إدلب "رهينة" تضارب المصالح بين روسيا وتركيا وسوريا
٥ يوليو ٢٠٢٣في بداية كل صباح، يسرع ياسر وشقيقه لبيع محصولهما في سوق جسر الشغور غربي محافظة إدلب السورية، بيد أن الخامس والعشرين من يونيو / حزيران الماضي حمل خبرا صادما فيما لا يزال واقع هذا اليوم عالقا في ذهن ياسر البالغ من العمر 39 عاما.
ويقول ياسر معلقا: "في ذلك اليوم، كنا في سوق الخضار وفوجئنا بالقصف الروسي. لقد كان المشهد مرعبا وقاسيا للغاية إذ فجأة رأينا الجرحى والشهداء على الأرض ولا يوجد من يساعد أو يحمل الجرحى لأن معظم الناس قد أصيبوا ولم يكن هناك من يساعدهم. المدنيون والمزارعون كانوا وحدهم المتواجدين هناك".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن عضو مجلس الدفاع المدني في إدلب أحمد يازجي، قوله إن الغارات أدت إلى مقتل تسعة أشخاص معتبرا أنّ "هذا القصف هو استهداف مباشر للسوق الشعبي الذي يعد مصدر دخل أساسيا للمزارعين".
ورغم أن الشابة هيفاء قد نجت من موت محقق بمعجزة حيث كانت قرب السوق إبان القصف الروسي، إلا أن جارها لم يحالفه الحظ ذاته، مضيفة "لقد مات وهو عريس حديث. نشعر بالصدمة والحزن".
أعلى حصيلة قتلى
وقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الغارات التي شنتها طائرات روسية أدت إلى مقتل 13 شخصا على الأقل، بينهم أطفال، مضيفا "هذه الغارات الروسية هي الأكثر دموية في سوريا هذا العام، وهي بمثابة مجزرة".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مدير المرصد رامي عبد الرحمن، قوله: "قتل 9 مدنيين بينهم طفلان جراء هذه الغارات الجوية"، التي استهدفت سوقا للخضار والفاكهة في محافظة إدلب، مضيفا أن 4 أشخاص قتلوا في غارة أخرى على أطراف مدينة إدلب.
وذكر المرصد أن "ثماني عناصر يتبعون لواء حمزة التابع لـ هيئة تحرير الشام قتلوا في غارات جوية شنتها الطائرات الحربية الروسية في ساعات الصباح الأولى على منطقة "بوتين- أردوغان" استهدفت مقر عسكري تابع للهيئة بمنطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي."
وقبل استهداف عناصر "لواء حمزة"، أفاد المرصد السوري بأن هذه الضربات الجوية قد أسفرت عن سقوط أكبر عدد من القتلى حتى الآن خلال العام الجاري.
ومنذ 2015، قدمت روسيا دعما عسكريا مباشرا لقوات الرئيس بشار الأسد أتاح لها، معطوفا على دعم توفره أيضا إيران وحلفاء آخرون، استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) على نحو نصف مساحة إدلب، ومناطق محدودة محاذية من محافظات حماة وحلب واللاذقية. وتؤوي المنطقة 3 ملايين شخص، غالبيتهم من النازحين.
ومنذ مارس / آذار 2020، يسري وقف لإطلاق النار أعلنته موسكو حليفة دمشق وتركيا الداعمة للفصائل المقاتلة، بعد هجوم واسع لقوات النظام، تمكنت خلاله من السيطرة على نصف مساحة إدلب.
وبين الحين والآخر، تشهد المنطقة قصفا متبادلا تشنه أطراف عدة، كما تتعرض لغارات من جانب قوات النظام وروسيا، على الرغم من أن وقف إطلاق النار لا يزال صامدا إلى حد كبير.
وتشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد سكان إدلب يبلغ قرابة أربعة ملايين شخص، بينهم أكثر من 1.7 مليون شخص يعيشون في مخيمات النازحين فيما يعتمد معظم السكان على المساعدات الإنسانية.
استعراض روسي للقوة
من جانبها، قالت وزارة الدفاع السورية في بيان إن الغارات جاءت "ردا على الاعتداءات التي نفذتها المجموعات الإرهابية المسلحة خلال الأيام الماضية على ريفي حماة واللاذقية، والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين".
