النووي الإيراني .. معادلات إقليمية قد تتغير بعد خروج أمريكا
٩ مايو ٢٠١٨لم يخيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوقعات وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، مؤكداً على المرور بممحاة على إرث الرئيس السابق باراك أوباما. فالاتفاق الذي انتظره العالم أملاً في تهدئة المخاوف من تطور القوى النووية الإيرانية وتنفس الكثيرون الصعداء بعد توقيعه صار أثراً بعد عين، وعادت المخاوف لتتجدد من تطوير إيران لقوتها النووية ما قد يدخل الشرق الأوسط في سباق تسلح نووي قد يتسبب في إشعال حرب تحرق الأخضر واليابس.
الدول العربية.. مواقف متباينة
عقب إعلان القرار الأمريكي تباينت ردود أفعال الدول العربية بين الترحيب الشديد والتحفظ. الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة قال خلال مقابلة مع DW عربية إن الارتياح للقرار صدر عن دول الخليج تحديداً فهي تشعر أن هذا الموقف أكسبها قوة معنوية في مواجهة إيران ورفع من معنويات حكامها وجعلها تأمل أن يؤدي إلى إضعاف النظام الإيراني ومن ثم التقليل من قدراته على ممارسة دور نشط في السياسة الإقليمية، مضيفاً أن هناك دول عربية أخرى استقبلت الأمر بشكل مختلف مثل مصر والجزائر وربما تونس والأردن والعراق".
موازين جديدة للقوى؟
يرى البعض أن القرار الأمريكي سيحد كثيراً من تمدد النفوذ الإيراني الذي بدا لفترة وكأنه غير قابل للحصر والتحديد، وهو ما يتفق معه العميد حسن الشهري الخبير العسكري والمحلل السياسي السعودي الذي قال خلال مقابلة له مع DW عربية أن "تقليم الأظافر بل وقطع الأذرع الإيرانية بدأ في مارس 2015 بعاصفة الحزم في اليمن ما جعل إيران تنهزم هناك أما في الشام فقد أصبح تواجدها هامشي ومن همشها هي روسيا التي استخدمتها في البداية"، متابعاً أنه في العراق بدأت صحوة للعودة إلى الحضن العربي "بعد أن جعلها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي محافظة إيرانية".
وأضاف الشهر أن السعودية كانت تدرك منذ البداية أن الاتفاق النووي مع إيران لم يكن يلبي أدنى شروط الأمن الإقليمي والدولي وأن السعودية سبق وأن نصحت حلفاءها بشأن هذا الاتفاق لكن الدول أطراف الاتفاق قدمت مصالحها على الأمن الإقليمي والعالمي متأخراً، وعاد ليحمل الرئيس الأمريكي السابق أوباما المسؤولية بشكل كامل عن منح إيران أهمية ودوراً أكبر في المنطقة ما سمح بتمددها في عدد من الدول العربية، متابعاً: "لذا لدينا في بلادنا عقيدة سياسية وهي أن إيران دولة معادية ولابد من مجابهتها وعليه تحركت السعودية دبلوماسياً وكانت الفرصة مواتية مع تبدل الرئاسة الأمريكية في واشنطن واستعاد الجانبان زمام المبادرة وبالتالي تغيرت موازين القوى".
لكن الدكتور مصطفى كامل السيد يختلف مع فكرة انحسار النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان واليمن، ويرى أن التواجد الإيراني سيتضاعف في هذه الدول التي يمتد إليها تأثير طهران لتكون ورقة في يدها تستخدمها إذا حدث أي تفاوض جديد حول الاتفاق النووي أو لحث الحكومة الأمريكية على العدول عن هذا القرار والتلويح لواشنطن بأن أي تصعيد للمواقف سيكون هو الثمن الذي على الولايات المتحدة أن تدفعه طالما أنها تخلت عن هذا الاتفاق لكن دون أن تبحث إيران وسط كل ذلك عن إثارة مشاكل كبرى بل بكل تأكيد فإن وجودها في هذه الدول لن يقل بل سيتعاظم.
