"الموقف الروسي أدخل اليمن في تجاذبات السياسة الدولية"
١٦ فبراير ٢٠١٥
تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً يدعو الحوثيين في اليمن بالانسحاب الفوري وغير المشروط من مؤسسات الدولة. ويستند هذا القرار على البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة. هذا وحذر مجلس الأمن من أن اليمن ينهار ولكنه لم يدعم طلب دول مجلس التعاون الخليجي باستصدار قرار يستند إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة أو العقوبات الاقتصادية لفرض تنفيذ القرارات. المحلل السياسي اليمني نبيل الشرجبي يعتبر ذلك تراجعاً لافتاً لمجلس الأمن مؤكدا أن روسيا تحاول في إطار إستراتيجيتها الجديدة إلى التدخل في البؤر الإقليمية. وهو ما يدخل اليمن ضمن اللعبة السياسية الدولية.
DW عربية: مجلس الأمن لم يدعم طلب دول مجلس التعاون الخليجي بإصدار قرار يستند إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة أو العقوبات الاقتصادية لفرض تنفيذ القرارات. كيف يمكن تفسير ذلك؟
الدكتور نبيل الشرجبي: نحن ربما بالفعل أمام تراجع كبير في مجلس الأمن بعد الموقف الروسي. كما يبدو أن المحادثات الأولية هي التي أجبرت كل الأطراف في مجلس الأمن على تقديم هذا التنازل لروسيا حتى تتم الموافقة على قرار مجلس الأمن. وأما دول مجلس التعاون الخليجي فعندما طالبت بتطبيق البند السابع كان الهدف من ذلك هو فرض عقوبات اقتصادية في المقام الأول على جماعة الحوثيين، ولكن يبدو أنها فشلت في ذلك الأمر. أعتقد أن ذلك قد يساعد جماعة الحوثي على لاستمرار في مشاريعها وعدم الانصياع لأي قرارات دولية أخرى أو حتى الرضوخ لمطالب الشعب اليمني بالتراجع على ما أقدمت عليه.
مجلس الأمن لجأ إذن إلى الفصل السادس بدل السابع، خوفا من الفيتو الروسي. هل يعني هذا أن الأزمة اليمنية أصبحت جزءا من الصراعات الدولية؟
إلى حد كبير جداً، الإستراتيجية الروسية التي رسمت في الفترة الأخيرة تعتمد على فتح بؤر إقليمية أو التدخل بالبؤر الإقليمية التي تتواجد فيها الولايات المتحدة وحلفاءها، ظناً منها أن ذلك قد يرجع لروسيا الدور الذي تحلم به. هذا يعني بمنتهى الصراحة أن اليمن دخل ضمن اللعبة الدولية الجديدة وهو الأمر الذي سيعاني منه المجتمع الدولي كثيراً وربما قبل معاناة المجتمع الدولي، فالمجتمع اليمني أيضاً سيعاني كثيرا من هذا السلوك الروسي الجديد.
من جهة أخرى طالب مجلس الأمن الحوثيين بترك السلطة والإفراج عن قيادات الدولة، داعياً جميع الأطراف للتفاوض، ومهدداً باتخاذ "إجراءات إضافية". ماذا يعني مجلس بهذه الإجراءات "الإضافية الممكنة"؟
قبل صدور القرار الأخير لمجلس الأمن، كنا نتوقع ما هو أشد من العقوبات الاقتصادية. ربما حصار أو إدخال جماعة الحوثي ضمن قائمة الإرهاب أو المطلوبين للمحاكمة في محكمة العدل الدولية في لاهاي. ولكن إذا ما أخذنا الموقف الروسي الجديد بعين الاعتبار، فإن مجلس الأمن سيكتفي بمثل هذه المناشدات وبمثل هذه المطالب على أن يترك المجتمع الدولي وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي حرية التصرف في هذا الملف كما تريد وربما للحفاظ على وحدة البلاد ومصالح الأطراف التي قد تشترك في حل هذه القضية.
القرار الأممي يحث جميع أطراف الأزمة إلى "تسريع" المفاوضات وتحديد موعد لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات. هل هناك بالفعل أرضية سياسية لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود في ظل المواجهات القومية بين مختلف الفرقاء السياسيين؟
في البدء يجب التوضيح أن كل الأطراف السياسية قد قدمت تنازلات كثيرة جداً، باستثناء الطرف الحوثي الذي لم يقدم ولن يقدم باعتقادي أي تنازلات في المستقبل القريب. المخرج الحقيقي والذي أصبح متداولاً بالفعل، هو الانتخابات. ولكن كيف نذهب للانتخابات والأجواء مازالت غير مهيأة بعد لإجراء مثل تلك العملية، فهناك مسلحين منتشرين في كل مكان واستخدام مفرط للقوة، هناك أيضاً سيطرة على الدولة وعدم تطبيق القانون وشل لكل مؤسسات الدولة. ولهذا لا بد أن تسبق عملية الاستفتاء والدخول في الانتخابات، تهيئة الأجواء العامة وخاصة من جماعة الحوثي، حتى ندخل في مرحلة الانتخابات. عندها يتسلم زمام السلطة من يفوز بالانتخابات حتى وإن كان الحوثيين أو غيرهم.
أكد الحوثيون أنهم "لن يركعوا أمام أي تهديد"،ما الذي يجعل الحوثيين واثقين من أنفسهم لهذه الدرجة؟
أولاً، العقلية العسكرية وعقلية الميليشيات مازالت هي المسيطر الأكبر على تفكير هذه المجموعة. ولم تستطع هذه المجموعة حتى الآن أن تتحول إلى العمل السياسي ومازالت تفتقد إلى الكثير من أبسط قواعد العمل السياسي. ثانياً، من ناحية أخرى هي تعتقد أن غالبية المؤسسة العسكرية والاجتماعية أصبحت الآن في يدها. والعامل الثالث أيضاً هو استنادها واعتمادها على الدعم الإيراني والمواقف الإيرانية بشكل واضح جداً. وهي أيضاً على استعداد أن تذهب إلى أبعد مدى، ظناً منها أن هذا الموقف الإيراني لن يتغير بل سيتضاعف في ظل ضغط المجتمع الدولي. كل هذا يجعل جماعة الحوثي تستمر في هذا السلوك.
هل يحاول الحوثيون استغلال ما يسمونه بـ"التدخل الخارجي" لحشد التعاطف الشعبي؟
ربما هذه المسألة قد تستخدم ولكن بشكل غير فاعل لأن الرأي العام كامل يقف ضد الحوثيين. المجموعة التي تقف في صف الحوثيين ضئيلة وحتى محاولاتهم لاستغلال عواطف الناس بما يسمونه بـ"التدخل الخارجي" لن تنجح. كل هذه الأصوات تتقلص بشكل واضح، حيث أصبح هناك عزلة شبه كاملة لهذه المجموعة. ولهذا فإنهم لن ينجحوا في ذلك.
الدكتور نبيل الشرجبي: محلل سياسي وأستاذ العلاقات الدولية وإدارة الأزمات في جامعة الحديدة باليمن