الملاكم الراقص يوهان ترولمان ضحية النازية
٢١ يوليو ٢٠١٣يوم غير حياة الملاكم الألماني يوهان ترولمان جذرياً، كان ذلك يوم الجمعة 9 يونيو/ حزيران 1933. حين صعد إلى الحلبة أمام حوالي 1500 مشاهداً بهدف إحراز لقب بطل ألمانيا في وزن خفيف الثقيل أمام خصمه الملاكم آدولف فيت.
في الواقع كان ترولمان متوسط الوزن، وبهذا بدا جلياً أنه أخف وأقوى من فيت، حيث وثب حوله، متجنباً لكماته باستمرار، كي يُكيل له لاحقاً ضربات فنية. وعلى العكس من ذلك قاوم فيت بالطريقة التقليدية آنذاك. وظهر جلياً أن الجمهور أحب ترولمان: الرجال لأسلوبه غير الاعتيادي في الملاكمة، والنساء لمظهره.
يروي مانويل ترولمان، أحد أقارب الملاكم الألماني أن يوهان كان ملاكماً بالفطرة، "رقص على الحلبة بانتظام، وقاد خصمه إلى الجنون بحركاته الجانبية والخلفية". لكن لم يتح لمانويل أن يتعرف على عمه شخصياً، غير أنه بحث كثيراً خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وتحدث إلى الصحف التي كتبت عنه تلك الفترة والتي ما تزال تمارس عملها.
ملاكمة غير ألمانية
أثناء هذا الصراع اتخذ حكام المباراة قراراً بعدم تقييم النتيجة، الأمر الذي جعل المشاهدين ساخطين، وأمام احتجاجهم رضخ الحكام للأمر واعتبروه فائزاً، لكن ترولمان تسلم اللقب دامع العينين. احتفظ باللقب لثلاثة أيام فقط، حُرم بعدها منه. حول هذا الإجراء يوضح كاي هيلغير، أمين مُتحف الرياضة والألعاب الأولمبية في مدينة كولونيا، قائلاً: "التعليل كان، بأن ترولمان لاكم بطريقة غير ألمانية، لأنه بكى، وأهان بذلك الجمهور الألماني".
غير أن السبب الحقيقي كان مختلفاً، فأصوله الغجرية حالت دون احتفاظه باللقب، بهذا كان ضحية واضحة للاضطهاد في ظل المناخ العنصري المتنامي مع صعود النازيين مطلع ثلاثينات القرن الماضي. بعد ستة أسابيع توجب على ترولمان أن ينازل الملاكم الأقصر والأخف وزناً غوستاف إيدير، في إطار المنافسة على لقب بطولة الوزن المتوسط. كانت فكرة المسؤولين الرياضيين من النازيين تتلخص في أنه ينبغي على إيدير الفوز، فالنصر أمام غريم مُفترض بأنه الأقوى، يُدعِّم تفوق العرق الآري.
سُمح لترولمان حينذاك أن يلاكم تحت أوامر شديدة الصرامة، وتحت التهديد بسحب ترخيصه، كما منعوه من اللعب بأسلوبه، الذي يعتمد فيه مهاجمة على الخصم راقصاً ومانعاً إياه من تحقيق هدفه.
سُخرية من النازية على الحلبة
عندما أعتلى ترولمان مُجدداً حلبة الملاكمة بتاريخ 21 يوليو/ تموز 1933، دُهِش الجمهور، فقد غطى ترولمان بشرته بالدقيق الأبيض ولوّن شعره بالأشقر، ما أثار سخط أنصار النازية هذه المرة. وضع ترولمان نفسه مباشرة أمام خصمه، وسمح له أن يضربه بدون أي مقاومة تاركاً يديه متدليتين. عن هذه الحادثة يقول مانويل متكهناً: "لا أعتقد أن هذا كان شكلاً من أشكال التعبير السياسي، إذ أراد ببساطة أن يحتج فقط، ويوضح للمعنيين بأنه لا يمكنهم فعل هذا معه". لكنهم استطاعوا تنفيذ تهديدهم، فبعد أشهر قليلة سُحب ترخيص يوهان ترولمان لممارسة الملاكمة، ويتابع مانويل قائلاً: "رغم كل هذه الإهانات لم ينجر ترولمان أبداً إلى التفكير بمغادرة ألمانيا".
