اليوم العالمي لحرية الصحافة: الانتهاكات والقيود مازالت قائمة
٣ مايو ٢٠٠٦يحتفل العالم في الثالث من آيار/مايو باليوم العالمي لحرية الصحافة كتقليد سنوي يهدف إلى التذكير بالدور الحاسم الذي تضطلع به "السلطة الرابعة" في تعزيز الديمقراطية وتشجيع التنمية في أرجاء العالم. ويعد هذا اليوم مناسبة لإلقاء الضوء على تجارب الصحفيين وتضحياتهم ولاستحضار المهام الجسيمة التي يؤدونها وهم يقومون بدورهم في تقصي الحقائق وتزويد الجماهير بالأخبار اليومية مهما كلفهم ذلك من تضحيات. كما يعد هذا اليوم، الذي جرت العادة على الاحتفال به منذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 تسميته بيوم الصحافة العالمي، مناسبة لتعريف الجماهير بانتهاكات حق التعبير عن الرأي وكذلك لتذكيرهم بمعاناة الصحفيين من جراء الانتهاكات التي يتعرضون لها وهم يمارسون واجبهم. هذا وسيكرس اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام للعلاقة بين حرية الصحافة والقضاء على الفقر لما تتمتع به وسائل الإعلام من قدرة في هذا المجال في حفز التنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية باعتبارها إحدى قوى التغيير. وتنشر منظمة "صحفيون بلا حدود" بمناسبة هذا اليوم اللائحة المحدثة "لأعداء حرية الصحافة" الملقبين بـ "قناصي" حرية الصحافة التي تضم 37 اسما أضيف لها هذا العام خمسة أسماء أو حركات جديدة.
"مخاطر البحث عن الحقيقة"
طالما ان مهمة الصحافة هي البحث عن الحقيقة وكشفها فان أعداء الحقيقة بطبيعة الحال وبالتالي أعداء حرية الصحافة لاشك كثيرون وفي مقدمتهم تلك الأنظمة الديكتاتورية التي تخشى الحقيقة. لذلك فمن الطبيعي ان يتعرض الصحفيون، وهم جنود البحث عن الحقيقة، للمصاعب والمضايقات والمخاطر. ولعل المتابع لوضع حرية الصحافة يخلص إلى نتيجة مفادها أنها تسير في منحنى انحداري نحو الأسوء، كما وتشهد تراجعا مخيفا عما كانت علية في السنوات الماضية. هذا بصرف النظر عن إضاءات إيجابية هنا أو هناك من العالم. ووفقا لمعهد معهد الصحافة الدولي فان عددا متزايدا من الحكومات يسعى إلى التعدي على حرية الصحافة وعرقلة عمل الصحافيين من خلال عدة وسائل تتراوح بين القوانين التي تحد من العمل الصحفي، إلى التوقيفات العشوائية، مرورا بالعنف الجسدي والترهيب. وحتى في ظل وجود القوانين التي تكفل حرية الصحافة وحق التعبير والرأي يظل هناك منطقة ضبابية بين النصوص النظرية وطبيعة الممارسات في الواقع العملي. فتحت ستار الحفاظ على الأمن وتحقيق المصلحة العامة تنتهك حرية الصحافة ويتم تقيد وتكميم حرية الرأي والتعبير بما فيها تلك الحقوق المنصوص عليها في تلك القوانين.
وبلغة الأرقام تشير منظمة "صحفيون بلا حدود" ان العام المنصرم 2005 شهد اكبر عدد من القتلى في صفوف الصحفيين خلال تأديتهم مهامهم مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة. وجاء في التقرير الذي نشرته المنظمة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة ان 63 صحفيا قتلوا العام 2005 فضلا عن خمسة عاملين في وسائل إعلامية. من جهة أخرى أوقف 807 صحفياً على الأقل وتعرض 1308 على الأقل للإعتداء أو للتهديد، في حين تم ممارسة الرقابة على 1006 وسيلة إعلامية على الأقل. ومنذ مطلع هذا العام 2006 قتل 19 عاملا في مجال الإعلام بينهم 13 صحافيا في حين ان 120 إعلامياً يقبعون حاليا في السجون.
انتهاك حرية الصحافة "ظاهرة عالمية؟"
لا يتوقف انتهاك حرية الصحافة وحقوق الرأي والتعبير على العالم الثالث كما كان يسود الاعتقاد حتى وقت قريب، بل أن الأمر يحدث حتى في تلك الدول التي توصف بأنها "ديمقراطية" وإن بشكل استثنائيا واقل عنفا. وهذا ما تؤكده الوقائع والممارسات، لاسيما بعد أحداث الحادي من سبتمبر 2001 وفي ظل ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"، حيث كانت حرية الصحافة وحقوق الرأي والتعبير أولى ضحايا هذه الحرب. في هذا السياق يشير تقرير معهد الصحافة الدولي إلى ما أسماه جريمة "تمجيد الإرهاب"، في بريطانيا مثلا عقب تفجيرات لندن، وكذلك النقاش الدائر في الدول الأوروبية حول دور الإعلام في جعل الإرهاب "أكثر راديكالية"، معتبرا ذلك مؤشران رئيسيان على اختلال التوازن بين "الأمن" و "حرية الصحافة". كما لا تزال حماية سرية المصادر تشكل موضع نقاشات حادة في أوروبا والولايات المتحدة ومختلف مناطق العالم، لاسيما أمام اعتماد الرقابة على الانترنت التي أصبحت ظاهرة عالمية وتحد جديد للرقابة على تدفق المعلومات.
