المنتخب الألماني لكرة القدم يحقق تطوراً نوعيا خلال السنوات الأخيرة
٨ سبتمبر ٢٠١١عقب فوز المنتخب الألماني مؤخراً على نظيره النمساوي ( 6 : 2 ) في مدينة غيلزنكيرشن الألمانية هرع رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم تيو تسفانتسيغر إلى غرفة غيار اللاعبين لتقديم التهاني لهم على الأداء القوي والمقنع الذي قدموه أمام النمساويين. وأعرب تسفانتسيغر عن فخره وفخر ألمانيا بالمنتخب الذي أثار حماساً كبيراً في ربوع ألمانيا.
وعبّر المسؤول الألماني عن أمله في أن يفوز منتخب بلاده بما تبقى من المباريات ضمن تصفيات كأس أوروبا وأن يواصل سلسلة عروضه القوية التي قدمها خلال المباريات الأخيرة. لكن بطل العالم ثلاث مرات لم يفعل ذلك أمام بولندا في اللقاء الودي الذي جمع المنتخبين في مدينة "غدانسك" البولندية. غير أن الأداء المتواضع للألمان أمام بولندا لا يُقلل قط من المستوى العالي الذي بلغه المنتخب الألماني في الوقت الحاضر، حيث يرى الكثيرون من المراقبين وخبراء الكرة أن المنتخب الألماني بتشكيلته الحالية هو أفضل منتخب ألماني منذ عشرات السنين.
تعديلات وتجارب
في مواجهة بولندا تخلى المدرب يواخيم لوف عن خدمات أبرز لاعبيه، مثل نجم ريال مدريد البارز مسعود أوزيل ونجم خط وسط بايرن ميونخ باستيان شفاينشتايغر وحارس المرمى مانويل نويير. فبعد حجز بطاقة التأهل إلى كأس أوروبا 2012 مبكراً أراد لوف إجراء بعض التجارب في إطار سعيه لتطوير قدرات الفريق أكثر وأكثر. ولذا أجرى تعديلات كبيرة على تشكيلة الفريق، وخاصة في خط الدفاع وحراسة المرمى. فحراسة المرمى تولاها حارس مرمى فيردر بريمن تيم فيزه. وخط الدفاع اكتسب وجهاً جديداً تقريبا. فإلى جانب قائد الفريق فليب لام لعب كرستيان تريش وجيروم بوتينغ وبير ميرتساكر.
وما دفع لوف إلى إجراء مثل هذه التجارب هو أداء خط الدفاع أمام النمسا مؤخرا. فعلى الرغم من الفوز الكبير على النمساويين ( 6 : 2 )، إلا أن أداء خط الدفاع الألماني، وخاصة المدافعيْن هولغر بادشتوبر وماتس هوميلز، أثار بعض المخاوف لدى لوف. وهو ما دفعه إلى تجريب خُطط أخرى لعزيز قدرات الفريق الذي يطمح دون أدنى شك إلى القمة، وإلى الفوز بلقب بطولة الأمم الأوروبية 2012 في بولندا وأكرانيا،وبالتالي تجريد بطل العالم وبطل أوروبا المنتخب الإسباني من اللقب الأوروبي.
الهدف هو كأس أوروبا 2012
وبغض النظر عن مباراة بولندا قدّم المنتخب الألماني مؤخراً عروضاً قوية ورائعة أثارت أجواء حماسية كبيرة في ألمانيا، وخاصة في مواجهة البرازيل ودياً حيث فازت ألمانيا ( 3 : 2 ) والنمسا ضمن تصفيات كأس أوروبا 2012 حيث حقق الألمان فوزاً ساحقاً ( 6 : 2 ). وبناء على العروض القوية مؤخراً ازدادت ثقة الكثيرين بالمنتخب الألماني وبقدرته على هزيمة أي فريق كان وعلى الفوز بلقب بطولة أمم أوروبا للمرة الرابعة في تاريخه، لكن المشكلة الرئيسية هي إسبانيا. فما الذي يتعين على الألمان تحسينه للتفوق على بطلة أوروبا والعالم؟
طموح وإصرار
عام 2000 كان واحداً من أسوأ السنين في تاريخ كرة القدم الألمانية الحديث. في ذاك العام خرج المنتخب الألماني من بطولة أمم أوروبا بطريقة مُخجلة ومحرجة بخروجه من منافسات الدور الأول للبطولة. وكان على المدرب إريش ريبك آنذاك التنحي عن منصبه كمدرب، ليحلّ رودي فولر مكانه. وفي أول مباراة للمنتخب الألماني بقيادة فولر فازت ألمانيا على إسبانيا ( 4 : 1 ) في أغسطس 2000. وكان هذا آخر فوز حققه المنتخب الألماني على نظيره الإسباني.
