أمريكا تغادر سوريا وتضحي بحلفائها الأكراد – من المستفيد؟
٢٠ ديسمبر ٢٠١٨خطوة محفوفة بالمخاطر تُقدم عليها الولايات المتحدة بعد قرارها الانسحاب من سوريا. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء، رسميا بدء سحب قوات بلاده من سوريا قائلا :"بعد الانتصارات التاريخية ضد داعش، حان الوقت أن يعود شبابنا العظيم إلى الوطن".
قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن حذرت من القرار وأشارت في بيان لها إلى أنه "سيخلق فراغا سياسيا وعسكريا في المنطقة وسيترك شعوبها بين مخالب القوى والجهات المعادية".
القرار يأتي بعد وقت وجيز من إعلان تركيا نيتها شن عملية عسكرية في مناطق شمال شرق الفرات وما تلاه من تحذيرات دولية منها تحذيرات وزارة الدفاع الأمريكية نفسها، وذلك في منطقة قدم فيها الأكراد تضحيات كبيرة لقتال التنظيم الإرهابي داعش. فما سر توقيت هذه الخطوة الكبيرة؟ وماذا ستعني بالنسبة لمصير الأكراد ومستقبل سوريا ككل؟
إردوغان المستفيد الأكبر
لطالما كان موضوع الأكراد في سوريا نقطة خلاف بين واشنطن التي تدعم وحدات حماية الشعب الكردية في الحرب على داعش، وتركيا التي تعتبر هذه الوحدات مجموعة إرهابية وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور. ويبدو أن قرار ترامب الأخير سيذيب بشكل أكبر الجليد في العلاقات إذ لم يعد أمام الأتراك الآن أي عقبة في طريقهم إلى شرق الفرات بعدما حذرت وزارة الدفاع الأمريكية أنقرة من القيام بأي عمل عسكري أحادي الجانب في منطقة تتواجد فيها قوات أمريكية.
محمت تانريفيردي، نائب رئيس الجالية الكردية في ألمانيا عبر عن اندهاشه من هذا القرار قائلا "كنا نتوقع أن يحدث ذلك على المدى البعيد، لكن لم أعتقد أن الأمور ستسير بهذه السرعة. في غضون ثلاثة أشهر يجب أن تنتهي عملية انسحاب القوات الأمريكية من المناطق الكردية. هذا الانسحاب لن يجلب أبدا حلا لمشكلة الأمن في المنطقة".
ترامب لم يُخف، وذلك في عدة مناسبات، نيته الانسحاب من سوريا. مع ذلك دخلت واشنطن في مواجهات وتوترات مع الأتراك بسبب موضوع قوات سوريا الديمقراطية وهو موضوع تعتبره أنقرة مسألة أمن قومي. رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان يقول في تصريحات لـ DW عربية إن القرار يأتي أساسا لإرضاء أنقرة التي تريد التدخل في منطقة شرق الفرات. لكن ماذا تغير لدى تركيا حتى يسعى الأمريكان الآن لإرضائها؟ يرى الخبير السوري أن الأتراك أصبحت لديهم أوراق أخرى قوية منها موضوع الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالإضافة إلى مسألة تواجد المجموعات الإرهابية داخل سوريا. ولكل عبد الرحمن يرى أن أكبر مستفيد من القرار الأمريكي هو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وتدخلت تركيا بالفعل خلال العامين الماضيين لطرد وحدات حماية الشعب ومقاتلي الدولة الإسلامية من منطقة تقع غربي الفرات. ولم تستهدف بعد أي منطقة شرقي النهر لأسباب من بينها تفادي المواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية.
من جهته يرى غيدو شتاينبيرغ الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط بأن قرار ترامب سيمكن نظام الأسد من أن يعتبر هذا الانسحاب نجاحا كبيرا له، فعلى مر السنوات الماضية لطالما كرر الأسد وأتباعه هدفهم باستعادة السيطرة على كل سوريا دون استثناءات، "وكان الأمريكان بالخصوص أكبر عقبة أمام الأسد فيما يتعلق باسترجاع المناطق الكردية في الشمال والشرق. الآن النظام لديه فعلا فرصة لاستعادة كامل الأراضي السورية في السنوات القليلة المقبلة".
النظام من ورائهم والأتراك من أمامهم
وعن أبرز تداعيات هذا القرار يقول عبد الرحمن إنه خطير على كل المستويات فمن جهة سيزيد حالة الفوضى وسيقوي تنظيم داعش بشكل كبير خاصة مع العلم أن هناك 1500 مقاتل من التنظيم مازالوا موجودين بالإضافة إلى آلاف الخلايا النائمة، كما أنه سيعزز النعرة العرقية بين الأكراد والعرب ويعمق الانقسام.
وقد صرحت تركيا اليوم بعد قرار ترامب وتعليقا على عمليتها المقبلة بالقول إن المسلحين الأكراد شرقي نهر الفرات في سوريا "سيُدفنون في خنادقهم في الوقت المناسب".
وتبقى الآن الخيارات المطروحة أمام الأكراد قليلة. أحدها حسب عبد الرحمن هو اللجوء إلى دول التحالف الأخرى وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ولكن الخيار المطروح الآن على أرض الواقع هو تسليم مناطق نفوذهم إلى النظام السوري لأن غير ذلك سيعني وقوع مجازر كبيرة في مناطقهم، وبالفعل بدأت اليوم محادثات بين دمشق والأكراد بهذا الخصوص، كما يقول الخبير السوري.
وحول ما يروج عن أن قوات سوريا الديمقراطية تخطط لتسليم الشريط الحدودي لبيشمركة روج المتمركزة في كردستان العراق تجنباً للاجتياح التركي المتوقع، أجاب مصطفى بالي مدير المركز الإعلامي لـ"قوات سوريا الديمقراطية "مصطفى بالي لـ DW عربية قائلا "لم يُطرح هكذا طرح على طاولة البحث. وقوات بيشمركة روج تتبع وزارة البيشمركة وبالتالي هي قوات عراقية في مسماها الرسمي على الأقل. الغزو التركي يستهدف الكرد بكل مسمياتهم بما فيهم البيشمركة الذين تربطهم علاقات مع الأتراك".
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جانبه اعتبر أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا "صائب"، مضيفا أن موسكو لم تر بعد ما يشير إلى بدء هذا الانسحاب. في هذا السياق يقول عبد الرحمن إن روسيا قد تقدم ضمانات للأكراد بتقديم حماية لهم إن سلموا فعلا أراضيهم للنظام لكن وعود موسكو لا يمكن أخذها على محمل الجد لأنها سبق أن وعدت بأمر مشابه ولم تلتزم.
الكاتبة: سهام أشطو