إيران.. كيف يتصرف من أصبح ظهره للحائط؟
المرشد الإيراني علي خامنئي اعتبر أن قضية النووي الإيراني ليست إلا ذريعة و" أنهم الآن يطرحون مسألة تواجد إيران في المنطقة وقدراتها الصاروخية؛ وإن قبلنا بهذا الأمر أيضا فإن المسألة لن تنتهي، وسيطرحون مسألة أخرى"، فيما أشار الرئيس الإيراني خلال خطابه إلى أنه أصدر تعليمات لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية "للقيام بما هو ضروري". فهل يمكن أن تدفع كل هذه الضغوط المتصاعدة إيران إلى القيام بما يخشاه الجميع؟
يقول الدكتور مصطفى كامل السيد استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن بدء إيران في تطوير برنامج نووي عسكري يتوقف على مدى جدية الحكومة الأمريكية في تطبيق العقوبات ووضع حدود لهذه العقوبات، فهناك مصادر أمريكية تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستطالب الشركات المتعاملة مع إيران بوقف هذه التعاملات وإلا فإنها لن تحصل على تراخيص للتصدير إلى الولايات المتحدة إضافة إلى أنه إذا ما حاولت واشنطن فرض قيود على تصدير إيران للنفط أو الغاز الطبيعي واستجابت الدول الأوروبية بشكل ما، فيمكن هنا أن تلجأ ايران إلى أسلوب كوريا الشمالية وتمضى في تطوير سلاحها النووي وبرنامج الصواريخ لاستخدامهما كأداة للتفاوض، أما اذا لم يحدث ذلك فستحافظ طهران على الالتزام بالاتفاق النووي طالما لم تتأثر علاقاتها مع الدول الأوروبية بالموقف الأمريكي.
أما العميد حسن الشهري الخبير العسكري والمحلل السياسي السعودي فيرى أن "إيران استثمرت كل الوقت الماضي في تطوير برامجها العسكرية في ظل غياب شامل للدول الموقعة على الاتفاق كما ساعدت الأموال المليارية التي اُفرج عنها في زيادة هذه الأعمال"، إضافة إلى زيادة دعم الميليشيات في العراق والشام ولبنان واليمن بحسب رأيه، مضيفاً أنه إذا ما صعدت إيران من ردود فعلها فستجد نفسها في مهب الريح وستجبر أوروبا على الانضمام للموقف الأمريكي، وبالتالي "لا أرى من خيار أمام خامنئي إلا أن يتجرع كأس السم كما تجرعه سلفه خميني في نهاية الثمانينات".
إسرائيل.. رد فعل سريع واختبار للقوة
خلال أقل من 24 ساعة على إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي نفذت إسرائيل عملية عسكرية في سوريا أسفرت عن مقتل خمسة عشر بينهم 8 إيرانيين فيما يعد أسرع رد فعل، لكن هل يمكن أن تتطور الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك؟
يقول الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية إن رد الفعل الإسرائيلي الأقرب للواقع هو تكثيف الضربات على أماكن تمركز القوات الإيرانية في سوريا وقد يمتد ذلك إلى لبنان، أما مسألة شن غارات على مواقع نووية في الداخل الإيراني فهي أمر مستبعد لأنه ليس هناك موقع واحد فقط في إيران يتم فيه النشاط النووي وليس من السهل توجيه ضربات لكل هذه الأماكن.
فيما يرى العميد حسن الشهري أن التمدد الإيراني في سوريا ومن قبله لبنان من خلال الميليشيات يزعج إسرائيل كثيراً "واعتقد أن المؤشرات الحالية تشير إلى الاتجاه للعمليات العسكرية دون مستوى الحرب وليس الحرب أو العمليات الشاملة لبتر الأذرع الإيرانية، وقد تصل العمليات إلى الداخل الإيراني في شكل علميات جراحية".
ويختتم العميد حسن الشهري حديثه بالقول إن إيران دولة شديدة الهشاشة من الداخل وإن على العالم النظر بشكل آخر إلى الشعب الإيراني ومساعدته على تغيير هذه القيادة التي شوهت المنطقة ودعمت الإرهاب ولم تترك بلداً آمناً في الشرق الأوسط منذ عام 1979 وحتى اليوم - بحسب قوله.
عماد حسن