المنشطات قضية شائكة لأجيال من لاعبي كرة القدم
٢٥ أغسطس ٢٠١٣لا شك من أن كرة القدم هي معشوقة الجماهير واللعبة الشعبية الأولى في العالم. وإن كنت بحاجة إلى دليل على ذلك فإن الأرقام تتحدث عن نفسها؛ فوفق اتحاد كرة القدم الدولي (فيفا) تمارس هذه اللعبة في 208 دول ومن قبل 256 مليون شخص. ويقدر الإتحاد عدد من تابعوا نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا 2010 عبر شاشات التلفزيون، بأكثر من 3,2 مليار إنسان، ما يعني أن نحو نصف سكان الكرة الأرضية شاهدون المباريات.
يتابع عشاق كرة القدم أنديتهم المفضلة أو المنتخبات الوطنية لبلادهم آملين وأحيانا واثقين من الفوز بالألقاب والبطولات أو البقاء ضمن بطولات الأضواء. ويستمتعون بمشاهدة الأهداف التي يحرزها لاعبون، تطلق عليهم ألقاب مثل "نجوم"، و"أساطير" و"ملوك" وغيرها.
ويحظى هؤلاء النجوم باحترام وعشق كبيرين من قبل مشجعيهم الذين يهتفون بأسمائهم سواء في الملاعب أو خلف شاشات التلفزيون، بل ويقلدونهم في الملابس والسلوك في كثير من الأحيان، ويدمنون متابعة مبارياتهم وأخبارهم.
بيد أن هؤلاء "الملوك" غير المتوجين يواجهون الآن اختبارا صعبا بشأن مصداقية أدائهم ومجهودهم في المباريات، نظرا لتنامي الشكوك حول ما إذا كان أداء اللاعبين ناجم بالفعل عن جهد بدني فردي أم أنه نتيجة لتعاطي المنشطات المختلفة التي يجري الكشف عنها بعد انتهاء المباريات منذ 45 عاما تقريبا.
بكنباور يعترف بتعاطي " حقن الفيتامينات"
في عام 1986 نشر حارس المرمى الألماني الشهير "توني شوماخر" كتابه "صافرة البداية" (بالألمانية: Anpfiff)، الذي أماط فيه اللثام عن بعض ما يجري في كواليس كرة القدم الألمانية. وقد مكن شوماخر القراء من إلقاء نظرات على "خزانات الأودية" في الدوري الألماني لكرة القدم- بوندسليغا. وتحدث عن تعاطي لاعبي البوندسليغا المنشطات في صورة منبهات أو مواد مهيِّجة. وجاء الرد على كتاب شوماخر سريعا حيث تم استبعاده من المنتخب الألماني، الذي كان هو من أهم أعمدته في بطولة أمم أوروبا 1980 التي فازت بها ألمانيا وكأس العالم بإسبانيا 1982، وبالمكسيك 1986، والتي حل فيهما المنتخب الألماني ثانيا.
كتاب شوماخر مر عليه عقود. أما الجديد فهو حديث قيصر الكرة الألمانية، وأهم لاعب كرة في تاريخ ألمانيا "فرانز بكنباور" مؤخرا عن المنشطات في البرنامج التلفزيوني الشهير "استوديو الرياضة" الذي تبثه القناة الألمانية الثانية (ZDF).
وقال بكنباور بالحرف: "طبعا كنا نأخذ حقن الفيتامينات الخاصة بنا. أجل، حقن فيتامينات، لا أدري. الطبيب كان يقول لنا إنها حقن فيتامينات. لكن هل حقنة الفيتامينات ترفع الأداء وهل تعتبر منشطات، لا أعرف؟".
وذكر القيصر في حديثه أنه كان يرى دائما أن المنشطات لا فائدة منها في كرة القدم: "لأنك كنت تلعب مباراة كل يومين أو ثلاثة أو أربعة. والمعروف أنه عندما تتعاطى المنشطات فإن لها تأثيرا يزيد من أداء الجسم؛ ويكون الجسم بعدها بحاجة إلى مدة زمنية ما لكي يستعيد عافيته".
