اليد العاملة الأجنبية المتخصصة لم يعد يغريها العمل في ألمانيا!
١٥ يونيو ٢٠١٣لم يكن ماردوميل كيلو مليكور، الذي كان يعمل في السفارة الفليبينية في المملكة العربية السعودية، يتصور أن عمل الفلبينيين في ذلك البلد سيكون محفوفاً بالمخاطر، كضرب الخادمات أو اغتصابهن من طرف مشغليهم السعوديين. كما لم يكن يخطر على باله أن يصل الأمرُ إلى إفراغ البنزين على إحدى الخادمات وإشعال النار في جسمها ما عرضها لحروق خطيرة.
فمنذ الأزمة الاقتصادية التي عرفتها السبعينات من القرن الماضي، هاجر العديد من الفليبينيين ذكوراً وإناثاً إلى دول الخليج للعمل في البيوت أو في أوراش البناء. وعلى الرغم من المجهودات التي تقوم بها السلطات السعودية والفليبينية لتوفير أجواء عمل لائقة إلا أن سوء معاملة العاملات والعمال الفليبينيين ليست ظاهرةً نادرةً بل منتشرةً. ويقول ماردوميل كيلو مليكور مُحركاً كتفيه أنه سعيد لمغادرة السعودية رفقة عائلته إذ يعمل الآن قنصلاً عاما لبلده في العاصمة الألمانية برلين.
اتفاقية جلب اليد العاملة الهندية إلى ألمانيا
يقول كيلو مليكور: " نتوصل بالعديد من الطلبات من الفلبينيين الذين يرغبون في العمل في ألمانيا". ففي شهر مارس / آذار من العام الجاري وقعت ألمانيا مع الفلبين على "اتفاقية وساطة" لتسهيل قدوم اليد العاملة الفيليبينية للعمل في ألمانيا. وحسب هذه الاتفاقية يكون باستطاعة الوكالة الاتحادية للتشغيل انتقاء الممرضات الفليبينيات في بلدهن واستقدامهن إلى ألمانيا. فمنذ عشر سنوات تهاجر الممرضات والمعالجات ذات تأهيل جيد خارج الفلينيين للعمل. ويقول كيلو مليكور إن الوجهة المفضلة لهن هي بالتحديد كندا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وحسب كيلو مليكور فإن الدافع إلى توقيع اتفاقية جلب اليد العاملة الفليبينية المتخصصة إلى ألمانيا هو الضغط الذي تعرفه المستشفيات الألمانية ودور الرعاية الصحية التي تعاني نقصاً في اليد العاملة وصعوبة إيجادها. فبناءً على معطيات للوزارة الاتحادية للعمل والقضايا الاجتماعية فإن هناك حوالي عشرة آلاف مكان عمل شاغر في المجال الصحي بينما ينقص في ألمانيا مُرشحون مناسبون لشغلها بسبب صعوبة ظروف العمل والأجرة القليلة.
انتقادات لشروط الانتقاء
ولسد النقص الحاصل في المجال الصحي تسعى الحكومة الألمانية لجلب يد عاملة أجنبية متخصصة. فبالإضافة إلى الاتفاقية الموقعة مع الفليبين وقعت الحكومة الألمانية في مارس/ آذار من العام الحالي اتفاقية مع الهند يتم بمقتضاها تدريس اللغة الألمانية في المدارس الهندية وهو ما سيتم القيام به في المدارس الفليبينية أيضاً، لأن الحصول على تأشيرة للعمل في ألمانيا يتطلب معارف لغوية جيدة باللغة الألمانية. لكن كيلو مليكور يرى أن ألمانيا تضع عقبة كبيرة بسبب شرط إتقان اللغة الألمانية. ويشرح رأيه بالقول " في حال اشتراط مستوى جيد في اللغة الألمانية على المترشحين فإن ألمانيا لن تتمكن من استقدام الممرضات المتمرسات بل ممرضات الدرجة الثانية". وبدوره يوافق آجيت كوبته، نائب القنصل العام للهند في برلين، كيلو مليكور نفس الرأي. ويقول كوبته " العمل في ألمانيا لا يجذب الهنود". فالعديد من الكفاءات الهندية العاملة في ألمانيا التي تحدث معها ترغب في العودة إلى الهند لأنهم لا يشعرون بالارتياح في ألمانيا. وعلى الرغم من مرور سنوات على إقامته في ألمانيا فإن أولائك الهنود ينظرون إلى الألمان على أنهم " معارف وليسوا أصدقاء".
بالإضافة إلى صعوبة شروط الهجرة إلى ألمانيا والتي تأتي اللغة الألمانية في مقدمتها فإن العديد من الشواهد العلمية الهندية غير مُعترف بها في ألمانيا، غياب رواتب مُغرية وأيضا ارتفاع نسبة الضرائب التي تقتطع من الرواتب في ألمانيا ( 40 بالمائة مقابل 10 إلى 20 بالمائة في الهند). وكل هذه العوامل تجعل الهنود يرغبون في العمل في بلد آخر غير ألمانيا.
عقبات بيروقراطية
يعمل ليندار هولفيك في هامبورغ عند شركة لاستقدام اليد العاملة للقيام بتدريب عملي في ألمانيا خصوصاً في مجال رعاية المسنين والمرضى. ويصف الإجراءات الإدارية المتبعة لتنظيم سفر العاملين الذين تم انتقاؤهم بالقول " إنها رحلة شبيهة بروايات كفافكا". ويضيف ليندار هولفيك أنه على الرغم من أن بعض الإدارات ووكالات التشغيل تقوم بدعمه وتسهيل المأمورية عليه إلا أن البعض الآخر يفرض عليه إجراءات إدارية معقدة. ويضف أنه اضطر للإنتظار عدة أسابيع للحديث مع مسؤولة عن أحد أقسام التشغيل في ألمانيا للإستفسار عن إمكانية الاعتراف بشهادة لعامل متخصص من الهند من عدمه، ويستغرب هولفيك ذلك التماطل رغم سعي ألمانيا لسده عبر جلب اليد العاملة الأجنبية المتخصصة.
مهاجرون يستثمرون في الوطن الأم
تعمل إيلين بوبارسهايم في منظمة "بوصلة" وهي منظمة لمساعدة الشباب المهاجر الراغب في العودة إلى البلد الأصلي في إنشاء مقاولات. وترى أنه من بين المشاكل التي يواجهها المهاجرون في ألمانيا: صعوبة الوصول إلى المراكز العليا من المسؤولية في سوق الشغل. وبالنسبة لإيلين بوبارسهايم فألمانيا هي الخاسرة من عودتهم. في المقابل تستفيد الدول الأصلية من عودة هذه الكفاءات خصوصا وأن استثماراتهم تكون لها مظاهر اجتماعية وهو ما يساعد على زرع أفكار ديموقراطية في تلك الدول السائرة في طريق النمو.
أما كيلو مليكور فيرى أن الاندماج في ألمانيا ليس سهلاً عكس ما يُقال. ويضيف أن النساء القادمات إلى ألمانيا للعمل سيرجعن إذا كانت ظروف العمل غير جيدة. فالخصاص الموجود في اليد العاملة المتخصصة لا يقتصر فقط على أوروبا أو أمريكا بل شمل الصين أيضاً.