"انتظر وراقب" - دبلوماسية الأوربيين إزاء ثورة الياسمين
٢٠ يناير ٢٠١١لم يتوقع الكثيرون أن ينهار نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بهذه السرعة، خاصة لدى بعض العواصم الأوروبية التي كانت تعتبره الحليف الأهم في منطقة شمال إفريقيا. وقد انعكس ذلك بصورة كبيرة على ردود فعل هذه الدول من خلال تصريحات المسؤولين الأوروبيين التي صاحبت تطورات الاحتجاجات الاجتماعية.
ففرنسا التي تعتبر الشريك التجاري الرئيسي لتونس، اعترفت على لسان وزيرة خارجيتها ميشال آليو ماري أنها "لم تكن تتوقع الأحداث" التي أدت إلى إزاحة بن على من سدة الحكم، و هو ما عكس موقف باريس الحذر طيلة ثلاثة أربعة من الاحتجاجات.
ولم يكن الموقف الاوروبي الموحد أقل حذرا من الموقف الفرنسي، فبالرغم من مطالبته باحترام حرية التظاهر السلمي واحترام حقوق الانسان في أوج المواجهات التي كانت تدور بين قوى الأمن والمتظاهرين، إلا انه لم يصدر موقفا من ثورة الياسمين إلا بعد ثلاثة أيام من رحيل بن على من تونس إلى السعودية، حينها عرض في بيان مشترك على تونس مساعدة "فورية" للتحضير لاجراء انتخابات حرة.
أما ألمانيا التي دفعت بالاتحاد الأوروبي نحو تجميد أرصدة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي والمقربين منه. فقد أكدت أثناء سقوط قتلى في احتجاجات تونس على "ضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية". لكن المعارضة في ألمانيا قالت إن ائتلاف ميركل لم يفعل شيئا حيال حقوق الإنسان في هذا البلد.
"انتظر وراقب"
المراقبون يرون أن ردود فعل الدول الأوروبية، وإن اختلفت حدتها من دولة إلى أخرى، تجاه احتجاجات الشباب التونسي، تميزت معظمها بالحذر، آخذة في الاعتبار مبدأ "انتظر وراقب". هكذا يقول المحلل السياسي حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط بجينيف، في حوار لـ"دويتشه فيله"، ويضيف أن "ردود الفعل الأوروبية جاءت دون الحد المطلوب" ويضيف أنها مرت بعدة مراحل، فالمرحلة الأولى تتمثل في "المفاجأة" وهو ما عبرت عنه، ميشال اليوماري، وزيرة الخارجية الفرنسية حينما قالت "فلنكن صريحين، لقد فوجئنا جميعا من سياسيين ودبلوماسيين وباحثين وصحافيين بثورة الياسمين"، مؤكدة أن أحدا لم يستوعب "تسارع" الاحداث.
ويضيف عبيدي أن المرحلة التي تلتها تميزت"بالانتظار والترقب"، ويضيف أن "سقوط قتلى في هذه الاحتجاجات جعلت بعض الأصوات الأوروبية تطالب باحترام حقوق الإنسان"، على غرار ما طالبت به وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون ووزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله.
بينما حاول ساركوزي تبرير سياسة الحذر التي اتبعتها باريس حيال تطور الأحداث والتي تعرضت بسببها لانتقادات شديدة. وقال "إن تناقضا حصل بين مبدأي "عدم التدخل" في الشؤون الداخلية لتونس و"دعم الحرية" اثر الثورة التي شهدها هذا البلد. هذه التبريرات جاءت بعد أن وجهت كل من المعارضة والصحافة في فرنسا انتقادات لاذعة لتعامل باريس مع الأوضاع في تونس.
خلفيات الموقف الأوروبي المتردد
لكن يبقى السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه : لماذا جاءت ردود الفعل الأوروبية بهذا الشكل؟ برأي المحلل السياسي حسني عبيدي، فإن سياسة بروكسل تجاه دول المغرب العربي تعرف "احتكارا فرنسيا"، باعتبارها مستعمرات سابقة لها. ويضيف عبيدي أن "فرنسا استفردت بأي قرار يخص الوضع السياسي في تونس سواء قبل أو أثناء الاحتجاجات". ويؤكد أن الاتحاد الاوربي كان يرى في تونس أنها "المتعاون الأساسي في كبح جماح الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى أنها الدولة الضامنة والآمنة لوقف الخطر الإسلامي، وهو ما شكل صعوبة أمام الاتحاد الاوروبي لمراجعة سياسياته تجاه هذا البلد".
وتقول الكاتبة والصحافية الألمانية مارتينا صبرا لـ"دوتتشه فيله" إن بعض الحكومات الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا كانت تنتقد وضعية حقوق الإنسان في تونس قبل حودث الاضطرابات الأخيرة، لكن لم يكن ذلك كافيا" وتضيف "ان نظام بن علي كان يسوق نفسه للأوروبيين على أنه الرجل الذي يقف بحزم أمام التطرف الإسلامي في المنطقة".
فتونس التي كانت تتمتع في أوروبا بصورة البلد السياحي الحداثي، بالرغم من انتهاكات حقوق الانسان فيه، أضحت شريكا للإتحاد الأوروبي منذ عام 1995 في إطار عملية برشلونة وهي تفاوض حاليا من أجل الحصول على وضع الشريك المتقدم. بل كان صندوق النقد الدولي يصفه بالبلد النموذج في تطبيق الإصلاحات.
وقد اتهمت المعارضة في كل من فرنسا والمانيا وإسبانيا وإيطاليا حكومات بلدانها بتجاهل أوضاع حقوق الانسان في تونس وتعاملها مع نظام بن على على اساس المصالح فقط، ففي ألمانيا مثلا قال حزب اليسار ن الائتلاف الحاكم لم يفعل شيئا حيال حقوق الإنسان في تونس. وذكر رئيس الحزب، كلاوس إرنست، أن حكومة بلاده احتفلت بدلا من ذلك بنجاحات التجارة الخارجية مع تونس تحت مبدأ "جمع المال هو الأهم".
يوسف بوفيجلين
مراجعة: منصف السليمي