شوستر مع المنشطات بشرط...
نجم آخر من العيار الثقيل أدلى بدلوه في مسألة المنشطات مؤخرا هو بيرند شوستر المدرب الحالي لفريق ملقا الإسباني. شوستر فاز مع منتخب ألمانيا ببطولة أمم أوروبا لعام 1980 ولعب في زمانه لأبرز الأندية الأوروبية والألمانية، من بينها ريال مدريد وبرشلونه وباير ليفركوزن وكولونيا.
وفي حديث مع مجلة "شبورت بيلد" الرياضية الألمانية، قال بيرند شوستر أنه جرت العادة أن يحضر في صباح يوم المباراة الطبيب والمعالجون الطبيعيون، ويعطون اللاعبين "أشياء. ولقد تناولنا جميعا شيئا منها". وتشير تصريحات شوستر تلك إلى أنه كان من المعتاد في كرة القدم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي أن يتناول اللاعبون وبصفة منتظمة عقاقير ما.
ولا يوجد مانع لدى شوستر بناء على حديثه مع "شبورت بيلد" أن يتناول اللاعب المنشطات إذا كان ذلك من أجل إعادة تأهيله بعد الإصابة، لأن الهدف منها حسب قوله، إعادة اللاعب المصاب إلى مستواه بأسرع ما يمكن. كلمات شوستر وبكنباور عن الحقن والحبوب التي كانوا يحصلون عليها لا تعطي إجابة صريحة حول المواد المستخدمة فعلا آنذاك، لكنها تعطي فكرة عن موقف اللاعبين حول موضوع المنشطات: "إبلع ما يعطيه لك الطبيب أما الحديث عن المنشطات فلا مجال له، لأن كلمة المنشطات وحدها كما نعرفها اليوم لم تكن موجودة آنذاك"، حسب شوستر.
لكن يجب الإشارة إلى أن كلمة المنشطات ظهرت إلى الوجود منذ نهاية القرن الـ19، والاختبارات لتأكيد استعمالها يجري منذ عام 1968 أي سنوات، قبل احتراف بيرند شوستر لكرة القدم.
حالات وفاة غامضة
وفي ذات السياق، تمّ التوصل إلى أدلة تثبت قيام المنتخب الألماني الفائز بكأس العالم بسويسرا عام 1954 على تعاطي مواد ترفع درجات الأداء البدني للاعبين. كما ثبت أن الأسطورة مارادونا تعاطى الكوكايين. وعثر أيضا في عينات الإسباني بيب غوارديولا والهولندي فرانك دي بور على أثر لمادة "الناندرولون". بل إن هناك شهادات لمعاصرين وأحكاما قضائية تفيد بأن تعاطي المنشطات كان يجري بشكل ممنهج في نادي يوفنتوس تورين الإيطالي ونادي أولميبيك مارسيليا الفرنسي في تسعينات القرن الماضي. كما ضمت قاعدة بيانات مكافحة المنشطات التي أعدها الصحفي النرويجي تروند هوسو 170 حالة تعاط للمنشطات في كرة القدم.
وفي تطور من المعتقد أن له علاقة مع تناول المنشطات، أصيب عدد من لاعبي كرة القدم الإيطاليين في السنوات الماضية بما يسمى بالتصلب العضلي الجانبي، بل وتوفي عدد منهم، كان آخرهم اللاعب الدولي السابق ستيفانو بورغونوفو الذي توفي في شهر يونيو الماضي عن عمر ناهز 49 عاما.
وقد قامت جامعة بدراسة حول حالات الوفاة بين صفوف اللاعبين، ووجدت أثار اهتزاز حاد في المنظومة العصبية للاعبين. في ما قام وكيل النيابة الإيطالي رافايلو غواردينيلو، المتخصص في التحقيق في قضايا المنشطات، بتحقيقات شاملة بشأن علاقة حالات الوفاة الغامضة بتناول المنشطات، وقد وجد بالفعل العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك.