"الهوليغانز الجزائري" في مونديال البرازيل
١٤ يونيو ٢٠١٤وصلت الأفواج الأولى لمشجعي المنتخب الوطني الجزائري إلى البرازيل، وسط تصاعد التخوّف من شغب أنصار المنتخب، إذ لايزال ماثلا في الأذهان ما حدث في سويسرا، أثناء المباراة الودية بين الجزائر ورومانيا، حيث نزل الجمهور إلى الملعب، سواء أثناء المباراة أو عقب نهايتها، بالإضافة إلى رمي قارورة على الحكم المساعد، ما تسبّبت في توقف الشوط الأول دقيقتين قبل نهايته. ولمنع تكرار ما حدث خلال هذه المباراة، عمد الاتحاد الجزائري لكرة القدم إلى توجيه تعليمات صارمة للمشجعين الذين من المتوقع أن يتعدى عددهم 4 آلاف مشجع، لمنع حدوث ما يمكن أن يؤثر على تحضيرات التشكيلة الوطنية خلال الفترة التي تسبق أول مباراة أمام بلجيكا يوم 17 حزيران / يونيو بملعب "مينيراو" بمدينة "بيلو هوريزونتي، والمقابلات التي تليها. وحذر محمد روراوة، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، من تكرار أحداث الشغب، التي شهدتها مباراة الخضر، وقال روراوة في تصريحات صحفية، إن "ما حدث خلال تلك المباراة أمر سيئ للغاية، أتمنى من الجماهير أن تقدم مثالًا طيبا في المونديال، وأن يساندوا لاعبيهم بشكل جيد". ووجه في هذا الاطار جمال الدين عمر بن نعوم، السفير الجزائري في البرازيل، رسالة إلى أنصار "محاربي الصحراء"، حيث طالبهم بأن يكونوا "أحسن سفراء للجزائر في البرازيل، وأن يتركوا أفضل صورة عن الجزائر طوال فترة إقامتهم في البرازيل.."، خاصة في ظل الإجراءات والتسهيلات التي وفرتها السلطات العمومية لنقلهم إلى بلاد السامبا وضمان أمنهم فيها.
الشغب.. علامة جزائرية مسجلة
وتلازم ظاهرة الشغب والعنف الجمهور الجزائري (الهوليغانز) في كل ملاعب البلاد وخارجها، ولم تنجح الإجراءات القانونية الردعية والمبادرات الشبابية، وجمعيات الأنصار في لجمها، بل لاتزال تنتشر وتتوسع من سنة إلى أخرى. وكشفت آخر الاحصائيات لمديرية الأمن الوطني أن حصيلة العنف في الملاعب الجزائرية خلال الموسم الكروي 2013/2014، كانت ثقيلة جدا حيث تم إحصاء 142 حادثا، وسقوط 600 جريح ـ من بينهم 400 من أفراد الشرطة ـ وتوقيف 314 شخصا. هذا بالإضافة للخسائر المادية الكبيرة التي تخلفها أعمال الشغب داخل الملاعب وخارجها سواء للمؤسسات العامة أو أملاك الأفراد.
ويعرف جمهور الكرة الجزائرية بشغفه بأخبار ومباريات منتخب بلاده ومرافقته له في كل جولاته داخل البلاد وخارجها. ويبرر بعض المراقبين ما يحدث من فوضى وأعمال شغب واجتياح الميادين خلال لقاءات المنتخب الوطني، بأنه تعبير عن الترابط القوي بين شباب الجزائر وفريقهم، والذي يعتزون به، ويعتبرونه المصدر الوحيد لفرحهم وانتصاراتهم وسط الخيبات الكثيرة التي يعيشونها في السياسة والاقتصاد والثقافة، وما اجتياح ميدان الملعب إلا تعبير فقط عن فرحة الأنصار بجاهزية المنتخب العربي الوحيد لخوض مونديال البرازيل.
و استنكر الجمهور الجزائري التوصيفات التي أطلقت عليه مؤخرا من قبل الصحافة العالمية، وبعض الجرائد المحلية، حيث يقول أحمد سويسي، المناصر الوفي للمنتخب وفريق مولودية الجزائر، "كان على الجميع الافتخار بهذا الجمهور، الذي يتحمل المشاق لمؤازرة فريق بلاده، ولو كانت هناك بطولة عالمية لأحسن جمهور، لفاز بها جمهور الجزائر" وأضاف أحمد لـDW عربية، "يوسفنا أن ينظر إلينا القائمون على الكرة بهذه الدونية. فنحن من صنعنا أمجاد الكرة الجزائرية في مونديال 2010 وتصفيات 2014، ومناصرتنا للفريق الوطني كانت أكبر دفع لانتصاراته، فلماذا يتنكرون لجميل عشاق رفاق بوقرة".
