النضال..رهان المرأة اللبنانية لتصحيح الأدوار
٢٠ سبتمبر ٢٠٢٠في مركز العاصمة بيروت، ووسط دخان الغاز المسيل للدموع، صوت يصدح بقوة: "نحن مقموعون في بلدنا"، إنه صوت امرأة ترفع شعارا يعرفه ويفهمه كل واحد في لبنان، لاسيما كل امرأة.
الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات ضد الفساد ونظام المحسوبية السائد، ثم الانفجار الهائل في مرفأ بيروت قبل شهر، كلها عوامل أغرقت لبنان في كارثة تلو الأخرى، ما دفع عددا كبيرا إلى الشوارع وميادين الاحتجاج.
ما يثير الانتباه النسبة العالية من النساء الناشطات، خاصة في ميادين الاحتجاج حيث يُظهرن ومن المقدمة كثيرا من الشجاعة والقوة. في ساحة الشهداء في بيروت نصف المتظاهرين من النساء، "الثورة كانت وماتزال أنثى"، تقول ليلى زاهد مبتسمة. ليلى في عقدها السادس وتحكي بفخر كيف أن النساء هن من توسط عدة مرات بين جنود مستعدين لإطلاق النار وبين متظاهرين غاضبين حتى لا يتفجر العنف. ومنذ بداية الاحتجاجات في الـ 17 من أكتوبر 2019 تشارك ليلى في كل مظاهرة تقريبا.
تدخل مرغوب
المشهد يتغير: بثقة مماثلة في النفس تقف الناشطة ميليسا فتح الله البالغة من العمر 42 عاما، أربعة أسابيع بعد الانفجار في مرفأ بيروت وسط مئات المتفرجين، وهي تصرخ في وجه مجموعة من الجنود: "أنتم لم تتمكنوا حتى من توفير رافعة؟ أنا سآتي لكم بواحدة".
وللرافعة قصتها، فحين رصد فريق إنقاذ من الشيلي نبضات قلب فوق حطام بيت دمّر إثر الانفجار، كانت بيروت بأكملها تأمل في حدوث معجزة. لكن عندما استُخدمت الرافعة، أراد الجيش وقف العمل والانتظار حتى الغد. غير أن مليسا فتح الله لم تشأ قبول ذلك ودبرت رافعة، وفي غضون ساعات قليلة أمكن مواصلة عمليات الإنقاذ. للأسف لم تحدث المفاجأة ولم يعثر على ناجين.
غضب ميليسا من رجالات الجيش والسياسة لا يوصف، "جيش لبنان والدولة لا يصلحان لأي شيء، ومنذ الانفجار يقومان بشيء واحد: القعود والثرثرة"، تقول ميليسا.
تطلع النساء في لبنان الذكوري إلى مشاركة فعلية، لم يكن قط وليد الأزمات الأخيرة. ففي هذا السياق رصد تقرير الأمم المتحدة ترشح 113 امرأة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، لكن كذلك بقي دور المرأة محصورا ومحاصرا.
الهروب أم الكفاح؟
"فقط عندما يظهر الكثير منا ويتم تسجيل حضورهن، حينها يمكننا التغيير"، توضح راندة ياسر، مؤسسة منظمة Smart-Center ومناضلة شغوفة من أجل حقوق النساء. بالتعاون مع زميلتها حنة ناصر تعمل الصحفية السابقة على تقوية النساء في البلاد من خلال "توعيتهن بما يمكنهن القيام به". تجربتها السابقة في وزارة التربية كمستشارة لقضايا النساء، أكسبتها العديد من الخبرات. وعن طريق التمدرس والتدريب تريد مساعدة بنات بلدها على تحقيق استقلال اقتصادي وعلى تجاوز عقبات سياسية واجتماعية يُشاع أنه لا يمكن تجاوزها.
مثل هذه المنظمات تلعب دورا مهما في البحث عن مخارج للأزمة خارج خيارات الهجرة، فالكثير من الشباب اللبنانيين ـ نساء ورجال ـ لم يعودوا يرون بسبب الوضع المتأزم مستقبلا لهم في لبنان ويريدون مغادرة البلاد في أقرب فرصة.
"حاليا أمام الكثيرين إمكانية أن تطير أم تكافح"، تقول حنة ناص مضيفة "لكننا نريد أن تتعلم النساء النضال ليصبحن طرفا في نظام جديد، عوض الاقتصار على شتم الحكومة أو مغادرة البلاد. هذه هي فرصتنا".
"يفاجئ ما يمكن أن نتوصل إليه"
من جهتها، أخذت سينتيا ماريا أراموني دربا مختلفا. فالمصورة والرسامة البالغة من العمر 31 عاما تنتمي إلى أولائك اللبنانيين الذين أداروا ظهرهم منذ مدة لبلدهم. غير أنها عادت من الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في الاحتجاجات ضد السياسيين الفاسدين وسياسة المحسوبية الطائفية. " ليس لدينا ما نخسره"، كما تقول.
سينتيا تكافح على غرار الكثير من الشباب في لبنان من أجل دولة علمانية ـ فتوزيع السلطة المتبع إلى حد الآن حسب طريقة توزيع ثابتة بين الشيعة والسنة ومختلف الطوائف المسيحية ومجموعات أخرى وجب إلغاؤه كما يرى المتظاهرون. وسينتيا فخورة بالمشاركة النسائية الكبيرة: "الرجال متعودون على رؤية النساء صامتات. لكننا اليوم نحن نتكلم، ونفاجئهم أحيانا بما يمكننا تحقيقه".
زينة شفايكله/ م.أ.م