انتخابات الرئاسة في تونس.. سباق إلى قصر قرطاج أم إلى السجن؟
١٢ يوليو ٢٠٢٤يجلس لطفي المرايحي في السجن ويواجه اتهامات خطيرة. الأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري والمرشح للانتخابات الرئاسية التونسية اعتقل الأسبوع الماضي. تتهمه السلطات بغسيل أموال وتحويلها بشكل غير قانوني إلى الخارج. وسبق للمرايحي أن أعلن عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة بداية تشرين الأول/ أكتوبر القادم. غير أنه يعاني من من اسلوب حكم الرئيس قيس سعيد، الذي يتصرف بطريقة استبدادية . في انتخابات 2019، ترشح المرايحي وحصل على حوالي 6.5 بالمائة من الأصوات.
والمرايحي ليس الوحيد الذي يعاني الاضطهاد، فقد تعرض العديد من السياسيين الآخرين الذين أبدوا اهتمامًا بالترشح للمنصب الأعلى في الدولة أو الذين يُعتبرون مرشحين محتملين، لاستهداف السلطات. وعلى سبيل المثال صدر أمر اعتقال ضد الصحفي والسياسي صافي سعيد بسبب اتهامات بالتزوير والاحتيال. بالإضافة إلى ذلك، يوجد العديد من المرشحين المحتملين في السجن أو في المنفى.
ولم تقتصر إجراءات السلطات على المرشحين المحتملين في الانتخابات، بل شملت أيضًا الأصوات الناقدة بشكل عام. ففي مايو/ أيار الفائت تم اعتقال المحامية سونيا الدهماني، المعروفة بانتقاداتها للرئيس سعيد، في استوديو تلفزيوني أمام الكاميرات. وقد حكم عليها بالسجن لمدة عام بتهمة نشر أخبار كاذبة.
وخلال العام الماضي تم اعتقال راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة الإسلامي وهو من أشد المنتقدين للرئيس قيس سعيد. أما التهمة الموجهة له فهي التحريض ضد الشرطة والتآمر ضد أمن الدولة.
الانتخابات الحرة غير متوفرة
على ضوء ذلك يرى رياض الشعيبي، السياسي المعارض ومستشار الغنوشي في حديثه مع DW أن "الشروط الأساسية للانتخابات الحرة غير متوفرة"، لاسيما وأن المناخ السياسي مشحون بالاعتقالات والمحاكمات والعقوبات.
بدوره يرى الناشط السياسي عز الدين الحزقي، أن الرئيس قيس سعيد لم يحقق أي نجاحات سياسية، وأنه الآن لا يرى حلاً آخر سوى اعتقال معارضيه. "سعيد يسيطر الآن بالكامل على القضاء"، يقول الحزقي ويضيف السياسي المعارض: "لا يمكن الحديث عن انتخابات حرة في تونس".
في الحقيقة، لا يستطيع الرئيس قيس سعيّد ، الذي قام في عام 2021 بتعليق عمل البرلمان في البداية ثم حله بالكامل في بلد كان يُعتبر نموذجًا ناجحًا لـ "الربيع العربي"، أن يحقق نجاحات كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية لتونس. فمعدل البطالة يبلغ 15 في المائة، ويعيش حوالي أربعة ملايين من إجمالي 12 مليون تونسي تحت خط الفقر.
تشريعات مشكوك فيها
ووفقًا لتحليل مركز بروكسل الدولي للأبحاث الصادر في أيار/ مايو من هذا العام، فإن المخاطر القانونية التي تواجه المرشحين المحتملين تعود إلى مرسوم صدر في أيلول/ سبتمبر 2022 يستهدف حرية الرأي والصحافة. ويتم العمل بذلك من خلال اتهامات ملفقة مثل إنتاج أو ترويج أو نشر "أخبار كاذبة" أو "شائعات". يمكن معاقبة هذه الأفعال بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وفي حالة المسؤولين الرسميين، تصل العقوبة إلى عشر سنوات.
من الواضح أن المرشحين قد يتعرضون للتخويف، مما يجعل تقديم الترشيحات أكثر صعوبة. ويرى مركز الأبحاث سبباً إضافياً لهذا الوضع: "حاليًا، يفتقر المرشحون الرئاسيون المعلنون إلى دعم الناخبين، لأن العديد من الشخصيات المعارضة البارزة تربط مشاركتها بأنشطة سياسية بالإفراج عن السجناء السياسيين والعودة إلى دستور 2014"، حسبما جاء في تحليل المركز.
علاوة على ذلك، تم تشديد شروط الترشح أيضًا. فقد تم رفع الحد الأدنى لسن المرشحين المحتملين من 35 إلى 40 عامًا. وهذا يمنع مثلاً السياسية أولفا حمدي، البالغة من العمر حاليًا 35 عامًا والرئيسة السابقة للخطوط الجوية التونسية ومؤسسة "حزب الجمهورية الثالثة"، من الترشح. وانتقدت القرار على منصة "X" مشيرةً إلى أن القرار ليس فقط غير دستوري، بل أيضًا غير قانوني وفقًا لقانون الانتخابات الحالي.
كذلك يُستبعد مزدوجو الجنسية - وغالبًا ما يكونون في تونس أشخاصًا يحملون جواز سفر تونسي وفرنسي في آن واحد - من الترشح. وقال مالته غاير، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور في تونس: "هذه الشروط الجديدة تعيق عددًا كبيرًا من الأشخاص من تسجيل أنفسهم كمرشحين".
وقبل أيام قليلة أعلن الرئيس قيس سعيد أن الانتخابات ستُجرى في 6 تشرين الأول/ أكتوبر. ولم يعلن حتى الآن عن ترشحه رسميًا، ولكن من المتوقع أن يفعل ذلك قريبًا. يمكنه الاعتماد على نسبة تأييد عالية وشعبية كبيرة داخل فئات من الشعب، حسبما يقول الخبير غاير.
تطورات غير إيجابية
"من المدهش أن الرئيس قيس سعيد يلجأ إلى هذه الإجراءات القمعية في ظل هذه الظروف"، تقول ماريا جوسوا، التي تجري أبحاثًا حول التطورات السياسية في تونس في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية (GIGA) في هامبورغ، وتضيف: "نحن أمام انتخابات بدون خيار حقيقي بين المرشحين". ومع ذلك، يحاول الرئيس على ما يبدو الحفاظ على واجهة الانتخابات الحقيقية، بينما يقود البلاد بشكل متزايد نحو الحكم الاستبدادي. و"هذا ليس تطورًا جيدًا لتونس"، تقول جوسوا.
ولا يزال من غير الواضح مدى شفافية ونزاهة العملية الانتخابية في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر. في نهاية 2022، خلال الانتخابات البرلمانية الأولى بعد حل المجلس النيابي السابق، عارض الرئيس قيس سعيد وجود مراقبين دوليين للانتخابات. يبقى أن نرى كيف سيتعامل مع هذا الأمر في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أعده للعربية: ع.خ