"المنقذون الثلاثة".. هل تنجح خطط بوتفليقة في تهدئة الشارع؟
١٣ مارس ٢٠١٩لجأ عبد العزيز بوتفليقة إلى ثلاثة "منقذين" في محاولة ثانية منه، أو تحديداً محيطه بما أن حالته الصحة لا تسمح له باتخاذ قرارات حسب محللين، لامتصاص غضب الشارع. يتعلّق الأمر بكل من نور الدين بدوي، المعين في منصب رئيس الوزراء، ورمطان لعمامرة، المعيّن حاليا نائباً لبدوي، ثم الأخضر الإبراهيمي، الذي تتحدث عدة مصادر إعلامية عن أنه سيترأس الندوة الوطنية المتوقع انعقادها لمناقشة المستقبل السياسي للبلاد.
وتظهر هذه المحاولة الجديدة أقوى من سابقتها، فبعد اقتناع محيط بوتفليقة أن تعهد هذا الأخير بالدعوة، في حال انتخابه رئيساً لولاية خامسة، إلى انتخابات رئاسية مبكرة في أجل عام واحد لن يترشح فيها، لم تهدئ الاحتجاجات في البلد، عاد المحيط ذاته ليعلن عن تأجيل الانتخابات وإجراء تعديل حكومي والإعلان عن خارطة طريق تنتهي بانتخاب رئيس جديد.
وتثير الأسماء الثلاثة المختارة للمساهمة في المرحلة الانتقالية الجدل بين الجزائريين، فإن كانت تنتمي جميعها إلى النظام القديم، فإن منها من يحظى بمصداقية أكثر من غيره، فضلا عن أن درجة القرب من بوتفليقة ليست هي نفسها للشخصيات الثلاث، زيادة على أنه لحدّ اللحظة، لم تظهر أيّ بوادر جدية على اقتناع الشارع بنوايا الرئاسة في "رغبة الإصلاح".
الوالي الذي قفز إلى الوزارة الأولى
لم يُعرف له أيّ مسار حزبي، فهو ابن الإدارة الجزائرية بامتياز دراسةً وعملاً. شغل عدة مناصب في ولايات جزائرية منها الأمين العام لولاية وهران، ووالي سطيف وقسنطينة. دخل نور الدين بدوي المعترك الحكومي في عهد عبد المالك سلال من بوابة وزارة التكوين والتعليم المهنيين عام 2013، قبل تعيينه وزيراً للداخلية والجماعات المحلّية في التعديل الحكومي الذي جرى عام 2015، ثم استمر في منصبه رغم تغيير رئيس الوزراء مرتين، حتى لجوء محيط بوتفليقة إليه بدلاً من أحمد أويحيى.
لا يتمتع بدوي، البالغ من العمر 60 عاماً، بأيّ رصيد سياسي، وهي نقطة تحسب ضده كما تحسب لصالحه، فهناك من سيرفض أن يقطف "تكنوقراطي" ثمار الوزارة الأولى في هذا الظرف الحساس، خاصة إذا كان من غير المساهمين في النقاش السياسي الذي تشهده البلاد، فضلاً عن أن رفع وزير الداخلية، في زمن الاحتجاجات، إلى منصب رئيس الوزراء، يعطي إشارات سلبية بكون السلطة تفكّر بمنطق أمني. لكن في الآن ذاته، بقاء بدوي بعيداً عن المجال الحزبي، مكّن بوتفليقة من حسم الاختيار بسرعة وإسناد المنصب إلى رجل إداري بعيداً عن الصراعات الحزبية للراغبين في المنصب من أحزاب الموالاة.
لكن شوقي عرجون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة، يقول لـDW عربية إن "أحزاب السلطة مقتنعة بأن تعيين أي شخصية تنتمي إليها من شأنه أن يزيد غضب الشارع الرافض لاستمرار أقطاب النظام، لذلك كان الحل شخصية تكنوقراطية". ويوضح عرجون أن الهدف الرئيسي من تعيين بدوي هو الإشراف الإداري على الندوة الوطنية وكذا الانتخابات المقبلة، خاصة وأنه شديد الولاء للسلطة ولرئيس الجمهورية تحديداً.
سفير تصالح مع السلطة
وإذا كانت خبرات بدوي في الإدارة أكبر، فإن تجارب رمطان لعمامرة في السياسة أكبر بكثير. ابن المدرسة الوطنية للإدارة، تطوّر في الخارجية الجزائرية منذ التحاقه بها عام 1976، وعمل سفيراً لبلاده في إثيوبيا وجيبوتي والنمسا والولايات المتحدة والبرتغال، فضلاً عن تجاربه القارية مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. التحق بالحكومة عام 2013 وزيراً للخارجية، حيث كان وفياً لعقيدة الدولة الجزائرية في تحالفاتها الدولية. خرج من الوزارة عام 2017 ليعين قبل أسابيع مستشاراً دبلوماسياً للرئيس، ثم عاد إلى رأس وزارة الخارجية في التعديل الجديد، زيادة على منصب نائب رئيس الوزراء.
يحظى لعمامرة بتقدير جزء كبير من الرأي العام الجزائري، ويعد وفق مراقبين أحد صقور الخارجية الجزائرية في السنوات الماضية، وقد يكون هذا سبباً في اختياره ليكون أحد الإطفائيين. كما أن طريقة خروجه من الخارجية، جعلت عددا من المتتبعين يتعاطفون معه، إذ تردد أنه غادر نتيجة "استيلاء" على صلاحيته من لدن عبد القادر امساهل، المحسوب على بوتفليقة، والذي كان آنذاك يعمل تحت إشراف وزير الخارجية.
ويشدّد عرجون في حواره مع DW عربية على الصفات الإيجابية في لعمامرة كـ "رجاحة العقل" والقدرات الدبلوماسية، والهدف من اختياره هو "الإشراف على المفاوضات المنتظرة بين الأطراف السياسية الجزائرية، فضلاً عن كسب التحالفات الدولية والترويج للمشاورات المرتقبة لدى الدول الغربية". بيدَ أن تعيينه في هذا الوقت، قد يضرّ بما راكمه من احترام في مساره السياسي، وهو ما يلمح إليه عرجون بالقول إن لعمامرة "عاد في الوقت غير المناسب".
خبير الأزمات في مهمة صعبة
الأخضر الإبراهيمي دبلوماسي محنك كان مبعوثاً للأمم المتحدة في عدة مناطق نزاع منها جنوب إفريقيا وهايتي ونيجيريا والسودان أفغانستان والعراق وسوريا، وضمن فريق قادة أمميين لرعاية السلام عبر العالم، فضلا عن مساهمته، مع جامعة الدول العربية في إنهاء الحرب اللبنانية. تجمعه علاقة قوية مع بوتفليقة، فعلاوة على انتمائهما إلى الجيل القديم الذي قطف ثمار الاستقلال عن فرنسا، عمل الإبراهيمي سفيراً في لندن عندما كان بوتفليقة وزيرا للخارجية الجزائرية.
لكن الرجل البالغ من العمر 85 عاما، يجرّ وراءه خيبة في إنهاء الصراع السوري، كما لم تكن له مواقف مشهودة في الدفاع عن الديمقراطية ببلاده، ولاحقته اتهامات بـ"تبييض" سجل الدولة الجزائرية في العشرية السوداء حين كان وزيرا للخارجية، علاوة على ابتعاده عن التطورات الداخلية في الجزائر. لكن مساره الدولي جعل الكثير من المتتبعين ينظرون إليه كأحد الحكماء الجزائريين القادرين على إيجاد حل للأزمة الحالية.
ويشير عرجون إلى أن الإبراهيمي، يبقى في نظر السلطة، "الاسم الأفضل لقيادة المرحلة الانتقالية"، فهو يحظى بقبول لدى النخبة وجزء من الشارع، عكس أسماء أخرى تنتمي إلى الجيل القديم. ويراهن النظام الجزائري على ماضي الإبراهيمي في الدبلوماسية الدولية لأجل الترويج لـ"الإصلاحات التي ستقوم بها السلطة خلال الأشهر القادمة ، وكذلك لكسب ود قوى دولية"، يقول عرجون، وهو ما ظهر فعلياً في رد فعل واشنطن، إذ أكدت دعمها لـ"الجهود التي تبذلها الجزائر في رسم طريق جديد للمضي قدما".
الشارع: لا بديل عن الرحيل
لم تنجح خطوة بوتفليقة في تهدئة الشارع، فقد شهدت الجزائر تنظيم مظاهرات بعد ساعات من قراره الجديد، وهناك استعدادات لتنظيم مسيرات ضخمة يوم الجمعة القادم، فضلاً عن انتشار هاشتاغ بعنوان: "لا تتحايلوا على الشعب" و "ترحلوا يعني ترحلوا"، كما رفضت جلّ أطياف المعارضة خطوة بوتفليقة، ليس فقط لتعيينه وجوهاً محسوبة على النظام، بل كذلك لأن الخطوة "غير دستورية"، ولأنه مُصر على الاستمرار بعد نهاية عهدته الرابعة تحت غطاء تسيير المرحلة الانتقالية، حسب عرجون.
وفي الوقت الذي "تحاول فيه السلطة الجزائرية استرضاء الشارع، لا يظهر أنها فهمت مطالبه"، يقول عرجون، مضيفاً أنها حالياً في "ورطة الخروج الآمن من الأزمة"، وستضطر نتيجة الضغط الجماهيري إلى تقديم المزيد من التنازلات. ويؤكد شوقي عرجون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة، على أن الجماهير في فترات الثورة تكون على درجة من "الجشع العاطفي"، وتفكيرها الجمعي يكون جذرياً، وهو ما ينطبق على الحالة الجزائرية، إذ يظهر الشارع مصرّاً على الاستمرار في الاحتجاج، رافعاً مطلب "رحيل النظام ورموزه، حتى منها المقبول منها نسبياً"، ما سيؤدي في النهاية إلى إذعان السلطة للمطالب، حسب رأي عرجون.
إسماعيل عزام