المقاتلون التونسيون العائدون من سوريا: "قنابل موقوتة"
٢٧ مارس ٢٠١٤قال مهدي جمعة رئيس الحكومة في تصريح نقله التلفزيون الرسمي يوم 21 آذار/ مارس 2014، إن المقاتلين التونسيين العائدين من سوريا "قنابل موقوتة (..) يجب أن نتهيّأ لها".
وتقدّر وزارة الداخلية التونسية عدد التونسيين الذين سافروا إلى سوريا بهدف "الجهاد" ضد قوات الرئيس بشار الأسد، بحوالي 4 آلاف. لكنّ منظمات غير حكومية تونسية تقول إن عددهم أعلى من ذلك لأن كثيرين خرجوا من البلاد سرًّا عبر الحدود البريّة المشتركة مع ليبيا وسافروا من مطارات ليبية إلى تركيا ومنها دخلوا بَرًّا إلى سوريا.
ويخشى التونسيون الأكثر تشاؤما، من أن يتكرّر في تونس "السيناريو" الذي شهدته الجزائر خلال التسعينات، عندما عاد آلاف من "المجاهدين" الجزائريين الذين كانوا يقاتلون في أفغانستان ضد قوات الاتحاد السوفياتي السابق، ودخلوا في حرب مع قوات الأمن الجزائرية أسفرت عن مقتل نحو 200 ألف شخص خلال 10 سنوات.
العائدون "يهددون الأمن القومي"
الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي قال لـDW عربية إن 4 آلاف تونسي "على أقصى تقدير" يقاتلون في سوريا، وأن نحو 400 من هؤلاء عادوا خلال "الأشهر الأخيرة" إلى تونس. وأوضح العروي أن أجهزة الأمن كوّنت "قاعدة بيانات" بأسماء المقاتلين العائدين إلى تونس وأحالتها إلى القضاء الذي أمر بسجن بعضهم وبوضع الآخرين "تحت المراقبة الأمنية".
ويمثّل هؤلاء "تهديدا للأمن القومي التونسي، لأنّهم اكتسبوا خبرات قتالية في جبهات المعارك، ويمكن أن ينخرطوا في أعمال إرهابية داخل تونس"، على حد تعبير الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية. ويضرب مثلا بمحمد المالكي (أحد المقاتلين العائدين من سوريا) والذي شارك يوم 25 يوليو/ تموز 2013 في اغتيال المعارض التونسي محمد البراهمي.
وعن أسباب عودة المقاتلين التونسيين من سوريا، أشار الناطق الرسمي أنهم "قرّروا الرجوع إلى تونس من تلقاء أنفسهم، أو بطلب مُلِحّ جداّ من عائلاتهم الرافضة أصلا لذهابهم إلى هناك، أو هربا من الاقتتال الذي نشب بين التنظيمات الإرهابية التي يقاتلون معها" في إشارة إلى تنظيميْ "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
"الاخطر"
لكن مازن الشريف رئيس قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب في "المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل" (منظمة غير حكومية) نبّه إلى أن التونسيين الذين قاتلوا في سوريا مع "جماعات تكفيرية مثل جبهة النصرة وداعش، هم الأخطر على الإطلاق".
وقال الشريف لـ DW عربية "هؤلاء تشرّبوا الفكر التكفيري، وجرّبوا القتل والذبح وقطع الرؤوس، وحلموا وآمنوا بإقامة دولة إسلامية في الشام، لكنهم فشلوا في تحقيقها، فعادوا إلى تونس محبطين منكسرين، ومن غير المستبعد أن يحاولوا تحقيق هذا الحلم في تونس".
ويرى يُسري الدالي، الخبير الأمني والمدير السابق لمصلحة الدراسات والتكوين في وزارة الداخلية، وهو أيضا دكتور في علم النفس أن "الحلّ الأمني لا يكفي وحده لدرء خطر المقاتلين التونسيين العائدين من سوريا". وقال الدالي لـ DW عربية "يجب وضع إستراتيجية عمل شاملة يتداخل فيها الأمني والاجتماعي والنفسي والديني...، تبدأ بوضع حد لسفر المقاتلين وتنتهي بإعادة تأهيل العائدين منهم".