وأضاف البيان أن القوات السورية نفذت "بالتعاون مع القوات الجوية الروسية عدة عمليات نوعية، استهدفت مقار الإرهابيين ومستودعاتهم في ريف إدلب، ومواقع إطلاق الطائرات المسيرة، وأدت إلى تدمير تلك المقار، بما فيها من أسلحة وذخائر وطيران مسير، ومقتل عشرات الإرهابيين وإصابة آخرين".
بدورها، قالت بينته شيلر، محللة شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة هاينريش بول الألمانية وهي مؤسسة بحثية قريبة من حزب الخضر، إن الضربات الجوية الأخيرة كانت استعراضا للقوة من قبل روسيا خاصة عقب عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وأضافت "هناك الكثير من المستبدين الذين يدعمون القول بأن القوة الغاشمة هي طريقة مجربة لتحقيق مرادهم وبوتين يؤكد ذلك مع الهجمات المتزايدة"، مشيرة إلى أن الصراع بين بوتين ويفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة "فاغنر" الذي قاد تمردا قصير الأمد الشهر المنصرم، ربما كان أحد الأسباب وراء تجدد القصف الروسي لشمال سوريا.
وقالت شيلر إنّ "فاغنر ربما فضحت بوتين وكشفت أن قوته ليست في وضع جيد، لذا فإن الرئيس الروسي يرغب في طمأنة نفسه عن طريق شن هجمات في إدلب".
التطبيع بين تركيا وسوريا
ويرى مراقبون أن هناك عاملا آخرا ربما يكون وراء التصعيد الأخير في ضوء أنالقوات السورية والروسية قد شنت أيضا هجمات في منطقة جبل الزاوية التي تقع داخل منطقة عازلة أقامتها روسيا وتركيا.
وتسيطر تركيا على هذه المنطقة الواقعة قرب الحدود التركية السورية فيما لا يقتصر الأمر على نشر قوات تركية في شمال سوريا إذ احتلت أنقرة أيضا العديد من المناطق بمساعدة مرتزقة سوريين لنقل اللاجئين السوريين إليها.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية، قدمت تركيا الدعم للمعارضة المسلحة وهو ما أثار استياء دمشق فيما أعربت موسكو عن استيائها أيضا من تقاعس أنقرة عن طرد المسلحين من المنطقة العازلة.
وقال مصدر دبلوماسي إن هذا الأمر يجعل التقارب بين أنقرة ودمشق أقل احتمالا فيما قالت شيلر إن موسكو تعمل الآن على زيادة الضغط، مضيفة "تريد روسيا من تركيا تطبيع علاقاتها مع سوريا لأن ذلك سيحمل في طياته رسالة كبيرة لأوروبا وحلف الناتو".
يشار إلى أن وكالة تاس الروسية للأنباء قد نقلت الشهر الماضي عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله إن "مسودة لخارطة طريق تقترحها موسكو من أجل عودة العلاقات بين تركيا وسوريا باتت جاهزة".
وكانت كازاخستان قد استضافت مؤخرا محادثات شارك فيها ممثلون من روسيا وتركيا وسوريا وإيران في إطار ما يُعرف بـ "محادثات أستانة".
وأشار البيان الصادر عن المباحثات إلى أن الجولة الأخيرة من مفاوضات أستانة كانت "بناءة حيث جرى مناقشة التقدم في إعداد خارطة الطريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا".
تضارب المصالح
وترى شيلر أن هناك تضاربا في المصالح بين تركيا وسوريا، مضيفة "لا تريد تركيا الانسحاب من سوريا بل تريد نقيض ذلك" في ضوء أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يأمل في إنشاء منطقة آمنة كبيرة داخل الأراضي السورية ربما لإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين يصل عددهم في تركيا لأكثر من حوالي 3.6 مليون لاجئ.
وفيما يتعلق بسوريا، قالت شيلر إن "الأسد يرغب من ناحية أخرى في استعادة كل شبر من الأراضي السورية. وبالنسبة للأسد وروسيا أيضا فإن محاربة هيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب سيكون جزءا من أي تقارب".
الجدير بالذكر أن وجود القوات التركية قد منع دمشق وموسكو من استخدام القوة العسكرية الكاملة لاستعادة آخر آخر معقل للمعارضة في البلاد.
وبالعودة إلى ياسر الذي فقد شقيقه في القصف الروسي التي استهدف سوقا في جسر الشغور، فقد قال في نبرة يعتصرها الأسى: "نرغب في العيش في سلام وليس بيدقا للمصالح السياسية خاصة وأن روسيا لا تميز بين المدنيين والعسكريين".
ديانا هودالي/ م. ع