النمو الاقتصادي الدائم وتحقيق السعادة
٢٢ يونيو ٢٠١٢رفوف مليئة بالسلع الاستهلاكية المتنوعة داخل الأسواق التجارية، وتوفر أدوية حديثة وحجز رحلة سفر ثانية في السنة الواحدة، كلها أمور تساعد في تحقيق ناتج محلي إجمالي مرتفع يعكس قيمة السلع والخدمات التي تحققت في البلاد خلال سنة واحدة. وفي حال إنتاج كمية من سلع وبيعها أكثر من السنة الفائتة يرتفع أيضا مستوى الناتج المحلي الإجمالي، ويتم الحديث عن "نمو اقتصادي". وعلى هذا الأساس يعد الناتج المحلي الإجمالي في غالبية البلدان مؤشرا على مستوى الرفاهية والتطور.
لكن هذه العملية الحسابية لا تتضمن الخسارات المحتملة مثل وقوع حرائق كبيرة أو كوارث بيئية تقع أثناء أعمال استخراج المواد الأولية أو تصنيعها أو أثناء عمليات نقل. في حين يتم مراعاة إنتاج مواد التغذية وإنتاج الأسلحة في تقييم مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي لا تشمل عملية كشفه عن التشوهات الاجتماعية التي قد تصاحب حركة النمو الاقتصادي. وهذه كلها أسباب تدفع ألبيرتو أكوستا، وزير الطاقة السابق في دولة الإكوادور إلى توجيه الانتقاد إلى نموذج النمو القائم إلى حد الآن، وذلك حين قال: "النمو الاقتصادي لا يوازي التنمية. فكل شكل من أشكال النمو له تاريخ اجتماعي وبيئي. وهناك أشكال ايجابية وأخرى سيئة للنمو"
النمو الاقتصادي يغفل الجانب الروحي
وأوضح أكوستا أن الدول الصناعية لها منطق بشأن النمو يهدف فقط إلى تحقيق النمو بطريقة لا تتناسب مع الحاجيات الحقيقية لسكان بلدانها، وتتم على حساب الدول النامية. وهذا ما يدفع ألبيرتو أكوستا إلى الدعوة إلى التخفيف من وتيرة النمو.
لكن بترا بينتسلير، أخصائية في الشؤون الاقتصادية تقول إن الدعوة إلى التقليل من وتيرة النمو لا تزال من المحرمات في أوساط الاقتصاديين التقليديين، وتقول في هذا السياق :"أخصائيون تقليديون في علوم الاقتصاد ينطلقون من وجود نمو أبدي يرتفع مستواه باستمرار، في المقابل نجد أخصائيين آخرين يأخذون في الحسبان البيئة ينظرون إلى الاقتصاد كجزء من العالم، ولا يمكن لشيء ما أن ينمو بصفة أبدية في مجال محدود في الأرض".
ويمكن أيضا تحقيق النمو الاقتصادي من خلال توسيع قطاع الخدمات الذي يشمل كذلك صفقات تجارية تخضع لمضاربات واسعة، مما يجعل بترا بينتسلير، الأخصائية في الشؤون الاقتصادية تطالب بالكف عن المعادلة بين السعادة والثراء المادي، مشيرة إلى الاتعاظ بنتائج البحوث المهتمة بسعادة البشر التي يؤكد بعضها أنه مع بلوغ مستوى معين من الثراء المادي لا يمكن بلوغ سعادة أكبر فأكبر، فإذا توفر الشخص على ثلاث سيارات، فإن ذلك لا يعني أنه أكثر سعادة من الشخص الذي يملك سيارة واحدة.
دعوات للتخفيف من عجلة النمو الاقتصادي
ويتساءل غونتر شميت الأخصائي في الموارد الطبيعية حول ما إذا كانت الدول الصناعية فعلا متخمة، وهل يوجد مجال للتخفيف من وتيرة النمو. ويشير إلى أن ضعف النمو في اليونان أدى إلى تراجع حاد في مستوى الرفاهية والسعادة. ويدافع شميت عن فرضية أن النمو سيبقى أيضا في المستقبل محرك الاقتصاد العالمي: " سنحقق نموا كيفما كانت الأحوال. فبعد سنوات سيبلغ عدد السكان 9 مليارات نسمة في الأرض، إضافة إلى أن مستوى الأجور يرتفع في جميع البلدان، لاسيما في بلدان مثل الهند والصين. هؤلاء البشر سيقومون باقتناء سلع ومنتجات مختلفة. فمن سيجرؤ على منعهم من فعل ذلك".
في المقابل ُيلاحظ أن البلدان النامية بالتحديد تنطلق منها طلبات إلى حكوماتها تدعوها إلى وضع حد للوتيرة السريعة للاقتصاد العالمي. وتقترن تلك الطلبات باقتراحات مثل تعويض الناتج المحلي الاجمالي بعوامل أخرى مثل تدمير البيئة، الأمر الذي قد يخفف من الضغوط على الحكومات التي تتطلع لتحقيق النمو فقط. لكن الشكوك تحوم حول ما يسمى بالاقتصاد الأخضر الهادف لضمان نمو اجتماعي وبيئي مستدام، لأن البعض يخشى أن يتحول عامل البيئة إلى بضاعة ُتَسوق أيضا داخل البورصات العالمية كمؤشر اقتصادي.
كريستينا روتا/ محمد المزياني
مراجعة: حسن ع. حسين