هل تتحول الصداقة السعودية الصينية إلى تحالف استراتيجي؟
٢٢ مارس ٢٠٢٢ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل دعوة سعودية لزيارة المملكة ربما في مايو/ أيار المقبل فيما أعلنت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، أنها تدرس إمكانية قبول اليوان الصيني بدلا من الدولار في مبيعات النفط للصين. التي تحصل على ربع الصادرات النفطية السعودية، حيث كانت الرياض أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين في يونيو/ حزيران لتتفوق على موسكو في إطار إمدادات النفط إلى الصين، وفقا لتقرير لوكالة رويترز.
وقد أثارت التطورات الأخيرة عن قرب زيارة الرئيس الصيني للسعودية وإمكانية استبدال الدولار باليوان في المبيعات النفطية بين البلدين، المخاوف من إمكانية أن تنحاز السعودية إلى جانب روسيا مع تزايد حدة التوترات الجيوسياسية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويرى خبراء أن السماح بدفع مدفوعات النفط باليوان قد يمهد الطريق أمام إنشاء نظام مواز للمدفوعات الدولية سيحتل فيه اليوان الصيني أهمية وقوة على غرار الدولار الأمريكي. كذلك، سوف يصب ذلك في صالح محاولة روسيا تجاوز العقوبات التي فرضتها الدول الغربية عقب غزوها لأوكرانيا حيث يمكن لموسكو استخدام اليوان أيضا.
ورغم أن الصين أعلنت حيادها بشأن الصراع في أوكرانيا، إلا أن هناك الكثير من الشكوك حول دعمها لروسيا على نطاق واسع حتى وإن كان بشكل هادئ وغير مباشر.
يرى خبراء أن إعلان السعودية إمكانية قبول اليوان بدلا من الدولار في مبيعات النفط للصين، يُنظر إليه في إطار الضغط على حلفاء الرياض من الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة. وقد أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن السعودية فعلت ذلك من قبل في تقرير صدر عام 2019 تحت عنوان "لعبة الصين الكبرى في الشرق الأوسط" حيث ذكر الباحثون في المجلس أن الصين كثيرا ما تُستخدم "كورقة مساومة".
وأضاف الباحثون "بعد شهور قليلة من مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في استغلال جولته الآسيوية من أجل التأثير على النقاش الدائر في الولايات المتحدة والدول الأوروبية حيال مبيعات الأسلحة إلى السعودية."
ممارسة المزيد من الضغوط على السعودية؟
وفي إطار تعزيز الدعم الدولي ضد روسيا بعد اندلاع العمليات العسكرية في أوكرانيا، سعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى نيل المساندة من السعودية ودفع الرياض إلى الاصطفاف إلى جانب أمريكا وأوروبا. وفي إطار هذه المساعي، زار المستشار الأمني الأمريكي بريت ماكغورك السعودية قبل أسبوع فيما قصد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الرياض أيضا.
ورغم الزيارات رفيعة المستوى، إلأ أن محاولات الجانب الأمريكي والأوروبي لإقناع السعودية بضخ المزيد من الإمدادات النفطية للحد من ارتفاع أسعار النفط، يبدو أنها باءت بالفشل. ما يمثل خيبة أمل خاصة وأن السعودية وجارتها الأمارات هما الأقدر على الأمر إذ أنهما تمتلكان فائضا كبيرا قد يعوض النفط الروسي.
وفي حالة الموافقة على ضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية، فقد يساعد ذلك على خفض أسعار النفط التي ارتفعت إلى مستويات قياسية جراء الاضطرابات في إمدادات النفط الروسية.
وفيما يتعلق بالمحادثات الأمريكية-السعودية، لم تكشف الأنباء عما إذا كانت المباحثات قد تطرقت إلى قضية المدفوعات النفطية من الصين باليوان.
وفي ذلك، رأت سينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في فرع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، أنه حتى في حالة نجاح الدبلوماسية الغربية في "دفع (السعودية والإمارات) للوقوف إلى جانب الغرب، فإن المسؤولين السعوديين تساورهم المخاوف من أن يصبح الشرق الأوسط أقل وليس أكثر أهمية" خاصة مع تركيز واشنطن على الوضع في آسيا والمحيط الهادي وابتعادها عن الوقود الأحفوري.
وفي مقابلة مع DW قالت بيانكو "تعتقد [دول الخليج] أنه ليس لدى واشنطن الكثير لتقدمه فضلا عن أنها باتت أقل قدرة على التهديد خلافا لما كانت عليه في السابق." ونوهت الباحثة إلى أن رفض دول الخليج الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا لا يتعلق بموسكو، وأضافت أن الأمر "يتعلق ابالتوجه صوب نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وتبني نهج المعاملة بالمثل لحماية مصالحها الوطنية".
شراكة استراتيجية شاملة!
وتطورت العلاقات السعودية-الصينية خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ، إذ كانت الرياض أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط عام 2020 بعد أن بلغت قيمة الواردات والصادرات أكثر من 67 مليار دولار (60.6 مليار يورو).
وتقوم العلاقات بين البلدين على تحقيق المصالح والمنفعة الاقتصادية لكليهما، وهو ما بزر في التشابه بين مبادرة "الحزام والطريق" التي ترغب الصين في تنفيذها بقيمة تريليون دولار ومشروع "رؤية 2030" التي طرحها ولي العهد السعودي لتحديث بلاده.
كما يدخل في هذا الإطار، ضمان حصول السعودية على دولة تشتري النفط والغاز على المدى الطويل، في وقت تبحث فيه الدول الغربية المستوردة للنفط السعودي في الابتعاد عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة النظيفة. كذلك، تسعى السعودية في سياق تنفيذ "رؤية 2030" إلى بناء مستقبل يكون فيه الاعتماد على النفط أقل أهمية بما في ذلك تحويل السعودية إلى مركز لوجستي في الشرق الأوسط، وهو ما يتوافق مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
ورغم انخراط السعودية والصين فيما يُعرف بـ "شراكة استراتيجية شاملة"، إلا أن سينزيا بيانكو تحذر من القول بأن العلاقات بين البلدين ترتقي لأن تكون "تحالفا" بمعنى وصف الرياض وبكين "بالدولتين الحليفتين".
تحول بوصلة الشرق الأوسط إلى الصين!
في المقابل، يشير بعض المحللين ومنهم روي يلينك، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إلى ظهور في الآونة الأخيرة. ويقول يلينك في مقال نُشر على موقع المعهد، إنه لاحظ أن شهر يناير/ كانون الثاني قد شهد تزايدا في توجه وزراء خارجية بلدان الشرق الأوسط إلى الصين، مضيفا "من قام بهذه الزيارات هم وزراء الخارجية وليس وزراء التجارة أو الاقتصاد، ما يشير إلى تحول كبير في الاهتمام تجاه الصين."
ويقول إن الأمر جاء بعد سنوات كانت العلاقات بين الصين وبلدان الشرق الاوسط تقول على "الاقتصاد"، مضيفا بأن الأحداث الأخيرة "أوضحت أن حقبة جديدة قد بدأت (في علاقات هذه الدول بالصين) مع التركيز أكثر على القضايا الجيوسياسية".
وقد يدخل في هذا السياق تزايد التعاون العسكري بين السعودية والصين، إذ ذكر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في فبراير/ شباط أن عمليات نقل الأسلحة الصينية إلى السعودية ارتفعت بنسبة 386 بالمائة بين عامي 2016 و2020 حيث باعت الصين في البداية صواريخ باليستية للسعودية ثم ساعدت الرياض على إنتاجها محليا.
يشار إلى أن الصين تستفيد من رفض الولايات المتحدة التعامل مع بعض قادة المنطقة، وفقا لما ذكره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية عام 2019. وأضاف المجلس بأنه "لدى العديد من الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط ولع بالنموذج الصيني للرأسمالية الاستبدادية، حيث ترى أن التعاون مع الصين يمكن استخدامه لمواجهة الضغوطات الغربية في قضايا الحوكمة وحقوق الإنسان".
نهاية حقبة الدولار؟
يشار إلى أن اقتراح السعودية بقبول اليوان الصيني بدلا من الدولار في مبيعات النفط للصين ليس وليد اللحظة، إذ اقترحت الرياض الأمر ذاته قبل أربع سنوات.
ويرى الخبراء أنه حتى في حالة تنفيذ هذه الأمر فإنه من غير المرجح أن يؤثر بشكل كبير على أسواق الصرف الأجنبي على المدى القصير وحتى المتوسط. خاصة مع استمرار تسعير معظم المعاملات النفطية بالدولار، فيما ستتطلب عملية التحول إلى اليوان الكثير من الوقت فضلا عن تعقيدها.
ويرى الخبراء أنه حتى في سداد كافة المعاملات التجارية بين السعودية والصينية باليوان، فإن حجم التعاملات لن تتجاوز حوالي 320 مليون دولار (289 مليون يورو) في يوم العمل الواحد، فيما يبلغ إجمالي التجارة بالدولار الأمريكي في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 6,6 تريليون دولار (6 تريليون يورو) في يوم العمل الواحد.
ورغم ذلك، فإن هناك مخاوف على المدى الطويل من ظهور نظام عالمي موازٍ لتبادل العملات الأجنبية باستخدام اليوان الصيني كعملة بديلة، خاصة وأن الهند تدرس استخدام اليوان في مشترياتها النفطية من روسيا للحيلولة دون الوقوع تحت طائلة العقوبات الغربية.
كاثرين شاير / م ع