فيما يرى عيسى سلماني مناصر اتحاد الحراش، أن عشق الجمهور الجزائري لكرة القدم، جعلته يدخل في حالات هستيرية سواء فرحا بالفوز أو انتقاما للهزيمة، وأضاف لـ DW عربية أنا لا أبرر الشغب في الملاعب، لكن ماذا تنتظر من شاب يعيش أزمات متعددة ومعقدة في حياته اليومية، وليس له فضاءات للتعبير عن نفسه سوى ملاعب كرة القدم للتنفيس عن همومه".
بينما يرفض سفيان مرابط، الطالب الجامعي، سلوك مشجعي بلاده، ويعتبرها إساءة لجميع الجزائريين في الخارج والداخل، ويضيف سفيان بأن "الدليل على هذا هو الرفض الذي يلاقيه المنتخب من إجراء تربصات أو لقاءات في أغلب البلدان الأوروبية. خوفا من العنف والشغب الذي يثيره هؤلاء، وهو سلوك بعيد عن قيم ومبادىء الشعب الجزائري والرياضة الأكثر شعبية في العالم".
رفض الواقع وإثبات الوجود
ويعتقد علي شبيطة، أستاذ علم الاجتماع، بأن ظاهرة الشغب في الملاعب لها أبعاد اجتماعية ونفسية، يجب على السلطة والقائمين على الرياضة معالجة أسبابها قبل الحديث عن نتائجها، ويضيف أستاذ علم الاجتماع بجامعة سطيف لـ DW عربية أن "مظاهر العنف والشغب في الملاعب هي إحدى وسائل التعبير القوية عن الاستيء من الأوضاع المعيشية، وموقف من السلطة وممارساتها، والتي نجد دلائلها في الأهازيج والأغاني التي يرددها الجمهور والمناهضة في أغلبها للسلطة ومؤسساتها". وبخصوص الشغب الذي يقوم به الأنصار في الدول الأوروبية، فيرى شبيطة بأنها تعبير أيضا عن الوجود في المجتمعات الأوروبية، حيث أن أغلب هؤلاء من الشباب المهاجر بطريقة غير شرعية، ولم يندمج بعد في ثقافة هذه البلدان، ويجد في مقابلات كرة القدم الفرصة لإثبات وجوده بطريقة –للأسف- سلبية.
وينفي علي بهلولي، الصحافي بجريدة الشروق، التهم التي توجه لأنصار المنتخب الجزائري، بل أشاد بهؤلاء الذين "يتكبدون مشاق السفر بأموالهم الخاصة لمؤازرة المنتخب في جميع أنحاء المعمورة" ويضيف أنه بالرغم من تورط هذا الجمهور في "حماقة إثارة الشغب، إلا أن هذه الخصلة لا ينفرد بها الجمهور الجزائري، فهي تنسحب على جميع الجماهير العربية ودول البلقان، وأمريكا اللاتنية (الأرجنتين والبرازيل)، وحدث ولا حرج عن " الهولينغانر" الانكليزي" ويحمل بذلك صحفي الشروق الجهات المنظمة لمثل هذه المباريات، والوفد الذي يرافق المنتخب بأموال الدولة بحجة توعية أنصار الخضر وتأطيرهم "رغم فشل هؤلاء في أداء وظيفتهم ومهامهم".
الاعلام .. والإعلام البديل
ويرى الصحافي مسعود هدنة، أن الإعلام يتحمل جزءا من المسؤولية في تهييج المناصرين، والإشادة بهم رغم التصرفات غير المقبولة، التي يقومون بها على المدرجات أو أرضية الميدان، "فالإعلام يلجأ إلى الشعبوية من أجل تحقيق مقرؤية أو مشاهدة أكثر الفئات في المجتمع، ويستعمل مصطلحات الشارع لكسب ود الجمهور، ويدفع في كثير من الأحيان الجمهور الرياضي لاتخاذ الشغب والعنف أداة للتعبير عن الفوز أو الخسارة". ويضيف ا هدنة لـDW عربية بأن "التقليل من خطورة الظاهرة من قبل الإعلام الجزائري يزيد في استفحالها" ويقترح هدنة على الجهات الوصية واللجوء إلى الإعلام البديل وشبكات التواصل الاجتماعي للقيام بحملات توعية حول الظاهرة وكيفية مواجهة أصحابها، "لأن هذه الشبكات أصبحت أكثر تأثيرا من الإعلام التقليدي الذي يسعى فقط إلى إرضاء جمهوره دون أن ينتقد تصرفاته" ويضيف "هذا ما لمسناه في تغطية الاعلام الجزائري لأحداث الشغب الأخيرة".