المصابون بالأمراض العقلية والنفسية في المغرب: ضحية واقع مؤلم ونظرة دونية
٢٥ يوليو ٢٠١٣بمجرد الدخول إلى مركز مولاي يوسف للأمراض العقلية والنفسية في مدينة مكناس المغربية ينتابك شعور غريب وتساؤلات عدة، أهمها ربما: هل هذا مركز استشفائي أم مرتع خال من أبسط شروط التطبيب والسلامة؟ المركز يستقبل يومياً ما يقرب من 70 مريضاً، ويضطر ثلاثة أطباء على التناوب في استقبال هؤلاء المرضىفيظل غياب أي بنية تحتية ملائمة للاستقبال. لكن ما يزيد الطين بلة هو أن جزءا من هذا المركز بات مهدداً بالانهيار. وتزداد المشكلة حدة خاصة في موسم الأمطار. "اليد مغلوبة وليس لدي أي خيار إلا هذا المركز ولكن أنا في خوف دائم على ابنتي، نظراً لانعدام الأمن هنا"، هكذا تقول خديجة، بصوت متهدج وتقاسيم وجهها تفضح مرارة المعاناة التي تتخبط فيها جراء مرض ابنتهاالتي تعاني من مرض نفسي وعقلي حساس للغاية.
من جهة أخرى يدق الطاقم الطبي في المركز هو الآخر ناقوس خطر عدم وجود حراسة خاصة للمستشفى، ما يجعله مشرع الأبواب أمام كل من هب ودب. عن ذلك تقول الطبيبة المناوبة مريم: "نعاني فعلاً من هذه المشكلة، فهجمات بعض الأشخاص تتكاثر، يأتون ويطلبون ملء وصفات طبية تتضمن أسماء أدوية تصنف في خانة الأقراص المهلوسة، الغالبون والأراتون على وجه الخصوص".
ندرة الدواء وكثرة المرضى
مشاكل الأمراض العقلية في المغرب متعددة، وأساسها المفهوم الخاطئ لمسألة قصد الشخص للطبيب النفسي، والذي ما يزال منتشراً بين الناس، نتيجة لثقافة ومعتقدات خاطئة مازالت تسيطر. وهذا في النهاية متاجرة للبعض على حساب صحة المريض، فأغلب الناس ما يزالون يعتقدون أن الأمراض العقلية تصدر عن مس من الجن أو السحر أو الشيطان، وهذه كلها معتقدات تجعل المغرب يحتل أدنى الدرجات من حيث التصنيف العالمي بالنسبة إلى الوعي الصحي.
مركز مولاي يوسف يئن أيضاً تحت وطأة مشكلة عدد العاملين فيه، في حين أن عدد المرضى والمتوافدين عليه أكبر بكثير. بعبارات متقطعة وزفرات تخنقها الدموع يحكي جلالعن صعوبة تحمل الأمر بعد أن اضطر إلى وضع ابنه الوحيد في مركز مولاي يوسف الاستشفائي. ويضيف بالقول: "كان على وشك اجتياز امتحان الدخل إلى كلية الطب هذه السنة، لكن ضاع كل شيء بين ليلة وضحاها، فقد أصبح عدوانياً كالثور الهائج، ولا يطلب غير الأقراص المهلوسة".
الطاقم الطبي والإداري المشرف على المركز بدوره يشكو من غياب الدواء، فلا يستطع استيعاب كل هؤلاء المرضى، في الوقت الذي يعاني فيه أغلبية المصابين من أمراض نفسية وعقلية تستغرق مدة علاجها وقتاً أطول، خصوصاً مرض انفصام الشخصية المزمن والصعب والذي يستلزم علاجاً مدى الحياة.
"أحمق 36" وواقع مجتمع لا يرحم
الرقم 36 ليس رقماً عادياً في المغرب، إذ يمكن أن تسمعه في شوارعها، حين يصف أحدهم شخصاً ما بـ"الأحمق" أو "المريض النفسي". والرقم 36 يشير إلى إحدى مستشفيات الأمراض العقلية في المغرب. "بمجرد معرفة الناس بأنك ذهبت إلى طبيب نفسي ينعتوك بالأحمق"، تقولها إحدى المريضات، التي رفضت الإفصاح عن اسمها، وتذرف الدموع. جالسة هذه المريضة في سريرها لتكتب بلاانقطاع، لكن لحسن حظها أن عائلتها ووسطها الاجتماعي ساعدها في الخروج من هذه المعاناة والتغلب على نظرة الآخر لها، ما مكنها من استعادة ولو النزر اليسير من الحياة.
في الجانب الآخر هناك العديد من ذهبوا ضحية عادات وتقاليد فأصبحوا مثل "كرة"، تتقاذفها التقاليد ونفسية المريض. "ظروف العمل ليست ملائمة لا للطاقم الطبي ولا للمريض. ويجب أن ندرك أن المرض النفسي يتم علاجه بمساعدة الأسرة والمحيط"، هكذا تقول سناء، الممرضة المناوبة، والتي يبدو أنها تعودت دهاليز العمل وباتت تعرف خبايا ومشقة معاينة نوع خاص من المرضى.
القطاع الصحي بمكناس "مختل" تنظيميا
ذكر بيان للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان في مكناس أن الوضع الصحي بالإقليم شهد تدهوراً كبيراً خلال الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن العديد من المرافق التابعة لمندوبية الصحة في مكناس تعاني من "إهمال كبير" من قبل المسؤولين، مما يضر بمصلحة المواطنين ويضرب بذلك الحق في التطبيب عرض الحائط. ويضيف البيان أن مركز مولاي يوسف للأمراض العقلية والنفسية أصبح نقطة سوداء، بل وأضحى مكاناً للتجارة بالأقراص المهلوسة.
من جانبها أوضحت المصادر الطبية بأن الشرطة القضائية باشرت مؤخراً في تحقيق يتعلق بملف جمعية الشؤون الاجتماعية لموظفي الصحة العمومية في مكناس بشأن فحص الرصيد البنكي للجمعية ومدخولاتها. والجدير بالذكر أن المكتب الإقليمي للصحة في الولاية والتابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل سبق أن وجه شكوى إلى وزيرة الصحة السابقة والمفتشية العامة للمالية، يتهم فيها مكتب الجمعية المذكورة أعلاه بسوء الاستغلال.
شبان، رجال نساء... يعيشون في تيه وفي عالم خاص بهم، تجدهم حفاة وعراة، أما حناجر ذويهم فتلهج بعبارة واحدة: الحق في العلاج والتطبيب فوق كل اعتبار.