انتخابات 23 اكتوبر- يوم النهوض الديمقراطي العربي
٢٢ أكتوبر ٢٠١١يوم الأحد، 23 اكتوبر/تشرين الأول، هو يوم تاريخي بالنسبة للتونسيين، حيث ينتخبون مجلسا تأسيسيا، وهو أول مؤسسة ديمقراطية تولد بعد الثورة. وهذه أول انتخابات حرة منذ استقلال البلاد، وكل الانتخابات التي سبقتها كانت قد زُوِّرت من أجل ترجيح كفة الحزب الحاكم.
ان هذا الموعد مع الديمقراطية لن يكون نزهة، بل ينطوي على مزالق كثيرة مما يجعل منه رحلة شاقة. فالعدد الكبيرمن القوائم المترشحة - 1552 قائمة تضم أزيد من 10 آلاف مترشح- تختلط فيها الصور والرموز مما يضاعف صعوبة الاختيار بالنسبة للناخب ولمن سيمنح صوته، فضلا عن أن برامج المرشحين متشابهة جدا. فإذا كان حزب النهضة (الإسلامي المعتدل) الذي ترجح الاستطلاعات فوزه، له الصورة الأوضح وناخبوه مصطَفُّون وراءه تقريباً. بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة لأحزاب أخرى، منها الحزب الديمقراطي التقدمي الذي غير ملامحه السياسية عدة مرات، بدءا من اشتراكي تقدمي ووصولا إلى التموضع في أقصى درجات الليبرالية. وقد خسر الكثير من قاعدته الناخبة. ناهيك عن القادمين الجدد من أحزاب لا يكاد المرء حتى حفط أسمائها.
تحدي شبكات الثورة المضادة
ويكمن التحدي الكبير الآخر، في شبكات الثورة المضادة، التي تضم كل أولئك الذين قامت الثورة من أجل كنسهم، بدءا من البوليس السياسي السري، وبقايا التجمع الدستوري (الحزب الحاكم سابقا) المنحل، وصولاً إلى رجال الأعمال المتورطين في الفساد وهم يخشون أن يُحاسبوا على جرائمهم عندما تُرسى الديمقراطية.
ولم يدخِر هؤلاء جهدا في محاولات زرع الفوضى، عبر بث إشاعات لترهيب الناس باحتمال قيام مواجهات مسلحة يوم الانتخابات ستُغرق البلاد في الفوضى والعنف. ولسان حالهم في كلمة سر مفادها "ابقوا في منازلكم وقوموا بتخزين المواد الغذائية إلى فترة ما"، ورغم أن الكثيرين لم يصدقوا هذه التهديدات بالعنف، فقد لوحظت طوابير من المواطنين اصطفت أمام المتاجر في بعض المدن، مما تسبب في نقص في المواد الأساسية، الأمر الذي يؤشر إلى مدى قدرة هذه الشبكات على الإزعاج.
أما التحدي الأخير، وهو ليس أقل شأنا، فيتمثل في التزوير الذي يُخشى أن يتم خلال عمليات الفرز، برغم كل اليقظة التي يتحلى بها الساهرون على حسن سير عملية الاقتراع، لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وبعثات المراقبين العديدة، المحلية والدولية. وقد تمكنت بعض عناصر الحرس القديم لحزب التجمع الدستوري المنحل، من التسلل إلى داخل هذه الهيئات المكلفة بمراقبة الانتخابات.
ومن ناحية أخرى، فإن انتخابات 23 اكتوبر والتي ستُعرف نتائجها بشكل نهائي قبل الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث ستبت المحكمة الادارية في الطعون الانتخابية. ستشكل هذه الانتخابات امتحانا حقيقيا للطبقة السياسية وقدرتها على التجديد والإجابة عن استحقاقات الإصلاحات، بعيدا عن دروب الخاسرين وردود الأفعال الاستبدادية، وخصوصا القبول بعقاب صناديق الاقتراع.
الانتقال إلى الديمقراطية ليس نزهة
وإذا كان حقا، أن حزب النهضة الإسلامي قادر على الاندماج في اللعبة الديمقراطية، ويلتزم بها بنزاهة، فسيكون له وزنه في المعادلة داخل المجلس التأسيسي الذي سيرسم الوجه الجديد للمشهد السياسي التونسي، ولن يكون خطر أسلمة المجتمع التونسي سوى وهم في مخيلة بعض مراكز الفكر والرأي الغربيةthink tanks، التي تنظر إلى تطور مجتمعاتنا بنظّارات الأحكام المسبقة والمتحيزة. إن هؤلاء لم يدركوا بعد أن الديمقراطية مطلب شعبي قوي وحاسم، وسيكون لها ثقلها في البرلمان المقبل كيفما كانت تركيبته.
إن الشباب الذي قام بالثورة هو بعيد عن أن يكون مفتقدا للبرنامج أو الرؤية، فقد كانت الشعارات التي تحرك المظاهرات والاعتصامات منذ 14 يناير/ كانون الثاني، تدل على وضوح الرؤية لدى شباب الثورة الذي ما فتئ يطرح على البساط ثلاث ورشات عمل للإصلاحات العاجلة: العدالة (ببعدها الاجتماعي)، وأجهزة الأمن، ووسائل الإعلام. وهم يتوقعون أن تكون هناك مقاومة للتغيير. ومن النادر أن نجد في المراحل الانتقالية، تخلي القوى القديمة عن السلطة بسهولة ووفق قاعدة "اللعب النظيف". فالانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ليس مجرد نزهة في طريق سالكة وعليها إشارات واضحة، فقد كانت تركة النظام القديم ثقيلة والخيارات السياسية التي انتهجتها الحكومة المؤقتة لم تكن في مستوى التحديات. ولهذا فإن أولى الملفات التي ستطرح على الطاولة في البرلمان الجديد المنتخب، ستقتضي القطع مع تركة الماضي، والمضي في تحقيق أجندة العدالة الانتقالية.
هنالك حقيقة مؤكدة، وهي أن أغلبية التونسيين واثقون، وكيفما كان حجم التهديدات على العملية الانتخابية، فإن إرادة النجاح أقوى والقوى (المضادة) لن يكون لها تأثير جوهري على نتائج الاقتراع. ان التونسيين لديهم وعي تام بحجم مسؤولياتهم على مستقبل الديمقراطية في المنطقة، ويدركون بأن عيون العالم موجهة إليهم، ونجاحهم أو فشلهم سيكون له انعكاساته على العالم العربي، ولذلك فإن النهوض الديمقراطي العربي ينبثق من هنا.
تعليق: سهام بن سدرين
مراجعة: عارف جابو
سهام بن سدرين، الناشطة الحقوقية التونسية المعروفة، والناطقة باسم المجلس الأعلى للحريات في تونس