ممنوع السفر إلى سوريا
منعت وزارة الداخلية منذ آذار/ مارس 2013 وحتى اليوم أكثر من 8 آلاف تونسي من السفر إلى سوريا، حسب العروي، الذي يضيف بالقول، إن الوزارة أوقفت نحو 300 شخص (تونسيين وبعض الليبيين) ينشطون في "شبكات" تقوم بتجنيد وتسفير مقاتلين من تونس نحو سوريا لافتا إلى أنه تم تفكيك "أغلب" هذه الشبكات. كما أن وزارة الداخلية ستقترح على السلطات التشريعية إصدار قانون يمنع التونسيين من السفر إلى مناطق "التوتر" في العالم.
ويشير مازن الشريف، إلى أهمية التعاون ألاستخباري للسّلطات التونسية "الجادّ مع البلدان المجاورة لسوريا وخاصة تركيا لمنع التونسيين من العبور عبر هذه البلدان إلى سوريا، أو للحصول منها على هوية (التونسيين) الذين عبروا نحو سوريا".
وتطالب نقابات أمنيّة في تونس، بتطبيق قانون "مكافحة الإرهاب" الصادر سنة 2003، على المقاتلين العائدين في سوريا. ويفرض هذا القانون عقوبات بالسجن وغرامات مالية قد تصل إلى 12 عاما و50 ألف دينار (حوالي 25 ألف يورو) على كل تونسي يشارك في القتال خارج تونس مع تنظيمات "إرهابية".
لكن ألفة العياري الأمينة العام لنقابة السجون في تونس حذرت من "مخاطر" وضع المقاتلين العائدين من سوريا مع السجناء المدانين في جرائم "الحق العام" لأنهم سينقلون إليهم "الفكر الجهادي التكفيري" ويحوّلونهم إلى "خلايا إرهابية نائمة" داخل السجون.
وبعد الإطاحة بنظام الرئيس التونسي المخلوع في 2011، أفرجت السلطات بموجب "عفو تشريعي عام" عن حوالي 300 سجين تونسي قاتلوا سابقا في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، وحوكموا بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
وقال مسؤول في جهاز مكافحة الإرهاب التونسي لـ DW عربية إن "وضع هؤلاء مع مساجين الحق العام كان خطأ قاتلا لأنهم نقلوا إلى مئات من نزلاء السجون الفكر الجهادي التكفيري، وبعد خروجهم من السجن انضموا إلى الجهاديين العائدين من الخارج وكوّنوا تنظيما إرهابيا" في إشارة إلى جماعة "أنصار الشريعة بتونس".
والعام الماضي، صنفت تونس والولايات المتحدة الأمريكية الجماعة "تنظيما إرهابيا" واتهمتها باغتيال اثنين من قادة المعارضة التونسية وبقتل أكثر من 20 من عناصر الأمن والجيش في هجمات حصلت سنة 2013، وبمهاجمة السفارة الأمريكية بتونس في 2012.
"العزل" ثم "إعادة التأهيل"
يقول يُسري الدالي الخبير الأمني ودكتور علم النفس:"يجب عزل المقاتلين العائدين من سوريا في ثكنة أو داخل مركز خاص، وإخضاعهم لعملية علاج نفسي قد تطول وربما تستغرق 3 سنوات خصوصا لمن ارتكبوا فعل القتل في سوريا".
وأضاف الدالي "عملية العلاج، تتداخل فيها آليات نفسية ودينية وتربوية وبيداغوجية واجتماعية واقتصادية، وعلى كل الوزارات ومختلف مكونات المجتمع المدني في تونس، المشاركة في إعادة تأهيل المقاتلين العائدين من سوريا لأنهم يمثّلون خطرا على البلاد".
وأبدى الشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة الشهير استعداد الجامع إلى المساهمة في إعادة تأهيل هؤلاء وفي "استتابتهم". وقال لـ DW عربية "عليهم بعد استكمال العلاج النفسي إعلان توبتهم على الملأ والتعهّد بعدم سفك الدماء مجدّدا".
لكن المسؤول بجهاز مكافحة الإرهاب شدد على ضرورة إبقاء هؤلاء تحت المراقبة الأمنية "لأن توبتهم قد لا تكون توبة نصوحا".