لقد رفض يوهان بنفسه عرض الملاكم الألماني الأكثر شهرة ماكس شميلينغ، بطل العالم في الوزن الثقيل لعامي 1930 و1932، وفق مانويل ترولمان. ويضيف مؤكداً: "شاهد مدرب شميلينغ ومديره مراراً يوهان أثناء جولات الملاكمة، وسألوه فيما إذا كان يرغب في تدريب الشباب الألمان وفي المغادرة لاحقاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه رفض هذا الأمر".
إهانة واضطهاد وقتل
لاحقاً وقعت الحرب العالمية الثانية، وعلى خلاف يهود ألمانيا، جُنِّد الغجر في الجيش الألماني، وتعين على ترولمان أن يحارب في الجبهة الشرقية، حيث جُرح. وفي يونيو/ حزيران 1942 اُعتقل وعُقم قسراً. عن ذلك يقول مانويل: "كان التبرير، بأنه مجنون عقلياً، ولا يستطيع المرء أن يتحمل مسؤولية أنه سينجب أطفالاً".
بعد ستة أشهر دخل مرسوم "آشفيتز" حيز التنفيذ، وتضمن المساواة بين اليهود والغجر وكانت نتيجته إحضارهم جميعاً إلى المعتقل، وكذلك ترولمان. وبموجب شهادة ذات مصداقية لأحد السجناء، أُحضر ترولمان إلى معتقل مدينة فيتينبيرغ باسم مزيف. وهناك تم التعرف عليه عام 1944 من السجين المسؤول الذي كان يُلقب آنذاك "كابو"، وهو من هواة الملاكمة، والذي دعاه بدوره إلى نزال. وبحسب الشاهد امتنع ترولمان بادئ الأمر، ولكنه أسقطه لاحقاً بالضربة القاضية، ما دفع كابو إلى الانتقام، من خلال المبالغة في اضطهاده بمعسكر العمل، حتى انهار وبعدها قتله ضرباً.
نهاية حزينة
كانت نهاية مُحزنة لحياة قصيرة جداً، صيغت من حب الملاكمة ومن وقائع التاريخ فترة الحكم النازي في ألمانيا.هذه الخاتمة دفعت مانويل ترولمان إلى التساؤل: "كيف كانت حياة يوهان الرياضية ستنتهي، لو قُدر لها أن تسير بشكل طبيعي؟" وكإجابة على هذا السؤال يُجمع خبراء الملاكمة بأنه على الأقل سيكون بطل أوروبا أو حتى بطل العالم، كما يرى مانويل.
كان ترولمان مشهوراً في زمنه، ولكنه بات اليوم معروفاً بالكاد، وهو حال العديد من الغجر الناجحين اجتماعياً. وفي هذا السياق تعتقد إيريس بينكيبانك، المتحدثة الرسمية باسم جمعية الغجر: "لدى الغجر اليوم عدد قليل جداً من المدافعين عنهم اجتماعياً في ألمانيا، والتغطية الإعلامية ليست بالمرضية هي الأخرى". وتتابع بالقول: "عندما تكون الأقليات ناجحة في مجتمعات الأكثرية، فإنهم يُخفون أصلهم غالباً، لقناعتهم بأن الأصل يُسيء لوضعهم".
وتخليداً لذكرى الملاكم ترولمان شُيدت العديد من النصب التذكارية إجلالاً ًواحتراماً له، وسُميت شوارع باسمه، كما أُنتج فيلم ونُشر كتاب عن حياته.