المحترفون الشباب.. ما ينتظر أنسو فاتي بعد مباراته الأولى؟
٢٨ أغسطس ٢٠١٩"الحلم يصبح حقيقة"، عبارة كتبها لاعب البلوغرانا الشاب أنسو فاتي على حسابه في إنستغرام الأسبوع الماضي، عندما سُمح له بالتدريب مع الفريق الأول لبرشلونة. ويوم الأحد الماضي وتحديدا في الدقيقة 78 من مباراة البلوغرانا وريال بيتيس في منافسات "الليغا" الإسبانية، والتي انتهت بفوز برشلونة بخمسة أهداف مقابل هدفين، علا التصفيق من المدرجات بدخول فاتي الملعب بديلاً في أول مباراة رسمية له إلى جانب بيكيه وغريزمان ودي يونغ ضمن كتيبة المدرب الإسباني فالفيردي، وأمام 80 ألف متفرج.
وبعد صافرة النهاية عانق النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي اللاعب الشاب فاتي في الطريق إلى كابينة اللاعبين. وكان الأمر بالنسبة لابن 16 عاماً و9 شهور و25 يوماً حدث لا يتحقق حتى في أفضل أحلامه، فقد أصبح ثاني أصغر لاعب في تاريخ برشلونة يخوض مباراة في الليغا، بعد المدافع فيسنتي مارتينيز، الذي حمل قميص البرسا في عام 1941، وهو يصغر فاتي حينها بـ 18 يوماً فقط.
وجاء عناق ميسي وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد نشرت حسابات عشاق برشلونة صورة فاتي وميسي مذكرة بعناق آخر حين كان ميسي نفسه في بداية مشواره وعانقه الأسطورة البرازيلي رونالدينيو.
ولد أنسو فاتي عام 2002 في غينيا بيساو بغرب أفريقيا، ولكن لديه أيضاً جواز سفر إسباني. ومنذ 2013 كان الجناح الأيسر يبذل قصارى جهده في التدريبات بأكاديمية الشباب التابعة للبلوغرانا، وفي عقده الحالي الذي يستمر حتى 2022، يوجد شرط جزائي بقيمة 100 مليون يورو.
في هذا السياق تقول المحللة النفسية في الكلية الرياضية بكولونيا يوهانا بيلتس: "حين يدخل اللاعب بديلاً على وقع التصفيق المدوي المنبعث من المدرجات، فإن الأمر يشعره بالفخر ويعزز من ثقته في نفسه. لكن يمكنه أيضا الإصابة بشيء من العجرفة والغرور حين يلعب إلى جوار غريمزمان وميسي ومن ثم يعود إلى فريق الشباب".
ومع ذلك، كان فاتي مستعداً جيداً ليومه هذا، كما ترى الخبيرة الرياضية الألمانية. وتضيف بالقول: "لعب فاتي في صفوف برشلونة تحت 19 عاماً وللفريق الثاني، لهذا فهو يعرف ثقافة النادي والملعب وربما كان على اتصال بالفعل بلاعبين آخرين. وكل هذه متطلبات جيدة لظهور ناجح".
البوندسليغا: استثناء في تشجيع المواهب الصغيرة
ويحدث شيء مشابه في الدوري الألماني لكرة القدم حاليا، وتحديدا في نادي بروسيا دورتموند. فبعد أن كان أصغر لاعب في تاريخ هذا النادي هو نوري شاهين، الذي لعب أول مباراته الرسمية بالقميص الأسود والأصفر بسن 16 عاماً و11 شهراً ويومين (2005)، بات اليوم دورتموند على وشك تجاوز هذا الرقم عبر الواعد يوسوفا موكوكو الذي بلغ لتوه ربيعه الـ14.
ويلعب موكوكو، الألماني المولود في الكاميرون، في صفوف دورتموند لفئة تحت 19 عاماً. وكما هو الحال مع فاتي في برشلونة، فإن المديح والثناء على المستويات التي يقدمها موكوكو، يمطرانه بعد كل مباراة يلعبها ولا تخلو من أهدافه.
في الدرجة الأولى من الدوري الألماني لا يمكن إشراك اللاعبين القصر إلا في إطار استثناءات محدودة، من أجل تشجيع المواهب الصاعدة. فعلى فرق البوندسليغا تقديم طلب خاص إلى الاتحاد الألماني لكرة القدم مرفقٍ بموافقة الأهل، وكشف لطبيب رياضي يؤكد فيه عدم وجود أي عارض صحي يحول دون إشراكه في المباراة. كما يشترط الاتحاد الألماني أن يبلغ اللاعب القاصر ربيعه الـ17 خلال عام.
ومن وجهة نظر علم النفس الرياضي، لا يوجد سن أدنى يضمن بداية جيدة في كرة القدم الاحترافية، كما تقول بيلتس. وتوضح أن الأمر يختلف من لاعب إلى آخر. "في مرحلة المراهقة والشباب، يتعين على اللاعبين الشباب بالفعل تجاوز العديد من تحديات تطوير المهارات وإتقانها، على سبيل المثال الدخول في منظومة علاقات تختلف عن العلاقة المعهودة داخل العائلة، إضافة إلى احتراف ممارسة الرياضة. يجب علينا هنا ألا ننظر إلى مستوى الأداء فقط، وإنما إلى تطور شخصيتهم وضمان سلامتهم النفسية والجسدية أيضا. وهذا أمر مهم للغاية".
مشاكل متوقعة
وتؤكد خبيرة علم النفس الرياضي أن الظهور الأول عادة ما يكون ناجحا ويمر دون مشاكل، لكن عندما لا تسير الأمور على ما يرام على العشب الأخضر فإن الوضع يختلف لتظهر العديد من الأسئلة على السطح: "ماذا يحدث في حالة هزيمة الفريق؟ كيف أتصرف أمام الصحافة؟ ماذا أقول؟ وماذا أخفي؟ هل أظهر مشاعري وانفعالاتي النفسية؟".
وتشير بيلتس إلى أن الاتحاد الألماني لكرة القدم ألزم مراكز تهيئة الناشئين بتوظيف أخصائي علم نفس رياضي لمساعدة اللاعبين الشباب. بيد أن وجود هكذا أخصائيين، لا يحمي بالضرورة اللاعبين الشباب من المفاجآت والإحباطات التي تحيط بعالم كرة القدم، حسب رأي الخبيرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك دائرة من المستشارين أو المدربين التي "قد لا يركز فيها هؤلاء بالضرورة على مصلحة اللاعبين الشباب، وإنما على مصالحهم الخاصة"، وهنا قد تكون شبكة تضم "الآباء والأصدقاء والزملاء وربما خبير في علم النفس الرياضي" أفضل ركيزة للاعب الناشئ.
ومن المؤكد أن أنسو فاتي تنتظره أياماً أخرى مختلفة عما عايشه في الكامب نو الأحد الماضي، "بازدياد الضغط الإعلامي. وقد يواجه انتقادات من مدربه أو زملائه اللاعبين، وربما من الجمهور أيضاً. وقد يكون مضطراً في وقت ما لمقارنة نفسه بلاعبين أكبر منه سناً كميسي وغريزمان وأن يثبت نفسه أمامهم"، كما تقول بيلتس. وتضيف: "ليس من السهل على اللاعب البالغ من العمر 16 عاماً الانضمام إلى فريق المحترفين الأول والحصول على القبول"، فالمكوث في قصور الأحلام المتحققة على أرض الواقع لا يدوم طويلاً في أي حال من الأحوال.
شتيفان نيستلر/ ع.غ