النساء "ساحة" للصراعات الطائفية في مصر
١٩ سبتمبر ٢٠١٠عرضت المواقع الإخبارية المصرية مؤخرا شريطي فيديو كان الفاصل الزمني بينهما ساعات قليلة. الأول للفتاة المسيحية نسمة جمال أنور (من محافظة الإسماعيلية) التي أعلن عن اختفائها قبل أسبوع. ظهرت الفتاة بنقاب كامل قبل أن تخلعه وتشهر وثيقة إسلامها أمام المشاهدين، مؤكدة أنها لم تتعرض لضغوط أو ترغيب لاعتناقها الإسلام.
وبعد ذلك بساعات بثت المواقع نفسها شريطا آخر للسيدة كاميليا شحاتة تعلن فيه ثباتها على الديانة المسيحية. والأخيرة كانت عنواناً لتظاهرات ضخمة نظمتها القوى السلفية في مساجد مختلف المحافظات المصرية. كما قدمت باسمها بيانات لدى النائب العام لإجبار الكنيسة على الكشف عن مكانها بعد أن أشيع أنها أسلمت. التزامن بين الشريطين أشار إلى حرب إلكترونية بين قوى لا تكشف عن نفسها؛ قوى تستعمل النساء كحلقة أضعف لتسجيل انتصار سهل.
تعبير عن قيم الشرف؟
عن تلك الحرب يقول رامي رياض (موظف قبطي) إن "الصراع على النساء هو تعبير عن قيم الشرف المتأصلة في المجتمع المصري لدى المسلمين والأقباط على السواء". ويرى رامي أن تزايد النعرة الطائفية هو انعكاس للضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة على المصريين عموماً. وهناك "دول ومنظمات تقف خلف هذا. وإحباط الناس في المواجهة العالمية بين الإسلام والمسيحية يدفعهم لتسجيل انتصارات محلية الصنع".
ويعرف رامي فتيات كثيرات اعتنقن الإسلام في منطقة سكنه الأصلية (وكالة البلح، وسط القاهرة)، بل إن إحدى أقرب صديقاته أسلمت منذ سنوات بعد ارتباطها بشاب مسلم. يقول رامي: "ظلت لسنة منقبة، كنا نعرف أخبارها عن طريق أختها. ثم نزعت النقاب واكتفت بالحجاب فصرنا نراها في الشارع ونتكلم معها قليلاً. ورغم تحميلها الإسلام أسباب شقائها الحالي، إلا أنني أعتقد بأن مشاكلها لم تتغير؛ فالزوج المسيحي لن يضربها أقل من مثيله المسلم".
والعلاقات العاطفية، برأي رامي، تتغلب على ما يظهره الطرفان من تشدد أو التزام ديني. وحين سألته دويتشه فيله عن موقفه الشخصي لو عرف بعلاقة أخته العاطفية بمسلم صمت قليلاً قبل أن يرد: عاطفياً سأكون معها، واقعياً سأكون ضدها. لو كنا في "بلاد برة" هي حرة ، لكننا في مصر. والحل حسب رامي في علمانية الدولة التي تتيح وضعاً متساوياً لأتباع الديانتين. وعلى الصعيد الشخصي يشك رامي (القبطي) بأن فيديو كاميليا حقيقي، كما يشكك في صدق أي فيديو يوجد على الإنترنت.
المؤامرة على مصر خارجية
"عمي متزوج من مسيحية منذ 30 عاماً، وهو يوصلها إلى الكنيسة كل أحد". هكذا بدأ الحاج محمد عامر صاحب مقهى الندوة الثقافية بوسط العاصمة كلامه؛ هو يرى أن الدين عند الله يوم القيامة هو الإسلام، لذا "لن يعز على الإسلام في الحياة الدنيا تنصير الآلاف". وهو يجد تفسيرا لما يحدث في "المؤامرة على مصر"، فأمريكا "سبب بلاء المنطقة، هي من ترعى أقباط المهجر كما تروج للسلفيين الإسلاميين".
ويرى محمد عامر الخمسيني المتصوف أن الخطأ في موضوع "كاميليا شحاتة" بدأ من زوجها؛ لماذا يلجأ إلي الشرطة في أمر عائلي؟ كان يستطيع التحقق من مكانها دون كل هذا الضجة. ويربط بين نوعية هذه الأحداث وأماكن حدوثها في صعيد مصر حيث لازالت مفاهيم الشرف والعار متأصلة هناك. كما يعلن اندهاشه من "موضة إسلام الأقباط"، فهو يعرف العشرات منهم أسلموا منذ سنوات دون ضجة أو معارك، فالعلاقة بين المؤمن وربه محلها القلب ولا يحق لأحد التدخل فيها.
"النساء ساحة قتال"
وترى أميمة أبو بكر، المديرة التنفيذية لمؤسسة المرأة والذاكرة، أن النساء تم استخدامهن في هذا الأمر كما جرى عليه العرف في الصراعات السياسية. فمنذ ما يزيد عن قرن كانت النساء "ساحة قتال" في الصراع بين المحافظين والحداثيين، أو بين دعاة الاستقلال والتبعية. وحديثاً جرت إدارة الصراع حول "تسييس الحجاب" شرقاً وغرباً بنفس القانون؛ ناهيك عن الأسس الذكورية المتجذرة في الثقافة المصرية.
وعندما يتعلق الأمر بزوجة كاهن أي "ملامسة الشرف الأنثوي للرمزية الدينية" تصبح المعركة أقوى. كما أن ارتباك كل المؤسسات من الدولة إلى الكنيسة مرورا بالأزهر، في قضية كاميليا، سمح للشائعات والتأويلات بالانتشار لدى العامة.
"ذكورية نظام وكنيسة"
على الصعيد السياسي والاجتماعي يرى نبيل عبد الفتاح، رئيس مركز دراسات تاريخ الأهرام، أن ثورة المعلومات وديمقراطية الوسائط الجديدة أتاحت للمسلمين والأقباط إطلاق طاقات التعبير القصوى، مما أدى إلى زيادة التناقض بين ما يعلنوه في الفضاء الواقعي وما يعلنوه في الفضاء الافتراضي، وقد طغى الأخير لدرجة تأثيره في المقالات الصحفية والحراك الجماهيري.
ورغم ما في ذلك من سلبيات إلا أن إيجابياته عدة، فخروج أجيال جديدة من الشباب القبطي للتعبير العلني عما اعتادوا على إدارته بالهمس أو الشائعات، يعد علامة عافية، خاصة وأن الصوت القبطي مهمش منذ سنوات وجرى اختصاره في الحضور الرسمي للكنيسة أو الضغوط الخارجية لأقباط المهجر.
وفيما يخص تأنيث الصراع الطائفي، يرى مؤلف كتاب "سياسيات الأديان في مصر" أن تحرك الطرفين هو استجابة لإحساس القبيلة المجروحة في شرفها الشرقي؛ فذكورية العوام هي انعكاس لذكورية سياسات الدولة المصرية نفسها، وذكورة الجسد الكهنوتي والفقهي للمؤسستين الدينيتين في مصر.
أما عن المستفيد الأكبر من "فزاعة اختطاف المسيحيات" فهي، برأي عبد الفتاح، المؤسسة الكنسية؛ فتأجيج شعور القبيلة مهانة الشرف يساعدها على بسط هيمنتها الأخلاقية والكهنوتية على جمهورها. ومع تصميم تلك المؤسسة على تقييد علة الطلاق ورفضها الاحتكام إلى قانون الدولة تزداد هيمنتها على فضاء الأنوثة والذكورة.
هاني الدسوقي بدر ـ القاهرة
مراجعة: أحمد حسو