المصالحة الخليجية.. اتفاق مؤقت تمليه ضرورات المنطقة
١٩ نوفمبر ٢٠١٤عملت دول الخليج العربية على توحيد صفوفها والتغلب على خلاف شديد نشب فيما بينه، وذلك على أمل ترميم تحالف عرضته الفوضى التي اجتاحت الشرق الأوسط لاختبار قاس، وأصبح يواجه احتمال ميل ميزان القوى الإقليمي لصالح طهران إذا تم التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. واتفقت السعودية والإمارات والبحرين في اجتماع عقد يوم الأحد الماضي على إعادة سفرائها إلى قطر فيما يؤذن بانتهاء خلاف استمر ثمانية أشهر بسبب دعم الدوحة للمتشددين في سوريا وبلدان أخرى وتأييدها لانتفاضات الربيع العربي.
وظهر أمير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في صورة رسمية وهو يقبل رأس العاهل السعودي الملك عبد الله الذي تجاوز التسعين في لفتة مصالحة خلال اجتماع حكام دول الخليج العربية في الرياض. وقال محللون ودبلوماسي إن الملك السعودي هو القوة الدافعة وراء السعي لضم الصفوف.
وكانت السعودية والإمارات والبحرين قد سحبت سفراءها من الدوحة في آذار/ مارس الماضي واتهمت قطر بعدم الالتزام باتفاق يقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وعدم دعم جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها بعض دول الخليج منظمة إرهابية. وتنفي قطر تلك الاتهامات.
حصن الاستقرار
وقال مسؤولون إن احتمال تحسن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة إذا تم التوصل لاتفاق نووي يمثل هاجساً مستمراً لحكام دول الخليج لكنه ليس السبب المباشر وراء الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم الأحد الماضي. ويبدو أن الحكام أقدموا على رأب الصدع خشية أن يتطور الخلاف بما يتجاوز إمكانية السيطرة عليه، وربما يؤدي إلى مقاطعة القمة السنوية التي يعقدها مجلس التعاون الخليجي والمقرر أن تستضيفها قطر الشهر المقبل. وإذا حدثت مثل هذه المقاطعة فإنها ستتسبب في حرج شديد لقطر وتعظم الانطباع بتفكك التحالف وتثير الشكوك في فائدة المجلس.
ومع ذلك، فالهم الأكبر لمجلس التعاون هو حماية أعضائه الذين يرون أنهم يمثلون حصناً للأمن والاستقرار في ظل الحروب الدائرة في العراق وسوريا والفوضى التي يشهدها اليمن وليبيا وعدم الاستقرار في مصر إلى جانب الاضطرابات على حدود لبنان.
وفي إشارة إلى المصاعب التي تواجهها المنطقة نقلت صحيفة "الرأي" الكويتية عن رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح قوله إن اتفاق دول الخليج مهم لأنها ستصبح في غيابه عرضة للعواصف.
توقيت بالغ الأهمية
من جانبه يقول جان مارك ريكلي، الأستاذ المساعد بقسم الدفاع في كلية كينغز كوليدج لندن ومقره الدوحة: "على الأرجح قدرت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى أن تفكك مجلس التعاون الخليجي فيه خطورة شديدة على استقرار المنطقة".
كذلك فإن دول الخليج تريد التصدي لإيران التي ترى فيها قوة شيعية توسعية عازمة على تصدير "الثورة الإسلامية" إلى العالم العربي.
وقال مصدر دبلوماسي شارك في مساعي المصالحة إن إيران لم تكن العامل المباشر في اجتماع يوم الأحد غير أن "القلق بسبب إيران وبرنامجها النووي قائم على الدوام ولم يتبدد قط".
وإذا تم التوصل لاتفاق يقيد عمليات تخصيب اليورانيوم في إيران تحقيقاً لهدف الغرب ومنع إيران من صنع قنبلة نووية فسيسبب انزعاجاً لإسرائيل وحكام دول الخليج الذين يخشون من صعود قوة إقليمية معادية لمصالحهم. وتجري إيران ومفاوضو القوى العالمية الست مباحثات في فيينا لمحاولة التوصل لاتفاق قبل انتهاء مهلة في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وقال سامي الفرج المستشار الأمني لمجلس التعاون الخليجي: "حتى إذا كان الاتفاق مؤقتاً فسيعطي دفعة لإيران... وكان مجلس التعاون بحاجة لتوحيد مواقفه في ضوء إيران. فالتوقيت بالغ الأهمية".
اتفاق.. لكن إلى متى؟
وقال دبلوماسي إن الملك عبد الله حصل في اجتماع يوم الأحد على تعهد جديد من الشيخ تميم للحد من تأييد قطر للإخوان المسلمين ووضع حد للانتقادات الإعلامية لدول الخليج المجاورة. ولم يصدر على الفور تأكيد لذلك. أما إلى متى يظل الاتفاق قائماً فمسألة أخرى.
ويقول بعض المحللين إن استمرار العمل بالاتفاق ليس مضموناً في ضوء عمق العلاقات التي تربط قطر بالجماعات الإسلامية ورغبتها في مواصلة السعي للقيام بدور بارز في الشؤون الإقليمية. وقال سامي الفرج إنه يشعر بتفاؤل مشوب بالحذر. لكن عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية في الإمارات يشير إلى أنه رغم إمكانية اعتبار الخلاف منتهياً من الناحية الرسمية فالواقع قد يكون مختلفاً. وأضاف أنه من الضروري منح قطر الوقت لإظهار التزامها بالتعهدات.
من جانبه يرى إيميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أنه "من الصعب معرفة ما تم التوصل إليه من حلول وسط ومدى رضاً الأطراف المختلفة". أما ريكلي فيقول إن الهدف من الاتفاق على الأرجح هو وقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ويضيف "هكذا من المرجح أن نستمر في رؤية سياسات مختلفة فيما يتعلق بدعم الأطراف والجماعات المختلفة في الخارج".
ع.غ/ م.س (رويترز)