في آخر ثلاث مباريات جمعت المنتخبين فازت إسبانيا على ألمانيا وبجدارة. وكانت الهزيمتان، في نهائي بطولة أوروبا 2008 ونصف نهائي بطولة العالم 2010، موجعتيْن بشكل خاص. صحيحٌ أن كلا المباراتين انتهتا بفوز إسبانيا بهدف لصفر فقط، لكن سيطرة الأسبان على مجريات اللعب كانت كبيرة وواضحة. وضعف الألمان الواضح أمام إسبانيا دفع المدرب يواخيم لوف للتفكير كثيراً في خُطط واستراتيجيات من شأنها أن تزيد قدرات الفريق وتعزز وجوده على العشب الأخضر أمام عمالقة كرة القدم. وأكثر ما يطمح إليه لوف هو تعزيز قدرات فريقه لفرض أسلوبه على اللعب وفرض سيطرته على الخصوم.
في نصف نهائي مونديال 2010 تراجع الفريق الألماني إلى الوراء وصبّ تركيزه على الدفاع عن مرماه. لكنه لم ينجح في ذلك لأن المنتخب الإسباني يُتقن الهجمات السريعة والمنظمة التي يصعُب على أي فريق كان التصدي لها. ولم يبادر المنتخب الألماني آنذاك بالهجوم وفرض أسلوبه على المباراة. وهذا ما يسعى لوف إلى تغييره الآن وتحسينه من خلال اتّباع أساليب جديدة وخُطط جديدة تضمن للاعبين الألمان السيطرة على وسط الملعب والحيلولة دون أن يستفيد الخصم من قوة خط وسطه. ولتحقيق ذلك يتعين على المدرب يواخيم لوف إجراء تجارب عديدة حتى موعد انطلاق بطولة أوروبا 2012 الصيف القادم.
مستوى مختلف تماما
لا شك في أن المستوى الذي ظهر عليه المنتخب الألماني في الآونة الأخيرة، خاصة أمام النمسا، أعلى بكثير منه خلال السنوات الماضية. حتى لو لم يكُن المنتخب النمساوي من أبرز المنتخبات العالمية، إلا أن اللاعبين الألمان تركوا انطباعاً كبيراً بأدائهم القوي والساحر الذي حبس أنفاس المشجعين في بعض مراحل المباراة. وما يُثير الانتباه هي الطريقة التي لعب فيها المنتخب الألماني أمام النمسا مثلاً، حيث سيطر بالفعل على معظم مجريات المباراة ولعب بأسلوب هجومي وتبادل اللاعبون الكرات بشكل منظم وسريع. وهذا ما سعى ويسعى لوف إلى تحقيقه، أن يلعب الفريق بانسجام كبير ويُقدّم كل لاعب أفضل ما لديه ويبذل قصارى جهده.
وهذا الأداء القوي والمقنع والواعد نال أيضاً إعجاب الكثيرين من المراقبين، إضافة إلى مدرب المنتخب النمساوي ديدي كونستانتيني الذي قال بوضوح إن هناك فارقاً كبيراً بين المنتخبين الألماني والنمساوي، مؤكداً أن المستوى الذي ظهر عليه الألمان يُظهر من جديد أن المنتخب الألماني ينتمي إلى أفضل المنتخبات العالمية.
والمنتخب الألماني هو بالفعل في طريق عودته إلى قمة كرة القدم العالمية. وهو الآن متعطش أكثر من أي وقت مضى لنيل أحد الألقاب الكروية، بعد 15 سنة من إحراز لقب بطولة أوروبا لكرة القدم و 21 سنة من الظفر بلقب بطولة العالم.
علاء الدين موسى البوريني
مراجعة: أحمد حسو