انتخاب عباس هو تصويت للمقاومة السلمية
كما كان متوقعا استطاع محمود عباس أن يحسم نتيجة الانتخابات الفلسطينية لصالحة وبنسبة تزيد عن 62 بالمائة. وبهذا سيخلف عباس الرئيس الراحل ياسر عرفات في منصب الرئاسة، كما خلفه في رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية. ورغم النتيجة المريحة التي انتهت اليها الانتخابات، إلا أن محمود عباس في أمس الحاجة للدعم من أجل تدشين بداية جديدة مع إسرائيل.
فوز محمود عباس لم يشكل مفاجأة لأحد، فمنذ أسابيع وهو متقدم بأغلبية على منافسيه، وهذا ما أكدته الانتخابات الفلسطينية الأولى منذ تسع سنوات. وبالرغم من أن نسبة الأصوات التي فاز بها أبو مازن – وهذه هي كنيته منذ أيام المنفى – تقل عن نسبة 88.8 بالمائة التي فاز بها الرئيس الراحل ياسر عرفات في انتخابات عام 1996، إلا أنها نتيجة يستطيع أن يسعد بها. فلقد مرت الانتخابات بسلاسة ودون مشاكل كبيرة، واستنشق الفلسطينيون شيئاً من نسيم الصباح. نسيم الديموقراطية والبداية الجديدة.
غير أنه من الواضح للجميع، وفي مقدمتهم عباس نفسه، أن الصراع الحقيقي يبدأ الآن بعد الانتخابات. صراع الحصول على أصوات الناخبين قد انتهى وحل محله الصراع الحقيقي من أجل تحقيق الحلم الفلسطيني. الحلم الذي فرش طريقه على مدى الثمانين عاماً الماضية بالشقاء والتعاسة، والذي كلما ظننا أننا اقتربنا من النهاية كلما اكتشفنا مدى بعدنا عن تحقيقه. والسبب هو اللجوء دوماً إلى القوة ظناً بأنها تأتي بالحل الناجع لما لم ولن يحل بالقوة.
لذلك فلقد جدد محمود عباس انتقاده لعسكرة الانتفاضة في السنوات الأربع الأخيرة، لأنها تعود بالخسائر على الشعب الفلسطيني، ودعى إلى المقاومة السلمية وانتهاج طريق المفاوضات والدبلوماسية. وبهذا المنحى يختلف محمود عباس عن عرفات، برغم رفضه الدائم للتنصل من منه. فعرفات لا يزال هو أيقونة الحركة الوطنية الفلسطينية. يتعين على إسرائيل أن تدرك أن الفارق بينهما في الطريقة وليس في الهدف. عباس يطالب أيضاً بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وبانسحاب إسرائيلي كامل، وبتفكيك المستوطنات الإسرائيلية، وبحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. هذه فقط بعض النقاط التي من أجلها انتخب عباس.
محمود عباس في أمس الحاجة إلى دعم كبير من أجل تحقيق هذه الأهداف. لذلك إذا تمسكت اسرائيل بشرطها على التركيز أولاً على نهاية العنف فإن ذلك سيعود حتماً بنتائج وخيمة. فعباس راغب في وقف العنف، وراغب في إصلاح وإدخال الديموقراطية في المجتمع الفلسطيني، ونسبة ثلثي الأصوات التي حصل عليها تظهر أنها أيضاً رغبة الشعب الفلسطيني. لقد فوض الشعب الفلسطيني عباس البدء بمفاوضات مع إسرائيل، لكن مثل هذه المفاوضات لابد من أن تسفر عن نتائج ملموسة. لا بد أن تسهم في تحسين أوضاع الفلسطينيين وأن تجلب الهدوء والأمن للمنطقة، حتى يتحقق أخيراً السلام المنشود.
لذلك يتوجب على إسرائيل الإسراع بالانسحاب من غزة كخطوة أولى، وأن تزيل العقبات والقيود التي تفرضها على الفلسطينيين. على سبيل المثال حائط الفصل الوحشي. لا أحد يريد أن يحرم إسرائيل من حقها في الأمان، ولكن هذا الأمان لن يتحقق سوى بتحقيق دولة فلسطينية حرة وديموقراطية. الخطوة الأولى تمت مع الانتخابات، ويتعين الآن أن تليها خطوات عديدة.
تعليق بيتر فيليب ـ دويتشه فيلله