الهيب هوب: مقاومة العنف بالفن
انتشر فن الهيب هوب مؤخراً في كل أنحاء العالم، وتحول إلى ثقافة أكثر منه مجرد موسيقى، وأصبح اليوم أسلوب حياة لكثير من الشباب، حيث يتميز هواة هذا الفن في ملابسهم ومصطلحاتهم وتعبيرهم عن أنفسهم. وتتميز كلمات أغاني الهيب هوب بطابعها الإنساني واهتمامها بقيم هامة مثل السلام والتسامح واحترام الآخر ومعرفة الذات ومقاومة العنصرية التي كان السود يعانون منها بشدة في الولايات المتحدة عندما روج مغني الراب بامباتا إلى هذا الفن. وكان هدف بامباتا الأول هو مساعدة الأطفال الأفارقة من الخروج من دائرة العنف المنتشرة في "الجيتو" الذي يعيشون به، والذي يحولهم إلى عصابات.
نشأة الهيب هوب
يعتبر الهيب هوب حركة ثقافية فنية، ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت في العالم كله. والهيب هوب فن شعبي يجمع بين عدة عناصر، أنشأه الأمريكيون ذوي الأصول الأفريقية مع أولئك القادمين من بورتوريكو وجامايكا في نيويورك في أوائل السبعينات. ويطلق لفظ الهيب هوب على أغاني الراب، حيث يحكي الفنان قصصاًً نابعة من حياته الخاصة، مع جزء خيالي بالطبع، في أغاني ذات إيقاع سريع ومتميز ويعتمد على بعض التقنيات الخاصة في كلمات ذات سجع أو قافية كما يصاحبه الرقص المميز له. وكثيراً ما يختلط الأمر بين الراب والهيب هوب وإن كان الراب هو فقط أحد الجوانب الأربعة الأساسية المميزة للهيب هوب. والراب يطلق على ما كان يسمى الإم سي Master Ceremony أو"قائد الاحتفال"، وهو عادة الشخص الذي يقدم العازفين في حفل ما، ويتكلم مع الجمهور وهو المسئول عن استمرار العرض به.
وينبع اللفظ من تقاليد الكنيسة الكاثوليكية، حيث كان هذا الشخص هو المسئول عن تنظيمات القداس وتدريبات الكورال خاصة في حفلات الأعياد. ومنذ أوائل السبعينات أصبح هذا اللفظ "الإم سي" مرتبطاً بفن الهيب هوب وتغيرت التعبيرات التي يمثلها هذا الاختصار وأصبح أشهرها هو " المتحكم في الميكروفون أو Microphone Controller."
أما العنصر الثاني من عناصر هذا الفن فهو الدي جي DJ وهو اختصار لتعبير "فارس الاسطوانات" وهو الشخص الذي يغير اسطوانات الأغاني أثناء الحفلات المختلفة كما يمثل رقص الانطلاق أو Breaking dance جزءاً أساسياً من هذا الفن وهو الرقص المميز له، حيث يتحرك الراقص بكل رشاقة على رأسه وبطنه ويديه. وربما يغيب عن البعض انتماء فن الجرافيتي إلى ثقافة الهيب هوب وإن كان أحد جوانبه الأساسية. والجرافيتي هو فن الرسم أو الكتابة على الحوائط، وهو فن يرجع إلى العصر الروماني، ولكنه اتخذ شكلاً حديثاً وأضفى على فن الهيب هوب طابعاً مرئياً خاصاً. كان الدور الأساسي في بداية ظهور هذا الفن هو دور الـ"إم سي" الذي يهيئ دخول الـ"دي جي" والموسيقى ، فكان دوره مقتصراً على التحدث مع الجمهور بين الفقرات المختلفة وإلقاء النكات والقصص المسلية وتشجيعهم على المشاركة في الرقص،وهو ما سمي بالراب. وبعدها اندمجت العناصر كلها لتكون بداية لفن مستقل بذاته هو الهيب هوب. ويمكن اعتبار أغاني الهيب هوب مصاحب بالموسيقى والرقص. وتختلف الآراء عن أصل كلمة الهيب هوب، حيث يرجعها البعض إلى لوفبوج ستارسكي ويرجعها آخرون إلى دي جي هوليوود وكلاهما من مؤسسي هذا الفن.
الهيب هوب على هامش كأس العالم 2006
ومن الولايات المتحدة، انتشرت موسيقى الهيب هوب في العالم، وزادت شعبيتها بين الشباب، فأصبحت ظاهرة منتشرة بين الشباب الأوروبي، ومن بينهم الألماني، لذلك اهتمت ألمانيا بإقامة مسابقات عالمية للهيب هوب. وقد أقيمت في أول شهر سبتمبر/أيلول بطولة عالمية سنوية تقام للمرة الثالثة في مدينة بريمن، كما اهتمت مدينة لايبتزيج أيضاً بإقامة بطولة عالمية بدعم من المؤسسة الثقافية التابعة لرابطة كرة القدم الألمانية تعبيراً عن انفتاح ألمانيا على هذه الثقافة الشبابية، وتعد هذه البطولة من البرامج الثقافية الأساسية المصاحبة لكأس العالم 2006. ويعبر نوربرت زايلر منظم هذا الحدث عن سبب هذا الاختيار قائلاً: "عندما يعد الشخص البرامج الثقافية المصاحبة لكأس العالم، فعليه بالتفكير في ثقافة الشباب، والهيب هوب اليوم أصبح ظاهراً في جوانب متعددة من حياة الشباب. فكل الشباب يلبسون هذه الثياب الواسعة ويتكلمون بهذه الطريقة. على ألمانيا أن تظهر كدولة منفتحة لثقافة الشباب وفنهم".
الهيب هوب في العالم العربي
وقد أصبح للهيب هوب هواته في العالم العربي خاصة في المغرب، حيث انتشرت فرق الهواة والذين يشكون من رفض المجتمع والانتقاد اللاذع أو التجاهل من جانب وسائل الإعلام. وهو الأمر الذي ظهر بوضوح أثناء مهرجان "البولفار" العالمي الذي أقيم في الدار البيضاء في شهر يونيو/حزيران الماضي، في حضور شبابي ضخم وغياب إعلامي يدعو إلى التساؤل. ويعبر أحمد وهو شاب مغربي عن غضبه من الحكم الذي يطلقه الناس على هواة الهيب هوب بسبب ملابسهم، كما يعترض على عدم التعاون الإعلامي، فقد كون أحمد مع مجموعة من أصدقائه فريقاً ولكنهم لا يجدون أي تشجيع وعن هذا يقول: "ليس هناك أي تشجيع، فلا يمكن مثلاً تشجيعنا عن طريق تصوير فيديو كليب أو حتى الترويج لاسطواناتنا، إن كلمات الأغاني كلها تدعو للسلام والتسامح، ولكن الناس تحكم فقط بالشكل." ولا يقتصر الأمر على المغرب، فالكثير من الشباب الفلسطينيين أيضاً يسعون إلى التعبير عن سعيهم للسلام عبر هذا الفن المتمرد الذي أقامه الشباب لمقاومة العنف عن طريق الفن.
سمر كرم