"الملوخية في شتوتغارت".. مشروع لاجئ سوري شُفي من السرطان!
٦ أكتوبر ٢٠٢٠"في البداية اعتقدوا أن الملوخية هي نوع من أنواع الشاي"، يقول محمد المصري ضاحكا، مضيفا "أكثر ما أعجبهم الخيار البلدي الصغير والباذنجان". تعريف الألمان بـ"القتة" أو "الفقوس" وباذنجان المكدوس وغيرها من خضروات بلده، هو تماما سبب إصرار اللاجئ السوري على تمسكه بالعمل في مجال زراعة الخضروات في ألمانيا.
قبل خمس سنوات وصل ابن منطقة القصير في حمص إلى مدينة شتوتغارت الألمانية هاربا من الحرب في سوريا "التي فقدت بسببها يدي" يروي لنا محمد. في حديثه لمهاجر نيوز يتذكر بداية حياته الجديدة ويقول"دمعة الرجل في ثقافتنا ليست سهلة، لكن خروجي من المشفى بعد عدة عمليات أجريتها بسبب مرضي دون أن أجد أحدا بجانبي أمر لا يطاق". فبعد وصوله إلى ألمانيا قادما من المخيمات اللبنانية في عرسال اكتشف ابن الـ (37 عاما) إصابته بمرض السرطان.
" ودعت والدي قائلا له بأنني سأذهب لعلاج يدي"
لم يفكر اللاجئ السوري يوما ما بالهجرة إلى أوروبا، فهو المعيل الوحيد لعائلته وأهله بعد وفاة أربعة من إخوته قصفا في حمص. لكن سوء الأوضاع المعيشية هناك، دفعه لرحلة الهروب عبر البحر" بعد أن أقنعني صديقي بالسفر، ودعت والدي قائلا له بأنني سأذهب لعلاج يدي".
لم يترك والديه فقط، بل زوجته هويدا وثلاثة أطفال. بعد رحلة هروب شاقة، وصل محمد سالما إلى اليونان، وهو يحمل على عاتقه مساعدة أهله وأبناء بلده الذين التقاهم في المخيمات اللبنانية. ومن هنا ولدت فكرة مشروعه "نزرع فنأكل، نزرع فيأكلون".
إرادة قوية رغم الإعاقة
على أرض مساحتها لا تتجاوز بضعة أمتار، بدأ محمد مشروعا زراعيا يسعى لأن يكون "الأول والفريد من نوعه في أوروبا" يقول اللاجئ السوري في حواره لموقع مهاجر نيوز. إذ يقوم بزراعة خضروات، جلب بذورها من سوريا، وبيعها. لدى زيارة موقعنا للمزرعة، التقينا ببعض الزبائن الألمان من بينهم عائلة غلاتيس "أقصد هذه المزرعة خصيصا لشراء خضرواتي لأنها طازجة، فهو يقطف الثمار أمامي"، تقول هايكه لموقع مهاجر نيوز.
ويضيف زوجها إدوارد بالقول "تعرفنا عليه صدفة أثناء جولة كنت أقوم بها على الدراجة مع زوجتي، نريد أن ندعم جهوده التي يبذلها لتحقيق ذاته".
إلى جانب كسب لقمة العيش، يريد "أبو قاسم" كما يلقبه البعض "أن أثبت للمجتمع أنني لست معاقا وخاصة أن المجتمع هنا يقدر من لديه إرادة على إثبات ذاته" فضلا عن رغبته في نقل مهنة آبائه وأجداده إلى بلده الجديد. حسبما يؤكد لمهاجر نيوز.
أصل الفكرة بذرة
بدأ اللاجئ السوري فكرة المشروع ببيع بذور الخضروات السورية، والتي لاقت إقبالا واسعا، ليتمكن بعد ذلك من تطويره بزراعة شتلات، وبذلك يمّول مشروعه القائم على الاكتفاء الذاتي "من بذرة واحدة تنبت شتلة تحمل لي خضارا فأبيعها، وما تبقى من الخضار أستخدمه في صنع سماد طبيعي".
لاقى مشروع المصري للزراعة، نجاحا واسعا، إذ وصلت شهرته إلى دول أوروبية أخرى "تمكنت هذا العام من بيع شتلات وبذور إلى السويد وبريطانيا" يؤكد محمد. إلى جانب شهرته أوروبيا، أصبح لديه متابعين من مختلف الدول العربية أيضا، فعبر قناته على اليوتيوب يحاول محمد تشجيع من يهوى زراعة خضرواته بنفسه، من خلال الإجابة على جميع الأسئلة التي ترده من المتابعين حول زراعة البقدونس والبامية والفاصولياء وغيرها "نعيش في زمن مليء بالحروب والأوبئة، لذلك أشجع الناس على زراعة البذور لتأمين احتياجاتهم من الخضار".
مثال لولادة حياة جديدة
ليس ذلك فحسب، بل يرى محمد في زراعة الخضروات مثالا لولادة حياة جديدة، كتلك التي ينعم بها الآن مع عائلته بعد شفائه من مرض السرطان "عانيت طويلا، إذ تأخرت إقامتي بسبب العلاج، ولم أتمكن من لم شملي عائلتي إلا بعد ثلاث سنوات". لقاؤه بزوجته وأولاده الثلاثة كان بمثابة "حلم تحقق" ليُرزق بعد ذلك بطفلين أخرين " أسميتهم أحمد وعمر بأسماء إخوتي الذين قتلوا في الحرب".
رغم معاناته الطويلة، لكن اللاجئ السوري تمكن أن يهزم اليأس ويبدأ حياة جديدة في مجتمع "عادل" وهو أكثر ما يقدره في بلده الجديد. وهو الآن يستعد لبدء الموسم الشتوي بزراعة بذور السبانخ والسلق مؤمنا أن "طريق الألف ميل، يبدأ بخطوة".
دالين صلاحية