"الناس أدرى بحل مشاكل أحيائهم من الخبراء"
٩ أبريل ٢٠٠٧تعتبر التغيرات الاقتصادية التي تنمي الفوارق بين فئات المجتمع السبب الجوهري في خلق ما يسمى الأحياء الفقيرة "المهمشة" في المدن. ويرى البروفسور هارتموت هويزرمان أستاذ علم اجتماع المدن والأقاليم في جامعة هومبولدت الألمانية في برلين إن هذه الأحياء تنتشر بشكل خاص في المناطق التي يعاني قاطنيها من البطالة وعدم توفر الخدمات الأساسية، لا سيما بالنسبة للوافدين الجدد إليها، وخاصة من الأرياف. ويزيد من صعوبة الأمر حاجة سوق العمل إلى كفاءات عالية في الوقت الذي لا يتمتع فيه الوافدون بمستوى تأهيل جيد. وقال هويزرمان في محاضرة ألقاها بمعهد غوته في دمشق بتاريخ 19 مارس/ آذار الماضي إن الأحياء المهمشة ليست مشكلة تعاني منها البلدان النامية وحسب. فهي متنشرة كذلك في البلدان الصناعية بما فيها دول أوروبا الغربية كفرنسا وإيطاليا وحتى ألمانيا ، حيث تجمعت أعداد كبيرة من الفئات الاجتماعية غير المتجانسة، ويشكل العاطلون عن العمل والأجانب الذي يعانون من البطالة أيضاً القسم الأكبر من هذه الفئات.
وفي بعض البلدان قامت الدولة بتولية القطاع الخاص أمور الخدمات العامة في المدن. وجاء ذلك تحت ضغط النظريات القائلة بضرورة سحب يد الدولة من هذه الخدمات وتركها للمنافسة. غير أن التجربة العملية في بريطانيا وبلدان أخرى تفيد بأن الشركات الخاصة ركزت على الأحياء الميسورة دون غيرها، وهو الأمر الذي أدى إلى مزيد من تهميش الأحياء الأخرى على ضعف الاهتمام بتطوير الخدمات العامة عنها:
برنامج "المدينة الاجتماعية"
ظهرت الكثير من الأفكار والدعوات الرامية إلى إيجاد حلول لمشاكل الأحياء المهمشة في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى. وقد تبلورت هذه الأفكار في طرح برامج عديدة. ومن البرامج القليلة التي رأت النور حتى الآن برنامج يطلق عليه "المدينة الاجتماعية soziale Stadt" الذي يهدف إلى الحد من الفروق القائمة بين الأحياء الفقيرة والأحياء الغنية. أما السبيل الذي يضعه البرنامج إلى ذلك فهو الحد من تدفق المزيد من الفقراء إلى الأحياء المهمشة وتحسين الحالة الحياتية للقاطنين فيها. ويقوم هذا البرنامج على تحقيق شروط ومتطلبات معينة أبرزها إيجاد آليات فعالة للتعاون بين الجهات العامة والمبادرات الأهلية على أساس أن الدولة غير قادرة لوحدها على حل المشاكل. أما أبرز الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للحد من الفروق فتتمثل في مساعدة الشباب على حل مشاكلهم من خلال تعليمهم وتدريبهم ودعم المبادرات الخلاقة لديهم، إضافة إلى تعزيز دور الحرف والاقتصاد العائلي، لا سيما في أوساط الأجانب وذوي الأصول الأجنبية.
الناس أدرى بمشاكلهم من الخبراء
يتم تطبيق البرنامج وفقاً للبروفسور هويزرمان في مختلف الولايات الألمانية بمساعدة ودعم المنظمات والمبادرات الأهلية في الأحياء المعنية. ومن أبرز المشاريع التي تطبق في إطاره مشروع يتم بموجبه وضع مبلغ نصف مليون يورو تحت تصرف سكان حي فقير أو مهمّش بحيث يكونوا هم أنفسهم أصحاب القرار في كيفية استخدامه. على سبيل المثال يمكن لهم تخصيص المبلغ من أجل إضاءة شارع أو تجهيز مدرسة أو مخابر مدرسية. كما يمكنهم تنفيذ برنامج ثقافي يساعد على تعريف أبناء الحي من مختلف الثقافات بعضهم ببعض بشكل أفضل. ويرى هويزرمان إن ميزة البرنامج تتمثل في قيامه على مفهوم إن الحل لمشكلة الأحياء المهمشة لا يقوم على تصورات الخبراء وإنما على مشاركة القاطنين فيها لأنهم الأكثر دراية بهذه المشاكل.
النتائج التي حققها البرنامج
استطاع البرنامج تحقيق إنجازات ملموسة على أكثر من صعيد. ومن أبرز هذه الإنجازات تعزيز انتماء القاطنين في الأحياء المعنية إليها من خلال زيادة مستوى التعاون فيما بينهم. وقد ساعد ذلك على تحسين سمعة هذه الأحياء وسمعة القاطنين فيها. وبفضل برامج التأهيل والتوعية التي شملت الشباب تراجع عدد الذين يرفضون العمل في مجالات معينة كما كان يحدث في السابق. ويلاحظ زائر المدن التي طبقت هذه البرنامج خاصة في بريطانيا وهولندا أن الأحياء الفقيرة فيها أضحت أكثر نظافة وأن مستوى مدارسها ومعاهدها قد تحسّن. غير أن إمكانات البرنامج بقيت محدودة في مجال مكافحة البطالة التي ما تزال منتشرة في هذه الأحياء بنسب عالية.