هذا وتختلف المخاطر التي تواجه الصحافة والصحفيين من منطقة إلى أخرى. فبينما مثلا تلاحق الصين المعارضين للنظام وأصحاب الآراء التي تطالب بالديمقراطية والإصلاح وتحد من حرية التعبير، نجد انه مثلا في أمريكا اللاتينية يقع الصحفيون ضحايا العصابات المسلحة ومافيا المخدرات. أما في أفريقيا فان الحروب و الصراعات السياسية هي الخطر الأكبر على الصحفيين وعلى حرية الصحافة. وحتى في الغرب الديمقراطي لا تنجو الصحافة من المضايقات. ففي ألمانيا مثلا التي تعد بحق واحة لحرية الإعلام والتعبير وتتمتع وسائل الإعلام فيها بمساحة واسعة من الحرية والاستقلالية، فان هناك بعض الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها. فمثلا أدى نشر احد الصحفيين لمعلومات استقاها من ملفات حكومية سرية عن أبي مصعب الزرقاوي إلى مصادرة المادة المتعلقة بالموضوع بتهمة إفشاء الأسرار مما أثار نقاشا حادا حول حدود حرية الإعلام وسقف الحرية المسموح به. وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي سارعت عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر إلى إصدار قانون مكافحة الإرهاب الذي عرف بـقانون "باتريوت" الذي قيد بشكل مباشر أو غير مباشر من الحريات الديمقراطية والصحفية وكان ان حدث في ظاهرة لم تكن معروفة من قبل ان خضع العام الماضي صحفيان للمحاكمة بسبب عدم كشفهما لمصادر معلوماتهما.
وضع حرية الصحافة في العالم العربي
تصنف منطقة الشرق الأوسط ضمن المناطق الأكثر انتهاكا لحرية الرأي والتعبير والصحافة، بل ومن المناطق الخطرة على حرية وحياة الصحفيين. ومع اختلاف نسبي في التعامل مع هذه القيم من نظام سياسي عربي إلى أخر وأخر، فان هناك قاسما مشتركا يجمعها، ألا وهو التضييق على حرية الصحافة وملاحقة الصحفيين، رغم تشدق جميع الأنظمة العربية باحترامها للحريات الديمقراطية. وفي الوقت الذي سجلت فيه حالات انتهاك لحرية الصحافة في معظم الدول العربية خلال العام المنصرم فان هناك حالات تبشر بالتفاؤل في بعض الدول العربية. أما من حيث الخطورة على حياة الصحفيين في هذه المنطقة "يبقى الوضع في العراق الأكثر إثارة للقلق"، حسب ما جاء في التقرير منظمة صحفيون بلا حدود، الذي ذكر ان 87 صحافيا وعاملا في مجال الإعلام قتلوا منذ بداية الحرب قبل ثلاث سنوات في هذا البلد، واختفى اثنان وخطف 38 عاملا في مجال الإعلام وقتل الخاطفون خمسة. ولا يزال هناك ثلاثة صحفيين محتجزين رهائن في العراق. ويعمل الصحفيون في هذا البلد تحت ظروف قاسية وخوف مستمر.
دور مؤسسة دويتشه فيله في تدعيم قيم حرية الصحافة
تساهم مؤسسة دويتشة فيله الألمانية في ترسيخ قيم حرية الصحافة وتشجيع الديمقراطية في العالم الثالث من خلال عدة وسائل منها تدريب صحفيين شباب من مختلف بلدان العالم مهنيا ووفقا لقيم وأخلاقيات العمل الصحفي. ويؤكد اريك بيترمان، مدير عام مؤسسة دويتشة فيله بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، على أهمية هذا التدريب لتأهيل جيل من الصحفيين متمكن مهنيا ومؤمن بأخلاقيات وقيم العمل الصحفي باعتبار ذلك، في رأيه، شرطا لا غنى عنه لبناء وسائل إعلام وطنية حرة. وذَكر بيترمان إلى ان ثلثي سكان العالم يعيشون في ظل تقييد لحرية الصحافة مشيرا في هذا السياق إلى الخدمة الإعلامية التي تقدمها مؤسسة دويتشة فيله من خلال خدماتها الإذاعية والتلفزيونية وكذا موقعها على شبكة الإنترنت للناس في مختلف مناطق العالم دون رقابة. وأشار مدير عام دويتشة فيله إلى دور "أكاديمية دويتشه فيله" في تدريب الصحفيين وبالذات من أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية، حيث بلع عدد هؤلاء نحو 20 ألفا خلال الأربعين سنة الماضية "وكل واحدا من هؤلاء يمثل أملا في عالم تسود فيه حرية الصحافة والتعبير والإعلام"، حسب تعبير المسئول الإعلامي الألماني الذي أشار أيضا إلى ورشات العمل العلمية والتدريبية التي تقوم بها مؤسسته مثل ورشة "صحافة السلام" التي تقام في العاصمة السودانية الخرطوم وورشة "الصحفيين الناشئين" في بون التي يشارك فيها صحفيون شباب من الكثير من دول العالم ولاسيما الدول النامية.