل في ذلك يعود إلى دورة الواردات والصادرات المتصاعدة التي يشهدها الاقتصاد الألماني منذ الربع الثاني من العام الجاري، الأمر الذي يساعد العديد من الدول على تحريك إنتاجها الراكد تقريباً من خلال قيام الشركات الألمانية بشراء المواد الأولية أو النصف مصنّعة منها.
التصدير محرك عجلة الاقتصاد الألماني
واستنادا إلى البيانات الصادرة عن المؤسسات الرسمية والخاصة وعن معاهد البحوث والاستطلاعات الجارية في مختلف قطاعات الاقتصاد يُبدي كثير من الخبراء الاقتصاديين الألمان والأجانب تفاؤلاً متزايداً حيال قدرة الاقتصاد الألماني على تجاوز محنته بأفضل مما كان عليه. فقد أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن مؤخراً أن قيمة الصادرات الألمانية في شهر حزيران/يونيو الماضي بلغت 86,5 مليار يورو، أي ما يعادل مستوى ما قبل الأزمة العالمية؛ فيما بلغت قيمة الواردات 72,4 مليار يورو، وهو أعلى رقم يسجل منذ عام 1950.
وفيما قال رئيس اتحاد التجارة الخارجية وتجارة الجملة أنطون بورنر إن التحسن في كلا الاتجاهين "فاق كل التوقعات" ذكرت وزارة الاقتصاد الألمانية بأن "ألمانيا الآن هي محرك النمو ليس داخلياً فقط، بل وفي كل أوروبا". وقال الوزير راينر برودرله إن اقتصاد بلاده "يستعيد حالياً قوته السابقة أكثر فأكثر".
وإلى جانب تزايد الطلب من الخارج والداخل على الشركات والمؤسسات الصناعية في البلاد أعلن اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية أن استطلاعاً أجراه مؤخراً شمل 20 ألف شركة متوسطة وصغيرة أفاد بأن 86% منها، والتي تشغّل أكثر من 500 شخص، عازمة على توفير فرص عمل جديدة لنحو 100 ألف شخص حتى نهاية العام الجاري.
وقال رئيس الاتحاد هانس هاينريش دريفتمان إن الاستطلاع ذاته الذي أجري العام الماضي أظهر أن غالبية الشركات كانت تفكر في صرف قسم من عمالها وموظفيها. وأمام الانتعاش الاقتصادي الحاصل بدأت شركات عديدة، خاصة في قطاع الالكترونيات، تشكو من نقص في اليد العاملة المتخصصة وتطالب بتحسين شروط استقدام المهاجرين وأصحاب الكفاءات إلى ألمانيا.
وفيما تنبأ التقرير الفصلي الماضي الذي تعده ستة معاهد بحوث ألمانية وأوروبية نمواً بنحو 1,6% لألمانيا هذه السنة، نظر إليه العديد من المحللين على أنه مبالغ في تفاؤله، وبدأت غالبية المعاهد منذ نحو شهرين في تعديل توقعاتها نحو الأعلى على التوالي.
توقعات بتراجع نمو الاقتصاد الألماني أواخر العام
وإزاء البيانات الجيدة الصادرة عن مختلف قطاعات الاقتصاد الألماني أصبحت توقعات معدل النمو المنتظر في نهاية السنة الجارية تتراوح ما بين 2,5 و 3 %، أي ضعف ما تتوقعه الحكومة تقريباً، والمتمسكة رسمياً بنسبة الـ 1,5% رغم أن وزير الاقتصاد برودرله صرّح مؤخراً بأنه ينتظر نسبة نمو تبلغ 2%. ورأى الخبير كارستن باتريك ماير أن معدل النمو في الربع الثاني سيبلغ 2% تقريباً للمرة الأولى منذ تسعينات القرن الماضي، الأمر الذي سيدفع لتحقيق نمو يبلغ 3% هذا العام.
ويربط خبراء المعدل النهائي للنمو بمدى تحسّن الاستهلاك الداخلي الذي لا يزال ضعيفاً. وينتظر المحللون أن يسجل الربع الثاني والثالث، وبعد تصحيح الأرقام التي أعلنت سابقا كتقدير أولي، نمواً عالي المستوى يحدث "ضجة فعلية" على حد قول الخبير المالي كارستن برزيسكي من بنك "أي إن جي ديبا". وذكر الخبير دافيد كول من مؤسسة "يوليوس بير" أن الاقتصاد الألماني "يستفيد أكثر وبصورة أسرع من دول منطقة اليورو، من الانتعاش الحاصل في التجارة الدولية" مضيفا أنه "إلى جانب التنوع الجيد للصادرات الألمانية حسّنت الشركات الألمانية قدرتها التنافسية أيضاً".
ولكن معهد "إيفو" للبحوث الاقتصادية في ميونيخ، الذي يعتبر أهم مركز للبحوث في ألمانيا، أوضح مطلع الشهر الجاري أنه بعد الارتفاع المفاجئ لمؤشر أرقام الشركات الشهر الماضي يتوقع الآن تباطؤاً في النمو خلال الربع الثالث من هذا العام. وقال كبير خبراء النمو فيه كاي كارستنزن إن النمو في ألمانيا "يسير بصورة جيدة جداً حالياً، إلا أن الديناميكية العالية الحاصلة ستصاب ببعض الضعف في الربع الأخير من العام على أبعد تقدير".
ومن جانبة أعرب المصرف المركزي الأوروبي مطلع الشهر الجاري عن أنه أكثر تفاؤلاً اليوم بأوضاع دول منطقة اليورو مما كان عليه الشهر الفائت، محذراً في الوقت ذاته من الإفراط في التفاؤل. وبعد أن تحدث رئيسه جان كلود تريشيه "عن نصف سنة جيد جداً" وعن "بيانات أفضل للربع الثالث مما كان متوقعاً" دعا إلى الحذر، وإلى توقع تعثر خلال عملية النمو.
الكاتب: اسكندر الديك
مراجعة: عارف جابو