امرأة تتربع على عرش "الغرافيتي" في العالم
١١ يناير ٢٠١٢تبدو "كلاوديا فالده" وكأنها تعيش باستمرار في الهواء الطلق، فهي دائما ما ترسم على الجدران بأدوات الرش، وفي كل أنحاء العالم. الحصول على موعد معها قد يدخل أحيانا في باب المستحيلات. رغم ذلك التقينا في أحد مواقف السيارات في مكان ما من شرق ألمانيا، في مكان قريب من إحدى الطرق السيارة. ثم تبعتها بهدوء تام إلى ورشتها الفنية الموجودة في زاوية إحدى المزارع، فكلاوديا فالده لا تريد الإفصاح عن اسم القرية التي تعيش فيها، لأنها تريد ببساطة أن تعيش بهدوء.
تبلغ كلاوديا من العمر 31 سنة، وفي الوسط الفني تلقب ب " ماد. ك". "ماد" تعني بالانجليزية : المجنونة و " ك" هو الحرف الأول من اسم كلاوديا، أي كلاوديا المجنونة. وهو اللقب الذي أطلق عليها منذ الطفولة، بسبب ولعها بالرسم على الجدران. تشكل "ماد. ك" بمفردها مؤسسة في عالم الغرافيتي، فهي تعتبر الأفضل في هذا المجال، الذي يعد حكرا على الرجال.
وقد صارت لها شهرة عالمية كإحدى فنانات الغرافيتي الفاعلات في هذا المجال الفني، فهي ترسم على جدران مكسيكو وجدران روسيا مرورا بجدران لندن وبودابيست. لذلك فهي تسافر كثيرا حول العالم، وهي بالمناسبة تستعمل اللغة الانجليزية كلغة عالمية في الفيسبوك وفي مدونتها الخاصة. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى ضمن زوار مدونة كلاوديا، متبوعة ببريطانيا، ثم ألمانيا.
نجمة الغرافيتي العالمية تسكن في قرية
تطل ورشة كلاوديا الفنية على السكة الحديدية الرابطة بين برلين ولايبزيغ، وهي ورشة فنية يمكن أن ينطبق عليها أي شيء إلا صفة الجمال. تقول كلاوديا: " نادرا ما أصطحب معي أحد الفنانين إلى هنا، لأني أعتبر هذا المكان فضائي الحميمي". ترتدي كلاوديا ملابس بسيطة، مكونة من سروال الجينز، و"تيشرت"، وحذاء رياضي، وتحرص على ربط شعرها البني الداكن على شكل ضفيرة. ورغم أنها قصيرة و نحيفة إلا أنها مشحونة بطاقة كبيرة، فهي دائمة الترحال. وتقول كلاوديا بهذا الصدد:"بين أسفاري الكثيرة أكون في البيت لمدة يوم أو يومين فقط". ففي المدة الأخيرة قطعت كلاوديا خلال شهرين فقط مسافة 17ألف ميل جوا. تضيف كلاوديا:" لكن يأتي دائما الوقت الذي أشعر فيه أنني في حاجة إلى الراحة" لذلك فهي تقضي عطلتها في البيت، وتضيف: " هنا يمكنني أن أستريح فعلا، أما المدن الكبرى فإنها دائما في متناولي".
قضت كلاوديا فالده طفولتها في ألمانيا الشرقية، كما قضت جزءا من طفولتها أيضا في اثيوبيا، حيث كان والدها يعمل هناك كمهندس زراعي. عندما عادت عائلتها إلى ألمانيا أحست كلاوديا بنوع من التهميش. ولكي تهرب من هذه الحالة استعانت بالرسم على الجدران، وصنعت لها اسما في عالم الغرافيتي. وكانت توقع رسومها باسم "ماد. ك" أو كلاوديا المجنونة.
الحروف التي ترسمها في فن الغرافيتي تكون "شديدة الخصوصية"، كما تؤكد كلاوديا، التي تشتغل أيضا كمصممة فنية وكأستاذة، وتضيف:" من خلال شكل الحرف ولونه ونوعه وطريقة رسمه أستطيع أن أتعرف على شخصية رسام الغرافيتي الذي رسمه". وقد قامت كلاوديا بجمع 150 حرفا لعدة رسامي غرافيتي ووضعتها في كتاب، أسمته: „Street Fonts“.أي شارع الخطوط.
الغرافيتي لا يضمن حياة كريمة
لقد استطاع الإنترنيت أن يخلق تغييرا في فن الغرافيتي، كما عبرت كلاوديا عن ذلك. ففي لحظة واحدة اختلطت الأشكال المحلية للغرافيتي مع بعضها، كما تقول كلاوديا وتضيف:" في لندن هناك من يرسم كما يتم الرسم في لوس انجلس". وتعتبر كلاوديا ضياع أشكال التعبير الفني المحلية خسارة فنية. لا ترسم كلاوديا فقط على الجدران بل ترسم أيضا لوحات وتبيعها في بعض الأروقة الفنية. كانت كلاوديا تود أن تكون فنانة مستقلة بذاتها. لذلك رفضت عرض عمل كمخرجة فنية، كانت قد تلقته في نهاية دراستها للتصميم الفني. تتذكر كلاوديا:" كان ينبغي أن أقرر في ظرف أسبوع إن كنت أريد العودة إلى ألمانيا والاشتغال فيها كفنانة حرة والتخلي عن راتب مضمون، دون أن أعرف ماذا يخبئ لي المستقبل". لكنها اختارت في النهاية أن ترضي رغبتها الذاتية في أن تكون فنانة.
لا يمكن للمرء أن يضمن عيشا كريما من خلال الاشتغال في الغرافيتي، لذلك فالكثير من فناني الغرافيتي يهربون إلى وكالات الإعلان أو مكاتب التصميمات الفنية. وبذلك فإن هؤلاء يطبعون حياتنا اليومية كذلك.
لكن كلاوديا لا تستطيع أن تتخيل نفسها في عمل ثابت، لذلك عليها أن توفق ما بين العمل في الشارع و الأروقة الفنية. تقضي كلاوديا 15 بالمئة من وقت عملها في أعمال مدفوعة الثمن، و 60 بالمئة من وقت عملها في رسم الجدران دون مقابل، و الربع المتبقي من وقتها تقضيه في رسم اللوحات، التي تحصل من خلالها على الجزء الأكبر من دخلها المادي.
تريد كلاوديا أن تقوم بكل هذه الأشياء في وقت واحد وتقول:" أنا بالدرجة الأولى فنانة غرافيتي، لا أستطيع أن أتصور نفسي بعيدة عن الجدران، لأنها فضائي الأول".غير بعيد عن ورشة كلاوديا الفنية ومرورا بالحقول وصلنا إلى العمل الفني الأكبر لها، إنه حائط بحجم ملعب كرة اليد، حيث اشتغلت كلاوديا على هذا الحائط لمدة أربعة شهور. لا تمتلك كلاوديا سببا محددا لولعها بهذا المجال الفني، وهي لحد الآن لا ترى نفسها جزءا من هذا المشهد الفني وإنما تعتبر نفسها متفرجة من الخارج، وتقول كلاوديا متحدثة عن حبها للغرافتي:" إنه مثل نار بداخلي، تحفزني وتدفعني دائما إلى الأمام".
أندرياس ماين/ ريم نجمي
مراجعة: منى صالح